قــــــالت صحيفـــة «الإنــــدبنـــدنت» البريطانية إن العراق أصبح بعد 10 سنوات من الغزو الأمريكي مرتعاً للفساد بمختلف أشكاله، مؤكدة أنه من المستحيل إصلاح النظام بواسطة الحكومة القائمة لأن أي محاولة للإصلاح ستضرب الآلية التي تحكم بها.
ووصف مراسل الصحيفة باتريك كوكبيرن، في تقرير مطول، أحوال العراق بأنها «لصوصية وفساد تحميه الحكومة».
وقال كوكبيرن إن «النخبة الجديدة التي يحمي مصالحها الحكم تمارس حياة غامضة وتتخفى وراء متاريس المنطقة الخضراء أو تتجول بشوارع بغداد في قوافل مدرعة، وتتصف بنهم شديد للفساد المالي والاستحواذ على الثروة. ونقل عن عراقيين قولهم إن عقوبات الأمم المتحدة دمرت المجتمع العراقي في التسعينات والغزو الأمريكي دمر الدولة عقب 2003.
وأورد المراسل صورا للفساد المالي والقضائي والسياسي وتدهور الخدمات وشلل فعالية مؤسسات الدولة الخدمية بسبب هذا الفساد.
وذكر أن الفساد يعقد الحياة اليومية للعراقيين ويسممها، خاصة حياة الفقراء. وأوضح أن الأضرار فادحة جراء السرقات بالجملة للمال العام. وأشار إلى أنه ورغم مليارات الدولارات التي تُنفق من خزينة الدولة، فلايزال هناك نقص في إمدادات الكهرباء والاحتياجات الضرورية الأخرى. وأشار التقرير إلى أن كثيراً من العراقيين الذين التقاهم يقولون إن محطات الكهرباء التي قصفها الأمريكيون في استهدافهم مرافق البنية التحية عام 1991 تم إصلاحها بسرعة باستخدام موارد عراقية فقط، واليوم ورغم توفر الأموال وعدم وجود مقاطعة خارجية وعقوبات، تعجز الحكومة عن توفير الكهرباء المطلوبة. ونسب إلى أحد كبار المهندسين بوزارة الكهرباء واسمه قاسم أن مشكلة الكهرباء في العراق ستستمر 20 أو 30 سنة قادمة إذا استمرت الأوضاع كما هي.
وقال كوكبيرن إن أسعار العقارات بالعاصمة بغداد عالية جداً، ورغم ذلك هناك مشترون كثيرون. ونقل عن أحد سماسرة العقارات ويدعى عبدالكريم علي قوله بعد أن ضحك «هناك مستثمرون من كردستان العراق لكن أغلب المشترين الذين تعاملت معهم هم من لصوص 2003 الذين لديهم الكثير من الأموال. هؤلاء الناس يشترون أفضل العقارات لأنفسهم». وأوضح كوكبيرن أن عبدالكريم يعني مسؤولين حكوميين.
وأشار إلى أن معظم الأموال المسروقة تذهب خارج البلاد، ويبقى جزء ضئيل بحسابات بالمصارف المحلية أو يتم استثمارها بحذر في العقارات. وانتقل التقرير إلى صورة أخرى من صور الفساد وهي تخويف المعارضين وتهديدهم وقتلهم، قائلاً إنه وفي 9 سبتمبر 2011، تم اغتيال الناقد الصحافي البارز ضد الحكومة مهدي المهدي بمنزله وهو من قادة الاحتجاجات بالشوارع. وقال إن مهدي وقبيل ساعات من إطلاق النار عليه كتب في صفحته على فيسبوك أنه «يعيش في رعب» وقد تم تهديده من قبل موالين للحكومة.
وعن الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة، خاصة الخدمية، ذكر التقرير أن أغلب مديري عموم المرافق والمؤسسات الحكومية كانوا قد حصلوا على مناصبهم بالمساومات السياسية وأنهم لا يتمتعون بالخبرة أو التأهيل اللازم للتخطيط لما يجب أن ينفذ، لذلك فإنهم يختارون عدم فعل أي شيء حتى يتفادون الفصل من الخدمة. ونقل عن غسان العطية الناشط والمحاضر بالعلوم السياسية قوله «الفساد لا يمكن تخيله. لا يمكنك الحصول على وظيفة في الجيش أو الحكومة إلا إذا دفعت. كما لا يمكنك الخروج من السجن إلا إذا دفعت. وحتى إذا حكمت محكمة بالإفراج لصالحك، فلن تستطيع الخروج من السجن إلا إذا دفعت لإدارة السجن. وإذا خرجت من السجن ربما يقبض عليك أحد الضباط لمجرد رغبته في الحصول على مال لتعويض ما دفعه رشوة للحصول على وظيفته».
ونقل عن أحد المعتقلين السابقين أنه كان يدفع مائة دولار لحارسه للسماح له بالاستحمام مرة واحدة. وأضاف التقرير أنه وعلاوة على سرقة عوائد النفط من قبل موظفين وأحزاب وسياسيين وصفهم بـ»المجرمين» يقول منتقدو رئيس الوزراء نوري المالكي إن أسلوبه في السيطرة السياسية هو الرشوة ومنح عقود العمل والاستثمار لمؤيديه أو أصدقائه ومعارضيه المترددين الذين يريد كسبهم إلى صفه. وقال أيضاً إن ذلك ليس نهاية المطاف في أسلوب المالكي، إذ يقوم أيضاً «بتهديد المنتفعين بالتحقيقات القضائية والفضح إذا تخلوا عن الولاء له». وحتى من لا يحظون بعقود ومنافع يعلمون أنهم عرضة للاستهداف من قبل «مؤسسات مكافحة الفساد» الحكومية، وأن المالكي يستخدم ملفات ضد خصومه وأصدقائه.
وأشار إلى أن مؤسسات مكافحة الفساد تتعرض لعرقلة النشاط أو التهميش أو التخويف. ولفت الانتباه إلى أن مسؤولاً كبيراً بالسفارة الأمريكية ببغداد شهد أمام الكونغرس قبل 5 سنوات بأن المالكي أصدر «أوامر سرية» يمنع فيها «لجنة النزاهة» وهي لجنة حكومية تتمتع باستقلال نسبي من تقديم قضايا للقضاء إذا كانت هذه القضايا «تتعلق بكبار المسؤولين الحكوميين الحاليين أو السابقين». ووصف المسؤول بالسفارة في شهادته أوامر المالكي تلك بأنها «ترخيص صريح بالسرقة».
وأشار التقرير أيضاً إلى إجبار رئيس هيئة النزاهة رحيم العقيلي على الاستقالة عام 2011 لعزمه على مقاضاة ما تسمى «شركات شل في الخارج» التي يستخدمها كبار المسؤولين لمنح عقود لأنفسهم والحصول على المستحقات المنصوص عليها في العقود حتى إذا لم ينفذوا ما تنص عليه.
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية