وفي صباح يوم الثلاثاء زارني حضرة صديقي الماجد الهمام الحاج سالم المنذراوي مع حضرة الهمام الفاضل الحاج يوسف أحمد كانو وبعد أن جلسنا قليلاً سرنا لزيارة سمو مولانا الشيخ عيسى أعزه الله وهناك بذل الجهد الحاج يوسف كانو ليسمح لهذا العاجز بالمسير إلى المنامة ولو يوماً واحداً فأبى سمو الشيخ ذلك. ثم سرنا مع حضرتيهما فزرنا سمو مولاي الشيخ حمد ولي العهد واستأنف الكرة الحاج يوسف كانو بطلب الإذن لي فأبى سموه ذلك بقوله إن صاحبنا معجل بالرحيل فإذا أقنعته بالإقامة عندددنا أكثر من أسبوع سمحنا لك به يوماً أو يومين فشكرت وحمدت واعتذرت.
الشيخ إبراهيم بن محمد
ثم سرنا مع صاحبينا لزيارة حضرة العلامة الأستاذ والشاعر الناثر سمو الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة ابن عم سمو مولانا الشيخ المعظم فإذا سموه على جانب عظيم من الأدب والذكاء وهو عالم عامل وأديب فاضل وشاعر ناثر يقضي أيامه ولياليه بين الكتب والدفاتر ويسامر الأقلام والمحابر، وقد أطربنا لطفه وأدبه، كما أدهشنا علمه وفضله وأثنينا على ما شمناه فيه من الذكاء والعلم وتمنينا أن يكثر الله من أمثاله في أهل الإمارة وأصحاب السلطة في الممالك العربية وما زلنا عنده إلى أن انتصف النهار فودعناه ونحن طربون به ومستبشرون بلقياه.
خليفة بن سلمان
وقبيلة الغروب تفضل سمو الشيخ خليفة بن سلمان حفيد سمو الشيخ عيسى وزارني في غرفتي الخاصة وكان بمعيته العبيد والأتباع على أيديهم الشواهين والبزاة فحسبت ذلك فضلاً ومنة وشكرت ودعوت وسموه شاب في العشرين حولاً من ربيع عمره وهو النجل الوحيد للمرحوم الشيخ سلمان كبير أنجال سمو مولانا الشيخ عيسى وقد استأثرت به رحمة الله وهو في الحج منذ ستة عشر عاماً.
واجب الثناء والحمد
وفي ضحى يوم الأربعاء خرجت مع خادمي فحضرت مجلس العموم ثم تشرفت بالمثول لدى مولانا الشيخ عيسى بمجلس خاص رأيت فيه كل بشاشة وكرم ثم انصرفت رأساً إلى قصر مولاي الشيخ خليفة بن سلمان ورفعت لسموه قصيدتي التالية وهي:
إليك ولا أصبو لغيرك يا سعدي
وإن شمت في هذا الهوى السقم والنكدا
ونحوك يا ذات المحاسن والبها
اردد شوقاً يصدع الحجر الصلدا
إلى أن قال:
فاصفي الولا حباً لشيخ (خليفة)
هو ابن سلمان الذي بالورى يفدى
فتى شب في حسن السجايا ولألأت
مخائله الحسنا ولم يبلغ الرشدا
وما اعتم حتى ذاع باهر فضله
ونال الثنا والشكر والفخر والمجدا
وليمة ولي العهد
وفي مساء الأربعاء تفضل سمو مولاي الشيخ حمد آل خليفة ودعاني لوليمة عربية حضرها عدد من خيار الشيوخ مع وجوه أهالي البحرين وكان فيها أحد الشعار والشعار عندهم غير الشعراء وهم الذين ينشدون الأشعار بأنغام بدوية عربية فأنشد عدة قصائد حماسية منها قصيدة أبي فراس التي مطلعها:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
ثم مد السماط وجيء بالذبائح والرز وأنواع من الأطعمة العربية شتى وخر القوم للأذقان، وبعد النهوض عن الطعام أنشد الشاعر قصيدتي التي رفعتها لسمو ولي العهد ثم سألني سموه إن كنت أنظم حماساً فقلت: إن الحماس يليق بشعراء البادية الذي يخرجون إلى المعامع ويتدججون الأسلحة ويخوضون غمرات المنون، أما نحنأهل الحضر والترف فلا نعرف من الحماس إلا ما جاءنا بالسماع أو ما نقرأه بأشعار شعراء البادية. قال: إني أقترح عليك نظم بضع أبيات تضمنها وداع حبيب لمحبوبته وهو خارج إلى الحرب قلت سمعاً وطاعة. ثم ارفض الاجتماعفانثنيت وأنا معجب بفضل سمو الشيخ حمد وأدبه وشجاعته وأخلاقه الراضية.
