كتب ـ حسين التتان:
تختلف آراء الناس حول الغاية من دخول أبنائهم الروضة، وخطط الروضات واستراتيجياتها حول إعداد الأطفال لدخول المدرسة، ومدى مواءمتها بين تلقين الطفل أبجديات التعليم وبين اللعب.
يصر البعض على اعتبار الروضة بوابة للمدرسة، فيها يتعلم الطفل أساسيات اللغة ومبادئ القراءة والحساب، والاختلاط بأقرانه واحترام أساتذته ومعلميه، والانضباط داخل الصف المدرسي، بينما يجزم آخرون أن الروضات توغلت أكثر بالتعليم ونسيت الجانب الترفيهي المهم بحياة الطفل.
وهنا تبدو المواءمة بين الغايتين صعبة، وحتى الرأي الوسط بين التعليم وترك متسع من الوقت للتسلية والترفيه مسألة تخضع للنسبية، ولا يمكن أن ترضي أذواق الناس المتباينة وآرائهم المتضاربة.
الترفيه حاجة
ولية أمر الطالب علي محمد ترى ضرورة أن يتعلم طفلها أساسيات القراءة والكتابة في الروضة «لكن ليس على حساب طفولته وبراءته، الروضة مرحلة مهمة وحساسة وخصبة لتنمية مهارات اللعب واللهو وممارسة شقاوة الطفولة، لا أن تكون لطلب العلم الجاف فقط».
ويقول أحد أولياء الأمور إن المنهج الأنسب لتنشئة الطفل قبل مرحلة التعليم والتحاقه بالمدرسة، هو تكوين طفولته بشكل سلس، وألا يكون ذلك على حساب وقت اللعب والمرح «ما نشاهده اليوم أن غالبية الروضات، باتت تهتم بالتعليم أكثر من اللعب، ما يعتبر اعتداءً على الطفولة تحت مسمى التعليم!».
أم غيداء أدخلت ابنتها الصغيرة إحدى الروضات الخاصة «اكتشفت بعد فترة أن مشاعر طفلتي أصابها الخمول، وأصبحت تمارس دوراً يفوق سنها الطبيعي، حتى بدأت في العزلة عن الأسرة والمجتمع، وبعد أن تتبعت سر الأمر، اكتشفت أن عزلتها مرده التعليم المكثف لأطفال الروضة على حساب الأوقات المفترض تخصيصها للعب».
ويشاطر عبدالوهاب إبراهيم أم غيداء رأيها «طفلتي الصغيرة ولكثافة الدراسة في روضتها، لم تعد تعيش طفولتها بشكل طبيعي، فروضات اليوم يطالبون أطفالنا بفروض وواجبات وتحضيرات مدرسية بصورة يومية، وكأنهم طلبة في المرحلة الثانوية وليسوا أطفالاً، ما ينعكس سلباً وبصورة خطيرة على طفولتهم».
ويضيف «نحن وإن كنا نتلمس خطوات التعليم وغرس المعرفة لدى أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، لكنها غالباً ما تكون على حساب الطفولة ومتعة الانطلاق للعب واللهو».
من جهتها، تؤكد أم جاسم أن فكرة الروضات هي في الأساس قامت لممارسة الصغار طفولتهم،عبر اللعب والمرح والتسلية وتعليمهم المهارات الخاصة بالاختلاط والاجتماع مع أقرانهم، لكن ولأن المسألة أصبحت تنافسية وتجارية، بدأت الكثير من الروضات تلغي مناهج اللعب والمرح، وتستبدلها بالكتب والملازم الدراسية وتعليم اللغات الأجنبية».
الروضة ليست مدينة ألعاب!
ويشير يوسف عبدالنبي إلى أن برامج الروضات التعليمية المكثفة لم يأت مصادفة، بل هو نتيجة مباشرة لطلب الكثير من أولياء الأمور أنفسهم «ولي الأمر ولغياب الوعي الكافي بأهمية ممارسة الطفل كامل طفولته البريئة في الروضات، بدأ يفتش ويطالب أن تكون الروضات مكاناً لتعليم اللغة الإنجليزية، بغرض التباهي أمام المجتمع، ولو على حساب طفولة أبنائهم».
ويضيف «تعلم أطفالهم الإنجليزية بالنسبة لهم أهم من المرح، ومن هنا فليس مستغرباً أن توفر الروضات التجارية طلبات زبائنها، ولو على حساب قناعاتها، وهي أن ممارسة الطفولة أهم بكثير من تعليم دروس الرياضيات أو القراءة والكتابة واللغات الأجنبية».
أم وحيد تؤكد أن التعليم وممارسة الطفولة في سن مبكر من عمر الطفل، يجب أن يسيرا بطريقة متوازية ببرامج الروضات وتقول «لا تعليم دون مرح، ولا مرح دون تعليم، لكن الموازنة تقتضي أن تكون جرعات اللعب والمرح أكبر من جرعات التعليم».
ويقول ناجي محمد إن التعليم حق تكفله الدولة عبر مدارسها الحكومية «لكن الطفولة يجب ألا تختفي من الروضات التجارية، فالتوازن مطلوب بين اللعب والمرح في فترة السن المبكر للطفل، وبين التعليم الواجب، لكن ولأجل الخضوع لرغبة أولياء الأمور، وجدنا الروضات الحديثة اليوم تلغي البرامج الترفيهية لحساب التعليم، ومن هنا يجب إعادة النظر في كافة مناهج الروضات».