غزت القوات الأمريكية العراق لإسقاط نظام صدام حسين ملوحة بنظام ديمقراطي بديل، إلا أنها أطلقت عوضاً عن ذلك شرارة عنف طائفي وأزمات سياسية لم تتوقف منذ 10 سنوات. ورغم الانقسام الدولي حيال الغزو الذي روج له على أنه يهدف للقضاء على أسلحة دمار شامل تبين أنها غير موجودة، صنف العراق بعد سقوط نظامه السابق على أنه بلد حليف للغرب في منطقة مضطربة عسكرياً وسياسياً. غير أن إزاحة صدام عن الحكم منحت إيران المجاورة الفرصة لترسيخ نفوذ سياسي كبير في البلاد، في وقت تجد واشنطن صعوبة في ممارسة نفوذ مماثل على بغداد منذ انسحاب قواتها نهاية 2011، وفقاً لدبلوماسيين غربيين.
وقال كريسبين هاوس مدير مجموعة «يورواسيا» الذي تعنى بدراسة التطورات السياسية في المنطقة «كانت الأعذار سطحية، أسلحة دمار شامل وروابط بالقاعدة والخطر على أمن الولايات المتحدة. اليوم تبدو كل هذه الأعذار مضحكة».
وأضاف أن «هناك أيضاً القول إن العراق لن يكون حليفاً للولايات المتحدة فقط، بل أن تعافي الاقتصاد العراقي سريعاً سيوفر فرصة للنمو ليس للعراق فحسب ولكن للمنطقة بأسرها بحيث يكون مثالاً لها. هي أمور تثير السخرية اليوم». والحرب نفسها كانت قصيرة إذ بدأت في 19 مارس 2003 واستمرت حتى 9 أبريل من العام نفسه، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أن «المهمة أنجزت».
إلا أن ما تلاها بقي مصبوغاً بالدم حتى اليوم. فقد شنت جماعات مسلحة موجات من التفجيرات والاغتيالات أغرقت البلاد في عنف طائفي قتل فيه الآلاف إثر هجوم استهدف مرقد الإمامين العسكريين في سامراء شمال بغداد في 22 فبراير 2006.
وخاضت قوات التحالف الدولي التي قادتها الولايات المتحدة، وساهمت بشكل أساسي فيها بريطانيا، معارك مع مجموعات مسلحة سنية وشيعية على طول البلاد عرضها، من معقل السنة في الفلوجة والموصل، الى المدن الشيعية وعلى رأسها النجف والبصرة.
وتشير أرقام مواقع ومنظمات غير حكومية بينها موقع «ايراك بادي كاونت» إلى مقتل ما لا يقل عن 110 آلاف مدني وآلاف عناصر الشرطة والجيش منذ بداية الغزو، إلى جانب نحو 4800 جندي أجنبي غالبيتهم العظمى من الأمريكيين.
ولم تنخفص معدلات العنف، التي تبقى مرتفعة مقارنة بالمعايير الدولية، إلا بعدما زادت القوات الأمريكية من عديدها بالتزامن مع تأسيس قوات الصحوة السنية الموالية للحكومة والتي بدأت تقاتل عناصر تنظيم القاعدة. وبقيت المصالحة السياسية، الهدف الآخر لهذه الاستراتيجية العسكرية، بعيدة المنال في بلاد تعيش تنافساً على السلطة منذ ولادة النظام الجديد فيها.
وتتنوع الأزمات السياسية في العراق من الخلافات المرتبطة بالمناطق المتنازع عليها بين العراب والأكراد في الشمال، إلى كيفية تقسيم عائدات النفط.
وفي الوقت نفسه يواجه العراقيون يومياً نقصاً كبيراً في الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه النظيفة، إلى جانب المعدلات المرتفعة للبطالة.
وتشهد مدن مختلفة في العراق تقع معظمها في محافظات تسكنها غالبيات سنية، تظاهرات واعتصامات يومية منذ أكثر من شهرين، احتجاجاً على ما يعتبره هؤلاء إقصاء وتهميشاً لهم من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الشيعي الذي يحكم البلاد منذ 2006.
وقد أعلن وزيرا المالية رافع العيساوي والزراعة عز الدين الدولة، الوزيران السنيان المنتميان إلى قائمة «العراقية» بزعامة إياد علاوي، استقالتهما من الحكومة في فترة أسبوع واحد الشهر الجاري، وأكدا تأييدهما للتظاهرات.
ويتهم المالكي من قبل خصومه السياسيين بالتسلط والتفرد بالحكم، وهو اتهام قاد إلى شلل في البرلمان الذي عجز عن تمرير قوانين أساسية في السنوات الاخيرة، وبينها تلك المتصلة بقطاع الطاقة.
وفي خضم هذه التحديات، يبدو قطاع النفط الناجي الوحيد من تبعات ما بعد الغزو إذ إنه يعيش انتعاشاً غير مسبوق، مصحوباً بتوقعات تبشر بنمو إضافي خلال السنوات المقبلة. وتخطط الحكومة لاستثمار هذا النمو في مشاريع عدة، بينها بناء مجمعات سكنية في بغداد وضواحيها، ومطار جديد في النجف، وملعب كرة قدم بمعايير عالمية في البصرة. غير أن النفقات المتزايدة التي دفعت الحكومة إلى اعتماد موازنة أكبر من موازنة دولة كمصر يسكنها ضعف عدد سكان العراق، ستقود بحسب محللين إلى غلاء معيشة نظراً إلى البيروقراطية والفساد المستشري بشكل واسع في الإدارات الرسمية.
«فرانس برس»