قال الباحث والأكاديمي د.محمد فياض إن العديد من أسماء البرامج في القنوات التلفزيونية العربية تجافي الذوق العربي وتُسيء للغة العربية، مؤكداً أن التشويه الذي يلحق بلغة الضاد عبر القنوات الفضائية العربية المرئية هو أشد خطراً وأفدح أثراً من أي تشويه يقع في كتاب أو صحيفة أو مجلة لأن هذه كلها موجهة إلى جمهور له قسط من الثقافة والتعليم، بينما برامج القنوات الفضائية تصل إلى الناس أجمعين، وهم بوجه عام، غير قادرين على التصويب، ومن كان قادراً على ذلك لا يسعفه الوقت، وفي الأعم الأغلب صوته غير مسموع.
وأضاف د.فيض، في محاضرة علمية ألقاها في الجامعة الخليجية أول أمس حول «الإعلام والمسؤولية الاجتماعية»، لقد سلمنا بأن أسلوب محاكاة القنوات الأجنبية بمسمياتها أصبح شائعاً، فتعودت الأذن على سماع مسميات لمحطات عربية أو تدّعي أنها عربية مثل (Mbc Max أوMovies Fox أو OneDubai أو Media Sat أو نايل كوميديا أو نايل لايف) وغيرها، ولكن أن تتوغل العامية في مسميات القنوات أو البرامج الرئيسة في هذه المحطات فهي الكارثة بعينها.
وأشار إلى أنه «إذا ما تجاوزنا هذه المشاهد وبحرنا في لغة الإعلانات التلفزيونية فإننا سنواجه بلون آخر من الأساليب اللغوية العامية السقيمة التي تخلو من الذوق، لا لأنها صيغت بأسلوب رخيص مبتذل ينم عن جهل بآداب اللياقة والمخاطبة، وخلت من أي متعة أو طرافة أو إقناع».
التوجهات الإعلامية العربية أسيرة للتقليد
وأكد د.فياض أن التوجهات الإعلامية العربية مازلت أسيرة للتقليد أو التردد أو الانفتاح السمح المقرون بالحسابات الاحتمالية التي لا تلبي حاجات مجتمعاتها، بل هي أقرب للنخب الحاكمة وإن اتخذت لباساً طبع عليه كلمات مثل (مؤسسات خاصة أو مساهمة)، مشيراً إلى أن الإعلام العربي مازال يستند بشكل كبير على التكنولوجيا المصدرة من دول الشمال الغنية والتي تأمل في بقاء دولنا مجرد سوق للاستهلاك الإعلامي والإعلاني، ويتضح ذلك جلياً في كمية الأخبار والمعلومات المتدفقة عبر مؤسساتنا بشكل يومي جلها تأتينا عبر شبكات أوروبية متخصصة، فضلاً عن الإعلانات والمسلسلات والأفلام الأجنبية.
وأوضح أنه بغياب السوق العربية المشتركة، سوف تزداد الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية، وهذا يعني أن هناك من هو قادر على اقتناء تكنولوجيا الاتصالات وتطويرها وأخرى ترى فيها مجرد ترفاً زائداً. الأمر الذي سوف يولد تبايناً كبيراً في مستويات التقدم التكنولوجي والانتشار الإعلامي.
وأشار د.فياض إلى أن أحداث الربيع العربي، أفرزت مقدار التخبط الذي تعاني منه مؤسسات الإعلام العربي، واستعدادها لتبديل خطابها الموجه بين لحظة وضحاها كيفما تدور الأحداث، وتماشياً مع مراكز القوى السائدة، مضيفاً «مازالت ماكينة الإعلام الغربي الموجه تمتلك القدرة الفائقة في بناء وتغيير الاتجاهات السائدة في الشارع العربي كيفما تشاء، الأمر الذي يعني أن أجهزتنا الإعلامية مازالت في طور التكوين ومحدودة القدرة في التأثير والتوجيه».
وقال إن هناك اهتماماً عربياً ملحوظاً بالإعلام المسموع والمرئي، يقابله انكفاء أو ضعف واضح في الإعلام المطبوع، الأمر الذي سوف ينعكس مستقبلاً وبشكل كبير على الثقافة السائدة وظهور ثقافة سطحية تتماشى مع الإعلام الاستهلاكي المعولم، مشيراً إلى أن «غياب الثقة في الخطاب الإعلامي العربي دفع الجمهور إلى استقاء معلوماته عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر ، خاصة بين جموع الشباب المتحمس القادر على فك طلاسم التكنولوجيا الحديثة والتعامل معها بمهارة».
