جاء قرار صاحب السمو الملكــي رئيــس الــــوزراء مؤخـــراً باعتمـــاد دليـــل حوكمـــــــة المؤسســـــات الحكوميـة كخطوة جديدة في سلسلة متواصلة من الخطوات التي يبادر سموه باتخاذها في إطار نهج سموه الحكيم في الارتقاء الدائم بالخدمات المقدمة للمواطنين وتنفيذ جميع البرامج والآليات التي تضمن تعزيز قوة الاقتصاد الوطنــــي فــــي مواجهـــة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وذلك من خلال تفعيــــل منظومــة حوكمة الجهاز الحكومي بما يجعله قادراً على الارتقاء بالأداء وعلى تنفيذ جميع الأعمال والمشروعات بأقل المخاطر وأفضل الآليات.
كما تأتي هذه الخطوة مواكبة للتطورات العالمية، حيــــث باتــــت الحوْكمــة ملمحاً مهماً في البلدان المتقدمة والمتطورة، في ظل ما يشهده العالم من أزمــات مختلفــة وتحديات كثيـــرة على الصعيديــــن المالي والاقتصادي، وتزايد أهميتها نتيجة سعي الدول المختلفـة لتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي.
ولهذا قرر صاحب السمو رئيــــس الــــوزراء تطبيــق الحوْكمة في المؤسسات الحكومية لما لها من أثر فعال في إدارة المؤسسات بشكـــل مباشــــــر، وإدارة المخاطر، وتطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية وروح المساءلة وإدارة الموارد والكفاءات من خلال الاستغـــلال الأمثـــل لهــا، الأمر الذي من شأنه تعزيز التنافسية ورفع الكفاءة والفعاليــــة في الأجهــــزة الحكومية. كما إنها تدفع إلى التحسن العام في الأداء المؤسسي بالوزارات والمؤسســات الحكوميــــة الذي بلاشك يساهم في المحافظـة علــى سلامـــــة الاقتصاد الوطني ويحسن مناخ الاستثمار، ويرفع معدلات النمو.
الحوْكمة اليوم مطلب اقتصـــــــادي واجتماعي لا غنى عنه، كونها تجعل من المؤسسات الحكومية جسماً إدارياً واحداً متكاملاً فاعلاً ومنتجاً قادراً على أن يترجم الأهداف والسياسات إلى واقع، من خلال مجموعة من الممارسات التي تضمن الاستخدام الأمثــــل للصلاحيـــــــات الإدارية التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف المؤسسة، وتطبيق أفضل الممارســات والمنهجيات الموثقة التي يتم العمل بها مع الحفاظ على حقـــوق ورضــا المتعاملين وأصحــــاب المصلحـــة، فهــــي تعزز المسؤولية الاجتماعية وتؤكد على علاقات المتعاملين، من خلال الأنظمة التي تحكم العلاقــات بيـن الأطــراف الأساسية المؤثرة على الأداء، التي تساعد على الاستمراريـة مــــن خــــلال المسؤول والمسؤولية.
وتتكامل خطوة اعتماد سمو رئيس الوزراء دليل الحوْكمة مع مبادرة سموه «الارتقاء بالرقابة الذاتية في الجهاز الحكومي» والتي تهدف إلى إيجاد آلية حكومية للتعامل مع تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وتعزيز مفهوم الرقابة الذاتية في الجهاز الحكومي، وإعادة تفعيل دور إدارة المشاريع الحكومية بكفاءة عالية، من خلال ضبط الصرف من الميزانية المتكررة، وميزانيـــــــــة المشـــاريع، والمتابعــــة الحثيثــــــة للإنجازات الفعلية حسب الجداول الزمنية المحددة لها وبرنامج عمل الحكومة.
قد يكون من السهل وضع أفكار متقدمة أو اتخاذ قرارات نوعية، إلا أن الصعوبة والتحدي الحقيقي هــو تنفيــذ تلـك الأفكـار والقرارات، وهنا تتجلى حكمــــة صاحــــب السمـو الملكي رئيس الوزراء، حيث يحرص سموه أولاً على تهيئة البنية والأرضية اللازمة لتنفيذ ما يتخذه من قرارات وما يضعه من برامج ومشروعات واتخاذ التوقيت الصحيح للبدء في تنفيذها .
هذا ما ينطبق أيضاً على توقيت اعتماد دليل حوْكمة للمؤسسـات، حيث لم يكن قراراً طموحاً بلا أساس وإنما جاء بعد أن نجحت الحكومة في وضع القوانين والتشريعات اللازمة، والتي يمكـــن من خلالها تطبيق مبادئ الحوْكمة بكل يسر. حيث باتت تلك المؤسسات تمتلـــك الأدوات اللازمــــة لتطبيق الحوْكمة بنجاح ووفق ما يأمله صاحب السمو الملكي وحتى يمكن الوصول للأهداف التي يسعى إليها سموه من تلك الخطوة.
