كشف تقرير صادر عن أحد أبرز مراكز دراسات التنمية في العالم، أنه قام بدراسة حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر، وشملت الدراسة تقدير قيمة كل المشروعات والممتلكات غير المسجلة، وبلغ حجمها 400 مليار دولار.
وأشار التقرير الصادر عن معهد الحرية والديمقراطية إلى أن هذا الرقم أكثر من القيمة السوقية للشركات المسجلة في البورصة المصرية بـ30 مرة، إضافة إلى أن اقتصاد مصر غير الرسمي أكبر مستخدم للعمالة، فبينما يوظف القطاع الخاص القانوني 6.8 ملايين شخص، والقطاع العام يوظف 5.9 ملايين، يوظف القطاع غير الرسمي 9.6 ملايين، وبالنسبة للعقارات كان 92% من المصريين يحتفظون بممتلكاتهم دون سند ملكية قانوني.
قال تقرير المعهد الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، إن تزايد الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار في دول الربيع العربي سببها الرئيسي هو التركيز على الحقوق السياسية وتجاهل الحقوق الاقتصادية وإهمال حق التملك والعمل.
وتوقع التقرير استمرار حالة عدم الرضا تجاه الحكومات والأنظمة الجديدة نتيجة عدم امتلاك تلك الحكومات لأدوات تغيير الوضع الراهن.
ويعد المعهد من أبرز مراكز دراسات التنمية في العالم، ويعتبر قضية ترسيم الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) من أهم وسائل تغيير المجتمعات التي تعاني من تفاوت طبقي.
واستعانت الحكومات في مصر وتونس بالمعهد لبدء تحديد الإصلاحات الضرورية المطلوبة لإصلاح هذا القطاع الحيوي.
وقال المعهد، الذي يتخذ من بيرو مقراً له، إنه أرسل فريقا من الباحثين إلى المنطقة برئاسة هيرناندو دي سوتو أحد أهم خبراء الاقتصاد المعنيين بالتنمية في العالم، للتعرف أكثر إلى الحقائق الاقتصادية وراء الربيع العربي.
وتوصل الفريق إلى أربع حقائق، الأولى هي أن إشعال الشاب التونسي محمد البوعزيزي النيران في نفسه في نهاية عام 2010 لم تكن واقعة فردية، فلم يكن شخصا واحدا قد أحرق نفسه، بل أشعلت الواقعة فتيل عاصفة حرائق.
واكتشف المعهد أن ما لا يقل عن 64 شخصاً من بينهم سيدة في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاولوا القيام بنفس فعلة الاحتجاج هذه في غضون 60 يوماً من إحراق البوعزيزي لنفسه.
أما الحقيقة الثانية فهي أن جميع الـ64 شخصاً الذين أشعلوا النار في أنفسهم يعملون بالأسواق غير الرسمية، ولم تتضمن كلماتهم الأخيرة قبل الوفاة أي محتوى ديني أو سياسي، ولكنها كانت تعكس مخاوف اقتصادية.
وتوصلت الحقيقة الثالثة إلى أن السبب الرئيسي لانتحارهم كان مصادرة الملكية، فإن حق الملكية في عالم السوق غير الرسمية تحدده سلطة واحدة، وعندما تجرد الفرد من حق الامتلاك تختفي معه كل الحقوق الأخرى.
والحقيقة الرابعة هي أن حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تمتلك بعد أدوات جمع المعلومات المطلوبة لفهم وتغيير الوضع الراهن، ولا تمتلك أيضاً القدرة على توفير أدوات للأعمال خارج السوق الرسمية من أجل زيادة رأس المال عن طريق إدخال شركاء جدد، أو زيادة التمويل عن طريق إصدار فواتير، أو توسيع الأسواق، أو حماية الأصول الشخصية أو المجتمعية عن طريق الحد من الديون، أو الاعتداد بالسمعة والممتلكات كمعلومات وضمانات للحصول على ائتمان.
وقام المعهد أيضاً بدراسة الواقع الاقتصادي في تونس، وقام بتلخيص نتائجه في كتاب صدر بعنوان "إصلاح الاقتصاد غير الرسمي التونسي" الذي يوضح الأبعاد الاقتصادية للربيع العربي جنبا إلى جنب مع وضع خطة مفصلة لإنهاء سياسة الفصل العنصري الاقتصادي في تونس، حيث تم تدشين الكتاب خلال مؤتمر لمعهد الحرية والديمقراطية والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كبداية لتطبيق نتائج ما تم التوصل إليه في الواقع العملي بتونس.
الأزمة كما حللها المعهد هي أن أصحاب الأعمال الذين يعملون بعيدا عن النظام القانوني مقيدون، ولا يستطيعون تنظيم نشاطهم بالاستعانة بالأشكال القانونية التقليدية، مثل إقامة الشركات البسيطة وغير ذلك من الترتيبات التجارية التي تمكنهم من النمو بالطريقة الطبيعية، لأن ملكياتهم مجرد رأسمال ميت، حيث لا يمكن استخدامها كضمان للقروض أو كتأمين لصفقات تعاقدية طويلة، وهكذا تظل هذه المشروعات صغيرة وفقيرة نسبيا.
وتحاول الحكومة الحالية في مصر ضم القطاع غير الرسمي ليعمل بطريقة شرعية، ومنحته إعفاء ضريبيا عن كل أعماله السابقة فور انضمامه للاقتصاد المصري، وقامت بإنشاء لجنة وزارية عليا لتيسير تحويل تلك المنشآت.