قصيدة الحماس
وفي صباح يوم الخميس سرت إلى سراي سمو مولاي ولي العهد وتلوت على مسامعه الكريمة القصيدة التالية:
أقلي ملامي يا جميلة وارحمي
ولا تطمعيني بالبقاء فتندمي
إلى آخر الأبيات ..
فطرب سمو الشيخ واستعاد مني تلاوتها ثم أمر أن تعطى للشاعر ليحفظها ويتلوها بين يديه بالتنغيم. ثم ذكر سموه أنه عازم على المسير إلى لنجة للصيد والقنص وعرض علي بإلحاح أن أكون بمعيته فاعتذرت له ولم يقبل لي عذراً حتى أكدت له أني لا أحسن الركوب جيداً وفوق ذلك فإن ورائي من المهام ما يستدعي الإسراع فقبل بعد الجهد عذري ووعدني أن يتوسط لي لدى سمو مولاي والده المعظم للسماح لي بالسفر في الغد مع الباخرة السائرة إلى المحمرة فشكرت ودعوت وانصرفت.
الاستئذان بالسفر
وفي الساعة الرابعة بعد الظهر اليوم الخميس سرت إلى مجلس العموم وبعد انصراف المجلس خرجت بمعية سمو مولانا الشيخ عيسى المعظم إلى مجلسه الخاص وتلوت بين يديه هذه القصيدة مستأذناً بها بالسفر قلت:
يا جمل يكفي قد فقدت تصبري
وبذا الغرام لقيت صفقة مخسر
إلى آخر الأبيات ..
وكان سموه يسمع القصيدة وهو طرب ثم لما وصلت إلى الاستئذان قال لا إذن فإننا ما تملينا منك وقد أحببناك وهيهات نعود فنراك والشقة شاسعة فأبديت من الأعذار ما جعله حفظه الله أن يرضى فأذن وخرجت شاكراً على أن يكون مسيري صباح الغد الجمعة.
ضيافة الشيخ إبراهيم آل خليفة
وعندما بلغت غرفتي وجدت نجل سمو مولاي الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة رسولاً من طرق حضرة أبيه يدعوني إلى وليمة أعدها لي فقبلت الدعوة شاكراً وتوجهت بصحبته إلى دارهم العامرة فاستقبلني سموه أعزه الله بصدره الرحب وعندما استقر بي المقام تلوت بين يديه القصيدة التالية:
حسبي فهذا النصح ليس بنافعي
والحب خالط مهجتي وأضالعي
إلى آخر الأبيات ..
وكان سموه يعتذر ما شاء أدبه تواضعاً عن قليل ما قلت فيه ثم تبسم وقال: إنك مفارقنا غداً ويعز علينا فراقك وإني نظمت فيك بضع أبيات ثم أنشد رعاه الله:
عبد المسيح به بشرى أول فقد
شرفت حين وافاها بإقبال
إلى آخر الأبيات ..
فشكرت رعاية سموه وفضله ثم قلت ولكن الشعر بالشعر حرام، وبعد مباسطة أدبية مد السماط وجيء بالذبائح وأنواع الأطعمة فأكلنا هنيئاً مريئاً ثم قضينا ليلنا سهراً أنساً بحديث سموه حتى إذا انتصف الليل عدت إلى غرفتي وأنا أحمد الله الذي وفقني إلى معرفة مثل هذا الفاضل الحكيم.
