في كافة الأنظمة الديمقراطية توجد سلطات ثلاث تشمل السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان، والسلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة، إضافة إلى السلطة القضائية، ومثل هذا التقسيم أنشئ بهدف بيان السلطات الثلاث الرئيسة في الدولة، بحيث تقوم كل سلطة بدورها في تسيير أمور المجتمع الذي أنشئت من أجله.
فالسلطة التشريعية هي التي تشرّع القوانين وتراقب أداء السلطة التنفيذية «الحكومة»، أما السلطة القضائية فهي التي تختص بالنظر في كافة النزاعات والقضايا التي يمكن أن تنشأ بين الأفراد بعضهم بعضاً، وبين المؤسسات والأفراد، وبين المؤسسات والمؤسسات الأخرى في الوقت نفسه. وما يميّز هذا التقسيم اعتماده على مبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ دستوري وسياسي موجود في كافة الأنظمة الديمقراطية بحيث يضمن عدم تدخل أي سلطة من السلطات الثلاث في شؤون السلطات الأخرى من أجل ضمان استقلاليتها، وقيامها بالدور المناط بها على أكمل وجه وفقاً للاختصاصات الدستورية المحددة.
ونظراً لما شهدته مملكة البحرين من تحولات ديمقراطية واسعة منذ العام 2001 بعد نجاح الاستفتاء الشعبي على ميثاق العمل الوطني، فقد حدد الميثاق الإطار العام للسلطات الثلاث، ونظمت التعديلات الدستورية الأولى التي أجريت في فبراير من العام 2002 طبيعة وشكل السلطة القضائية وعلاقتها بالسلطات الأخرى. وتناول دستور مملكة البحرين السلطة القضائية في الفصل الرابع منه، وأقرت المادة «104 ـ ج» تأسيس النيابة العامة التي يحدد تفاصيلها القانون نفسه.
بشكل عام يتولى السلطة القضائية المجلس الأعلى للقضاء، وهو بحسب الدستور المجلس الذي يشرف على حسن سير العمل في المحاكم وفي الأجهزة المعاونة لها.
في 17 يوليو من العام 2000 صدر المرسوم بقانون رقم «19» لسنة 2000 بإنشاء المجلس الأعلى للقضاء، ويرأس جلالة الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويشكل المجلس من كل من رئيس محكمة التمييز، والنائب العام، وعدد لا يقل عن خمسة من أعضاء السلطة القضائية الحاليين أو السابقين تتم تسميتهم بأمر ملكي لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
ويختص المجلس الأعلى للقضاء بالإشراف على حسن سير العمل في المحاكم وفي الأجهزة المعاونة لها، واتخاذ ما يلزم من أجل ذلك، واقتراح تعيين وترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة، وكل ما يتعلق بشأنهم، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء والنيابة العامة، وجميع المسائل المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية. وبالتالي فإن المجلس الأعلى للقضاء هو الجهة العليا التي تشرف على أداء وكافة أنشطة السلطة القضائية بما فيها المحاكمة بكافة تخصصاتها ودرجاتها، من بينها أيضاً النيابة العامة، فما هو دورها وما هي وظيفتها؟
بحسب القانون، فإن النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، وتمارس الاختصاصات المقررة لها قانوناً، ولها دون غيرها تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
النيابة العامة لا تتجزأ، بوصفها سلطة تحقيق أو سلطة اتهام، ويحل أي عضو من أعضائها محل الآخر ويتم ما بدأه من إجراءات وذلك كله مع مراعاة قواعد الاختصاص. بمعنى آخر فإن النيابة العامة هي الجهة المسؤولة عن التحقيق في القضايا المختلفة، ولها صلاحية وسلطة توجيه الاتهامات في القضايا لتحيلها إلى المحاكم المختلفة طبقاً لما يقرره القانون، والهدف من ذلك ضمان استقلال الجهة المعنية بالتحقيق في كافة القضايا بدلاً من أن تكون في يد إحدى الجهات الأخرى مثل مراكز الشرطة باعتبار مسؤولية الأمن من مسؤوليات السلطة التنفيذية «الحكومة».
يقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى المحاكم النائب العام والمحامي العام الأول والمحامي العام، ورؤساء النيابة العامة ووكلائها ومساعديها، وفي حالة غياب النائب العام أو خلو منصبه أو قيام مانع لديه يحل محله المحامي العام الأول، وتكون له جميع اختصاصاته. وعليه فإن المسؤول الأول عن أداء النيابة العامة هو النائب العام الذي يمارس صلاحياته حسب ما قرره القانون.
يتولى القائمين على النيابة العامة من رؤساء النيابة مسؤولية «مأمورية الضبط القضائي»، وهي الصفة التي تتيح لهم التحقيق في القضايا، ويحق للنيابة العامة أيضاً تكليف مساعدي النيابة العامة التحقيق في قضية بأكملها عند الضرورة.
ومن المهام المناطة بالنيابة العامة الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية، ويحيط النائب العام وزير العدل بما يبدو للنيابة العامة من ملاحظات في هذا الشأن.
يشترط في عضوية النيابة العامة أن يكون العضو متمتعاً بالشروط الآتية:
أولاً: أن يكون بحرينياً،ويجوز تعيين من ينتمي بجنسيته إلى إحدى الدول العربية.
ثانياً: أن يكون كامل الأهلية.
ثالثاً: أن يكون حاصلاً على درجة الليسانس أو البكالوريوس في القانون من جامعة معترف بها.
رابعاً: أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.
خامساً: ألا يكون قد سبق الحكم عليه جنائياً أو تأديبياً لأسباب مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رد إليه اعتباره.
سادساً: أن يكون قد أمضى بالاشتغال في الأعمال القضائية أو القانونية مدداً لا تقل عن 15 سنة للتعيين في وظيفة النائب العام أو المحامي العام الأول وعشر سنوات للتعيين في وظيفة المحامي العام، وست سنوات للتعيين في وظيفة رئيس نيابة «أ»و»ب»، وسنتين للتعيين في وظيفة وكيل نيابة.
يؤدي أعضاء النيابة العامة عند صدور الأمر الملكي بتعيينهم اليمين الدستورية، وجميع أعضاء النيابة العامةـ باستثناء مساعدي النيابة العامة ـ غير قابلين للعزل إلا في الحالات ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية.
أما فيما يتعلق بمساءلة أعضاء النيابة العامة والتفتيش على أعمالهم، فإن هناك نظاماً خاصاً بالمساءلة والتفتيش والرقابة على أنشطتهم من أجل ضمان حيادية عملهم والحفاظ على استقلاليته.
من هنا فإن النيابة العامة مؤسسة مهمة من مؤسسات السلطة القضائية التي لا يمكن الاستغناء عن أنشطتها في كافة الأنظمة الديمقراطية، ونظامها المعمول به في المملكة يماثل الأنظمة المعمول بها في مختلف الدول. وهذا لا يعني عدم إمكانية تطوير أنظمتها باستمرار، فكما هو الحال عندما يتم تطوير صلاحيات واختصاصات السلطة التشريعية أو التنفيذية، فإن المجال متاح باستمرار لتطوير أنظمة النيابة العامة التي تتطور بتطور نظام السلطة القضائية في المملكة.