تدخل استقالة الحكومة المفاجئة لبنان في مرحلة من الشكوك واحتمال حصول أزمة سياسية طويلة وتوترات أمنية في مرحلة إقليمية دقيقة مرتبطة بالأزمة السورية التي ينقسم حولها اللبنانيون.
وسلم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي صباح أمس استقالته الخطية إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أصدر بياناً طلب فيه من الحكومة «الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة».
وقال ميقاتي لصحافيين بعد لقائه سليمان «المهم أن يبدأ الحوار الوطني، وأن تنشأ حكومة إنقاذ في هذه المرحلة الصعبة».
وأوضح ميقاتي في بيان استقالته أن رفض الأكثرية الحكومية تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات الذي من شأنه التمهيد لحصول الانتخابات في موعدها في يونيو المقبل، ورفضها التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي أشرف ريفي الذي يحال إلى التقاعد قريباً، هما وراء الاستقالة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من تدهور الوضع في لبنان بعد الاستقالة.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون إن «انعدام التوافق بين القوى السياسية في الحكومة ومجلس النواب أدى إلى مأزق خصوصاً حول الانتخابات، فيما المشاكل الأمنية مازالت ترخي بظلالها على استقرار البلاد».
ومن نيويورك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع الأطراف في لبنان إلى أن يكونوا «موحدين» وإلى العمل مع «مؤسسات الدولة للمحافظة على الاستقرار» والتزام الحياد في النزاعات الإقليمية.
وأعربت واشنطن عن اعتقادها بأن «الشعب اللبناني يستحق حكومة تعكس تطلعاته وتعزز استقرار لبنان وسيادته واستقلاله» في مواجهة الدور الذي يقوم به «حزب الله».
وتتألف حكومة ميقاتي من 30 وزيراً، هم 3 وزراء يمثلون رئيس الجمهورية، و5 وزراء من فريق رئيس الحكومة وهو بينهم، ووزيران يمثلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ويصنف هؤلاء أنفسهم في موقع الوسطيين. بالإضافة إلى 20 وزيراً يمثلون «حزب الله» وحلفاءه المؤيدين للنظام السوري.
وقد تشكلت الحكومة في يونيو 2011 بعد سقوط حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري المناهض للنظام السوري، وأبرز زعماء المعارضة الحالية في لبنان، في يناير من العام نفسه. وأطلق على حكومة ميقاتي في حينه اسم «حكومة اللون الواحد» بعد رفض المعارضة المشاركة فيها. إلا أنها لم تكن منسجمة تماماً، إذ إن التطورات السريعة في سوريا منذ ذلك الوقت سمحت للوسطيين بهامش من الاستقلالية عن «قوة الوصاية» السابقة في لبنان وبالتالي بالابتعاد في العديد من القرارات عن ائتلاف حزب الله.
وتمكن ميقاتي من تمرير مسألة دفع لبنان حصته في تمويل المحكمة الدولية التي تنظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 2005 والتي وجهت اتهاماً بالجريمة إلى 4 عناصر من حزب الله. كما تمكن من فرض سياسة «النأي بالنفس» من الأزمة السورية خشية تداعيات أمنية على البلد الصغير المجاور.
وتوقفت صحيفة «الأخبار» القريبة من حزب الله في عددها الصادر أمس عند تأثير الاستقالة على سياسة «النأي بالنفس» التي أرساها ميقاتي. وكتبت أن «خطوة استقالة الحكومة تعني إقحام لبنان مباشرة في الأزمة ما يعني توقع توترات أمنية ليس فقط على الحدود مع سوريا بل ربما داخل الأراضي اللبنانية»، مشيرة إلى أن «الفوضى السياسية سوف تطول والانتخابات في حكم المؤجلة».
ويفترض أن يحال ريفي السني البالغ من العمر 60 عاماً إلى التقاعد بعد أسبوع. ويعتبر أحد أبرز خصوم حزب الله. وتحت إمرة ريفي وضباط مقربين منه، تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من كشف مخطط تفجيرات تورطت فيه شخصيات سورية ولبنانية أخيراً. كما كان لهذا الفرع دور كبير في كشف خيوط في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005.
وللنزاع السوري منذ بدئه تداعيات أمنية على لبنان ذي التركيبة السياسية والأمنية الهشة حيث سجلت قبل أيام غارة سورية على منطقة حدودية. وقالت وسائل إعلام لبنانية قريبة من دمشق إنها استهدفت مواقع مسلحين يتسللون إلى سوريا للمشاركة في القتال إلى جانب المعارضة. وتعرضت مناطق لبنانية مراراً خلال الأشهر الأخيرة لإطلاق نار وقصف مصدره الجانب السوري.
وشهدت مدينة طرابلس، أكبر مدن شمال لبنان ومسقط رأس ميقاتي، جولات عدة من العنف بين سنة مؤيدين للمعارضة السورية وعلويين مؤيدين للنظام، وأسفرت الجولة الأخيرة خلال الأيام الماضية عن مقتل 6 أشخاص. كما قتل شخص وأصيب اثنان آخران في المدينة في تبادل رصاص قنص بين منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية، بحسب ما ذكر مصدر أمني.
وبالإضافة إلى الاستحقاق الأمني، يشكل استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة موضوعاً مهماً انقسم حوله أعضاء الحكومة.
فقد أعلن ميقاتي وسليمان تمسكهما بإقرار هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية بهدف احترام «المهل الانتخابية» وإجراء الانتخابات في موعدها. إلا أن تحالف حزب الله، لا سيما الطرف المسيحي الممثل خصوصاً بالزعيم المسيحي ميشال عون، يعترض بشدة على الهيئة، لأن تشكيلها يعني حكماً أنها ستكون مضطرة للعمل بموجب قانون للانتخابات سار حالياً ومرفوض من عدد كبير من اللبنانيين خاصة المسيحيين منهم.
ويعتبر المسيحيون في الأكثرية والمعارضة، أن ما يعرف بـ»قانون الستين» غير منصف بالنسبة لهم، لأن تقسيماته توزع المسيحيين «34% من السكان» في دوائر عدة يشكلون فيها أقلية، ما يجعل أصوات المسلمين هي المرجحة حتى بالنسبة لاختيار النواب المسيحيين. ومنذ أشهر، يحاول اللبنانيون التوصل إلى صيغة لقانون انتخاب جديد من دون نتيجة.
«فرانس برس»