يقول أحد الأساتذة الكرام: «كنت آتي مبكراً إلى العمل فأصبحت لا آتي إلا متأخراً مع أني مستيقظ من الفجر والمدرسة قريبة من بيتي ولكن سوء تعامل الإدارة وعدم رغبتي رؤية المدير جعلني أقوم بذلك»، ويقول آخر: «كلفني المدير ذات يوم بثلاث مهام وطلب مني القيام بها بوقت واحد! فقلت له: كيف؟ فقال: قم بالمطلوب دون نقاش»!، ويقول أستاذ فاضل -يعتبر أحد الكفاءات التربوية بصدق-: «لقد قدمت استقالتي، وكان من أهم أسباب الاستقالة: سوء الإدارة المدرسية»، ويقول معلم مستقيل آخر: «كنت محباً لمهنة التعليم، وكنت أجد متعةً بالتدريس، وأقوم بالعديد من الأنشطة المدرسية مع طلابي، ولكن الإدارة المدرسية التي كنت أتعامل معها حطمت جميع معنوياتي، وجعلتني أقدم استقالتي، وأذهب للعمل بدولة أخرى».
كانت تلك عبارة عن نماذج من الكوادر التربوية التي اضطرتهم الإدارات المدرسية للقيام بما تم ذكره آنفاً، وبذلك يخسر التعليم كوادره التربوية، ويكون هناك عزوف من قبل أفراد المجتمع عن هذه المهنة السامية.
إن الإدارة المدرسية الناجحة تسعى لتذليل الصعاب أمام المعلم، وتتيح له الفرصة لإبراز مواهبه وقدراته، وتفتح له المجال لإظهار ما لديه من مهارات تربوية، إضافة إلى تحفيزه وتشجيعـــه، وبذلـــك يزيــــد عطــــاؤه. الإدارة المدرسية الناجحة تضع نصب عينيها دائماً أن المعلم عبارة عن إنسان، والإنسان طاقة محدودة، وتحميله فوق طاقته يؤدي إلى إرهاقه، واستهلاكه في فترة وجيزة من الزمن، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى حالات التذمر، فتتعكر نفسية المعلم، وتجعله لا يؤدي الأداء المطلوب في مجال عمله. يعتمد نجاح الإدارة المدرسية على حسن علاقتها بالكادر التعليمي، فالعلاقة لا بد أن تكون متينة ومبنية على الاحترام المتبادل والثقة بين الطرفين.
من المهم جداً أن يشعر المعلم بأن الإدارة المدرسية معينة له في أداء مهمته ورسالته السامية، وأنهما عبارة عن جزءٍ واحد، كل منهما يكمل الآخر، ويسد ثغرة ما في العملية التعليمية، فالشعور بهذه الرابطة الوثيقة يمثل عاملاً مهماً في نجاح الإدارة المدرسية.
عملية تصيد الأخطاء وانتهاز الفرص للانقضاض على المعلم أمر لا يمكن أن يكون إيجابياً في الإدارة المدرسية، فالخطأ يتم علاجه بالبيان والمناصحة وحسن التوجيه، ولا يتم بالتهديد أو حتى بالتلويح باتخاذ الإجراءات الرسمية، فهذه الإجراءات ما وضعت إلا لعلاج الأخطاء والمشكلات، وما دام أن علاجها ممكن من خلال التوجيه فإنه يكتفى به، أما إذا لم يكن بالإمكان ذلك فإنه في هذه الحالة يتم اتخاذ الإجراءات الرسمية دون إشعارٍ للمعلم بأن ذلك إنما هو انتقام منه، ومن المهم هنا التأكيد على علاج الأخطاء بالحكمة وحسن تقدير الموقف والعواقب، فالخطأ سيمر ولكن العمل مستمر. كما إنه ليس من المقبول إذا أخطأ معلم خطأ ما -بوجهة نظر الإدارة المدرسية- أن يتم على الفور معاتبته، فقد يكون لديه رأي آخر بالموضوع لم يظهر للإدارة، وقد تقتنع الإدارة بوجهة نظره لو اطلعت عليها، وقد يكون فعلاً قد ارتكب خطأ ما وهو مقر ومعترف به ووعد بألا يتكرر الخطأ، فحينها معاقبته تكون من العبث، وتشعر المعلم بإرادة الانتقام، وبخاصة إذا كان هذا المعلم مشهود له بالكفاءة والنشاط والشعور بالمسؤولية التربوية وله من الحسنات ما يشفع له، فالإدارة الناجحة توازن في تصرفات المعلمين، ولا تتسرع باتخاذ قرارات من شأنها الإضرار بالعملية التعليمية. إن الاستياء العام من الإدارة المدرسية إنما يكون حينما تتعامل مع الكادر التعليمي وفق معايير غير منضبطة ولا عادلة، فحين يتم استبدال معيار العدالة بالمعايير غير المنضبطة ولا العادلة في التعامل عندها يكون الإشكال، وينشأ حينها حالة من الاستياء العام عند الكادر التعليمي، بخاصة إذا رأوا بأن الإدارة تحرص على تقريب فئة وإعطائها المزايا على حساب فئة أخرى.
وأخيراً: إن القائد الإداري الناجح هو من يستطيع كسب العاملين معه، وتحقيق التجانس بينهم، وإقناعهم بأهمية الوصول للأهداف المشتركة التي أسهموا بوضعها وصياغتها، القائد الإداري الناجح أقواله تطابق أفعاله، لا يكن إلا الخير للعاملين معه، يحسن الظن بهم، يزيد من عطائهم بحسن علاقته معهم، يسمع لهم كما يسمعون له، يرى نفسه خادماً لهم قبل أن يكونوا هم عاملين معه، يشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، لا يرى الوظيفة التي هو بها إلا تكليف سيحاسب عليه يوم القيامة، عندها تكون الإدارة المدرسية إدارة ناجحة.
أحمد عادل العازمي