وداع ولي العهد
وفي صباح يوم الجمعة تنازل سمو مولاي ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة فزارني بحاشيته الكريمة في غرفتي وأظهر أسفه لعدم تمكني من مصاحبته في حفلة الصيد الذي هو عازم عليها في ضواحي لنجة وعلمت أنه يصحب معه نيف ومائة رجل من أتباعه وأنهم يصيدون بالشواهين والبزاة وبالأسلحة النارية فشكرت وحمدت ثم أنشدت بين قصيدة الشكر والوداع فقلت:
ألا في سبيل الله ما أنا واجد
وفي حب ذات الغنج هذي الشدائد
إلى آخر الأبيات ..
الخروج من المحرق
ثم سرت بمعية سمو مولاي ولي العهد إلى غرفة سمو مولانا الشيخ الجليل فقبلت أياديه قبلة الوداع وأصدر أمره في الحال إلى أمير البحر وكان حاضراً أن يسير معي ويكون برفقتي إلى أن أصل إلى الباخرة فشكرت ودعوت وهكذا ودعته مع سمو ولي عهده وانصرفت يرافقني أمير البحر إلى المرسى فإذا هناك سفينة كبرى تنتظرني وفيها حوائجي فركبتها مع الأمير إلى المنامة فوصلتها بعد خمسين دقيقة فأبقيت حوائجي بالسفينة وخرجت إلى البر.
ضيافة يوسف كانو
وما كدت أصل البر حتى وجدت صديقي الفاضل الحاج يوسف كانو ينتظرني وقد بلغه خبر عزمي على الرحيل من رسول مولانا الشيخ الذي أوفده لقطع بطاقة السفر (البيليت) فشكرت عنايته وسألته في الحال عن صديقي الحاج سالم المنذراوي فقال: إنه في شغل هام ولا يلبث أن يعود فسرنا مع حضرته إلى داره العامرة وأخذ يلح علي بالبقاء بضيافته أسبوعاً فاعتذرت ملياً وبصعوبة كلية قبل عذري وبعد قليل حضر صديقنا الهمام الحاج سالم فتبادلنا الشوق ثم تناولنا طعام الغداء وبعد الظهر تجولنا في المدينة فإذا هي أوسع من المحرق وفيها قنصلية إنكلترا والبوسطة وأهم المحلات التجارية ثم سرنا إلى سوق كبير خاصة صديقنا الحاج يوسف كانو وعلمت أن حضرته أوجه وجيه في البحرين ثروة وجاهاً والسوق الذي سرنا إليه يبنى على البحر على أجمل طراز. وفي الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة نزلت إلى الباخرة وكان البحر هادئاً وأبت مروءة صديقي إلا أن يوصلاني إليها مع حضرة أمير البحر وكانت الباخرة راسية على بعد ساعة من البر وعند وصولنا إليها بقي صاحبنا معي إلى أن خيم الظلام فودعوني وساروا وبقوا في صدري جميلاً لا يمحى.
مجمل ما علمته عن البحرين
إن البحرين عبارة عن جزيرة في وسط الخليج العربي وهي على مسافة يوم طولاً في نصف يوم عرضاً وفيها من النفوس ما يقرب من الثمانين ألفاَ وأهم أعمالهم هي الغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ وزراعة الأراضي وفي الجزيرة يكثر زراعة النفاش والبرتقال. وأصل اسم هذه الجزيرة هو أوال على ما ترى في أبيات صديقنا سمو الشيخ إبراهيم بن محمد وأما كلمة البحرين فتطلق على الحسا والقطيف ثم تغلبت هذه الكلمة على الجزيرة فأصبحت علماً لها.
وأهالي الجزيرة كلهم مسلمون وهم من أهل السنة وحكمهم بيد الشيوخ وحاكمهم سمو الشيخ عيسى آل خليفة وهو يفصل الأحكام بينهم على حد الشرع الشريف ولديه قاضي شرعي يعاونه في إجراء الأحكام. وثروة الأهالي ضعيفة وهم متمتعون بنعمة الأمان والحرية فرحون بما أنعم الله عليهم من حسن المعيشة. هذا كل ما أستطيع كتابته الآن.