وشدد د.فياض على أن «التخبط الواضح في رسم صورة واضحة للمؤسسات الإعلامية العربية سببها غياب نظرية إعلامية عربية قادرة على استيعاب التطورات والمستجدات والتحديات التي تجابهها الدول العربية، وافتقارها إلى التخطيط العلمي الطويل الأمد»، مؤكداً أن «أكثر المتضررين من التخبط الإعلامي العربي اليوم هي الهوية العربية واللغة العربية، فالتوجه الإعلامي العربي اليوم لا يبني هوية حضارية أصيلة ولا يحافظ على الموروث الثقافي الأصيل، بل إن تقليد إعلام العولمة في مخاطبة الناس بلغة مبسطة واضحة ومفهومة ، دفع العديد من قنواتنا الفضائية إلى تقديم اللهجات السائدة على اللغة الفصحى بحجة كسب ود المشاهد، دون أن نعي خطورة ما نقوم به وانعكاساته المستقبلية على التربية والمعرفة.
وأضاف «لا بد من القول إن إعلامنا اليوم مازال أسيراً لمن يملكون المال والقوة، المؤسسات الإعلامية الرسمية منها أو الخاصة ، حيث تتوجه إلى الجمهور لا من أجل توعيته وتثقيفه وبنائه، بقدر ما ترمي إلى تدجينه ودفعه إلى زاوية الجمهور المستهلك، وهو ما يرمي إليه إعلام العولمة».
تنمية الإحساس بمسؤولية الكلمة الفصيحة
وأكد د.فياض أن الحل الجذري يكمن في اعتماد العربية الفصحى في برامج القنوات الفضائية دون استثناء أي برنامج منها، حتى برامج الأطفال والرياضة والمسابقات والإعلانات، وذلك وفق خطط استراتيجية مدروسة لتنمية الإحساس العالي بمسؤولية الكلمة الفصيحة، ووضع التشريعات المنظمة لذلك، وإقامة الدورات التدريبية للعاملين في قطاع الإعلام بصورة عامة والإعلام المرئي بصفة خاصة، وتذليل صعوبات التواصل اللغوي. وحث الدول العربية على أن تعنى بأجهزة الإعلام المرئي من خلال تعميم استخدام اللغة العربية الفصحى، لغةً للتعبير والاتصال، مجابهة اللهجات المستخدمة في القنوات الفضائية العربية من خلال التشريعات القانونية الفاعلة والمنظّمة، إن اللغة العربية هي أولى مستلزمات الحفاظ على الهوية العربية وهي مستودع حضارتنا ومجدنا، الأمر الذي يستلزم تكاتف الجهود الرسمية والشعبية للحفاظ على هذه اللغة.
واقترح على المؤسسات التلفزيونية العربية الدقة في اختيار المذيعين والمحررين والمدقّقين اللّغويين من ذوي الاختصاص والكفاءات العالية، وتأهيلهم بشكل جيد قبل أن يمارسوا أعمالهم، إقامة مؤتمرات وندوات لغوية ونحوية للإعلاميين، وإلقاء المحاضرات المكثفة عليهم بين الحين والآخر، فضلاً عن تبادل المعرفة والمشورة مع المؤسسات الأكاديمية المتخصصة بالإعلام، فتح قنوات التعاون بين المجمعات اللغوية العربية وهذه المؤسسات الإعلامية، في أمر العناية باللغة الفصيحة وأساليبها الصحيحة، والاستفادة من منشورات ودوريات هذه المجمعات اللغوية في إثراء حقل المعرفة اللغوية لدى العاملين في محطات التلفزة، ضرورة أن يعيد أعضاء المجمع اللغوي العربي تأكيداتهم وقراراتهم التي سبق وأن طالبوا بها وزراء الإعلام العرب في ختام مؤتمرهم السابع والستين الذي عقد في القاهرة في أبريل 2001 بخصوص ابتعاد المحطات التلفزيونية والإذاعية عن تسمية البرامج التي تقدم بأسماء أجنبية، وأن تراقب الأجهزة الحكومية والرسمية الأشرطة السينمائية والتلفزيونية الوافدة إلى محطاتها من بلدان أجنبية، والتأكيد على ضرورة استخدام العربية الفصحى أثناء ترجمة هذه الأعمال.