كثيراً ما يستخدم مصطلح الأيديولوجيا في العديد من التحليلات والدراسات السياسية تحديداً، فما هو المعنى لهذا المفهوم؟ وما هي استخداماته؟الأيديولوجيا أصلها يوناني، فهي تنقسم إلى قسمين؛ الأول يعني الفكرة، والثاني يعني العلم أو السلطة، وبالتالي هي بالمفهوم اليوناني القديم تعني سلطة الأفكار. تطور المفهوم نتيجة تطور الفكر السياسي، وأصبحت الأيديولوجيا تعني مجموعة من الأفكار والقيم التي تبين رؤية من يتبناها لواقع الأمور السياسية. بمعنى أن من يتبنى الأيديولوجية الإسلامية ينظر إلى واقع الحياة من هذا المنظور، ومن يتبنى الأيديولوجية الليبرالية فإنه ينظر إلى المجتمع من هذا المنظور نفسه، وهكذا.اليوم صارت الأيديولوجيا مظهراً من مظاهر التنظيم السياسي، فما يميز كل جماعة سياسية أو حزب سياسي عن الآخر الأيديولوجيا التي يتبناها، فهناك أحزاب دينية، وهناك أحزاب يساريةِ، وأخرى اشتراكية، وبعضها ليبرالية، ومنها أيضاً الراديكالية. ومثل هذه الأيديولوجيا هي التي تتحكم في طبيعة أنشطة التنظيمات السياسية وبرامجها ومشاريعها وأجندتها التي تسعى لتحقيقها. فإذا كان هناك حزب اشتراكي من المنطقي أن يتبنى مشاريع وبرامج تمثل الفكر الذي يتبناه عندما يحوز على أغلبية في البرلمان. على المستوى الفردي فإن كل فرد له قناعاته وأفكاره وقيمه ومعتقداته السياسية التي تمثل الأيديولوجيا الخاصة به، وهي تمثل حقاً من حقوقه الفكرية، إذ لكل حق حرية الاعتقاد والتفكير، وهو ما يعني حرية الإنسان في اختيار الأيديولوجيا التي يراها مناسبة ومقنعة له باعتبار حرية الفكر والاعتقاد من حريات حقوق الإنسان. السؤال هنا: كيف تتكون الأيديولوجيا؟مادامت الأيديولوجيا مرتبطة بالأفكار والقيم والمعتقدات فإنها دائماً ما ترتبط بالفكر السياسي الذي تطور باستمرار عبر العصور المختلفة وفقاً للظروف التي مرّت بها المجتمعات. حيث مر على البشرية الكثير من المفكرين الذين أثروا الفكر السياسي في العالم، وكان لهم الفضل في تطور التجارب الإنسانية في تشكيل الأنظمة السياسية بشكلها الحالي من مؤسسات دستورية وديمقراطيات متنوعة. تبدأ الأيديولوجيا بظهور الأفكار السياسية في مجتمع ما، وتتطور على يد مجموعة من المفكرين وفي غالب الأوقات تكون العملية عشوائية وليست منظمة. وبعدها تنتشر الأفكار، ويمكن أن يتعرض لها الفرد من خلال محيطه الأسري، وبعد ذلك من خلال تنشئته العادية التي يمر بها في المدرسة ونطاق الصداقة، والعمل، إضافة إلى ما يتعرض له الفرد عبر وسائل الإعلام المختلفة. الأيديولوجيا ليست مجموعة أفكار ثابتة ولا يمكن تغييرها، بل هي أفكار متغيرة ويمكن أن تتغير في أي وقت طبقاً للظروف التي يمر فيها الفرد، وكذلك التنظيمات السياسية. فهناك الكثير من الأفراد والأحزاب السياسية التي حولت وبدلت أيديولوجياتها بسبب ظروف معينة. أيضاً سؤال آخر: هل الأيديولوجيا ضرورة ولا يمكن الاستغناء عنها؟ الأيديولوجيا في جميع الحالات موجودة في كل فرد، وفي كل تنظيم سياسي سواءً كانت معلنة أم غير معلنة، لأنها تعكس الأفكار والمعتقدات والقيم التي يحملها الفرد تجاه القضايا والظواهر السائدة في المجتمع، وإن لم يكن الفرد منتمياً لتنظيم أو جماعة سياسية معينة. فعلى سبيل المثال لو كان الفرد لا ينتمي لإحدى الجمعيات السياسية، فإن المسألة لا تعني أنه لا يحمل أيديولوجيا تماماً، فهو لديه قناعته وموقفه من المشاركة في الانتخابات مثلاً، ولديه موقفه تجاه مشاركة المرأة في السياسة.. إلخ. وبالتالي فإن الأيديولوجيا موجودة في مختلف المجتمعات، وموجودة لدى كافة الأفراد. تعاقبت على العالم منذ بداية القرن العشرين الماضي العديد من الأيديولوجيات التي مثلت الاتجاهات السائدة الرئيسة في دول العالم، بل وشهد العالم صراعات واسعة نتيجة اختلاف الأيديولوجيات، وهناك حروب قامت لأهداف أيديولوجية بحتة. في بداية القرن العشرين تطور الفكر الاشتراكي، ومقابله الفكر الرأسمالي، ودار صراع بينهما خاصة وأن هناك دولتين تمثلان هاتين الأيديولوجيتين، الاشتراكية مثلها الاتحاد السوفييتي السابق، والرأسمالية مثلتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شهد العالم صراعاً بين معسكرين قادت كل دولة معسكراً وذلك فيما يعرف بالحرب الباردة التي انتهت في الثمانينات الماضية. ونتيجة لانتهاء الحرب البادرة، وبسبب تطور شبكات الاتصال والمعلومات في العالم منذ التسعينات وحتى اليوم، صار هناك اتجاه عالمي نحو تعويم الأيديولوجيا، وتعني انتهاء الأيديولوجيات الخاصة، والاتجاه نحو أيديولوجيا عالمية، بحيث تكون الأفكار والمعتقدات والقيم السياسية عامة ومتاحة للجميع من أجل ظهور ثقافة عالمية متشابهة. وهذا هو الاتجاه السائد اليوم في إطار ما يعرف بـ(العولمة)، بعد أن انتهت القيود الدولية على تبادل المعلومات، وصارت هناك فرص لتشكيل ثقافة سياسية جديدة تمثل أيديولوجيا مستقبلية. من هنا يتبين أن الأيديولوجيا تعني منظومة من الأفكار والمعتقدات والقيم، وهي مهمة لكل مجتمع، وسائدة فيه، كما إنها مرتبطة وتتطور بالفكر السياسي دائماً، إضافة إلى أن هناك نظاماً يؤدي تكوين هذه الأيديولوجيا وتؤثر فيه الظروف التي يشهدها المجتمع والبيئة المحيطة. وأغلب استخدامات الأيديولوجيا أنها ترتبط بوصف الفكر الذي يتبناه الفرد أو الجماعات أو التنظيمات السياسية.
970x90
970x90