فالحوْكمة ليست مجرد قرار يتخذ في لحظة وإنما هو نظام يتضمن مدخلات تتمثل في كل ما تحتاج إليه الحوْكمة من مستلزمات وما يتعين توفيره لها من متطلبات سواء كانت قانونية، تشريعية، إدارية واقتصادية، كما تتضمن نظام تشغيل يتمثل في الجهات المسؤولة عن تطبيق الحوْكمة والمشرفة على هذا التطبيق وجهات الرقابة وكل أسلوب إداري داخل المؤسسة أو خارجها مساهم في تنفيذ الحوْكمة وفي تشجيع الالتزام بها وفــــــي تطوير إحكامها والارتقاء بفاعليتها، فضلاً عن أن نظام الحكومة يتضمن مخرجات كــــون الحوْكمة ليست هدفاً في حد ذاتها وإنما هي أداة ووسيلة لتحقيق نتائج وأهــــداف يسعــــى إليهــا الجميع.
وتتضح دقة التوقيت أيضاً بالنظر إلى الظروف التي تمر بها المملكة ومساعيها الرامية إلى تجاوز الآثار الاقتصاديـــة للأحـــــداث عبر جذب الاستثمارات المختلة والقضــــاء علــــى أي هدر في النفقات وإزالة كل المعوقات أمام تنفيذ الخطط والمشروعات، وهو ما استدعى ضرورة تطبيق الحوْكمــــة ليــــس فقــط مؤسسات القطاع الخاص، وإنما التأكيد على الــوزارات والمؤسسـات الحكوميـــــة لتكون نموذج يحتذى به. وتساعـــد على كسب ثقــة المستثمر وبالتالي جذب الاستثمارات ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
ومــــن ضمــــن بنــــود الحوْكمة التي أكد عليهـــا صاحب السمو الملكـــي رئيس الوزراء، هو تعزيــــز التنافسيــــة فـــي الســـوق المحلي والتي ستحتم على الأجهزة الحكومية البدء في زيادة فعاليتها ضمن الإطار القانوني والأنظمة المعتمدة، وتحسين أدائها من خــلال القياس والتقييم المؤسسي والإدارة المثلى للموارد المالية والبشرية والمعرفية والتي تؤدي جميعهــــا إلى تحقيـــق الأهــداف الاستراتيجيــــة، وضمـان حقوق المتعاملين، وكل ذلك سيساهم في تعزيز تنافسية مملكة البحرين كدولة مؤسسات وستساعد على إيجاد آليات للتخطيط السليم، وإدارة التغيير، ويحقق الانضباط المؤسسي في إدارة الوزارة أو المؤسسة الحكومية.
يمكننا أن نتوقع تغيراً إيجابياً كبيراً في نتائج عمل المؤسسات الحكومية وتحديداً في المجالين الاقتصادي والاجتماعــي، فعلى الصعيد الاقتصادي، فإن تفعيل الحوْكمة سيعزز قدرة الوزارات والمؤسسات الحكومية علـى تحقيق أهدافهــــــا الاستراتيجـيـة وتنفيذ المشاريع الداعمة لها وتحقيق الاستقرار المالـــــــي والاقتصـــــادي من خلال رسم الخطط والمبادرات حسب الأولويات والموارد المتوفرة وبحسب الإطـــــارات القانونيـــة والضوابط المالية وبالتالي تعزيز سمعة المؤسسات الحكومية وقدرتهـا عـلــــى جذب الاستثمارات وتنويع الإيرادات ومصادر الدخل.
أما على الصعيد الاجتماعي، فالحوْكمة ستزيد من قدرة الوزارات والمؤسسات الحكوميـــة علـــى تحمـــل المسؤولية الاجتماعيــة للأطـــــراف المعنيــــــة والمتعاملين بحيث تقوم بتقديم خدماتها حسب معايير محددة تقوم بوضعها وتوضيحها لجميع العاملين فيها، وتسعى بجميع السبل المتاحة لها إلى توفير خدمات مميزة تصل لجميع المستفيدين المستهدفيــــن، وتقديــم خدمات عامة بمعايير عالية الجودة، تضمن حقوق المتعاملين، كما تضمن الحفاظ على المال العام.
ولهذا، فإنه يمكن النظر إلى قرار صاحب السمو الملكي على أنه إيذان ببدء مرحلة جديدة من العمل بالقطاع الحكومي تقوم على طرق وأدوات وأساليب من شأنها أن تجعل هذا القطاع قادراً على النهوض الاجتماعي والاقتصادي.
ومجمـــــل القـــول إنه سيظـل صاحـــب السمــــو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، صاحب المبادرات الإبداعية التي تؤدي لاستمرار وارتفاع وتيرة تحقيق الإنجازات النوعية، ليقدم سموه نموذجاً للقيادة العبقرية التي تتحدث عن نفسها بصفحـــات متتاليـــة مــن الإنجازات وسطور ممتلئة من المكتسبات.