ميدل ايست أونلاين: في محاولة لشرح ماهية عنوان كتاب «الرواية والحياة» لمؤلفه الناقد والروائي السوري هيثم حسين، كان لا بد بدايةَ من طرح هذا السؤال للإجابة عن بعض التفاصيل والإشكاليات العالقة في أذهاننا، حول أهمية الرواية كنوع أدبي في حياة الإنسان المنشغل اليوم في تلبية مطالبه الحياتية الضرورية. لذلك استطرد حسين من خلال صفحات كتابه المتتالية في الإجابة والسرد تحت عناوين درست علاقة الرواية مع التاريخ، السيرة الذاتية، المغامرة، الرقص، التخيل والجوع. يقول هيثم حسين: «يكاد يطغى اعتقاد بعبثية الرواية، أمام اجتياح الفجائع، أمام تكاثر المآسي وتناثرها. وخصوصاً في بحر الثورات التي اجتاحت المنطقة العربية، وحرّكت سكونها المزمن، والتي فرضت عودة الروح إلى القضايا الكبرى التي كان هناك احتفاء بهجرها، وتسفيه لمقترفي الكتابة فيها وعنها، أولئك الذين كانوا يوصفون بأوصافٍ شتى تخرجهم عن ركب الحداثة والمعاصرة، لأن تلك القضايا كانت قد بلغت درجة خطيرة من التجوّف والتفريغ من المحتوى والأهمية».
بشكلٍ عام يرى حسين أن الثورة تعيد التألق للرواية، مفترضةً استراتيجيات جديدة في الموضوع وكيفية الكتابة. لكنه يؤكّد في الوقت ذاته أنه «من شأن الحيوات المقدّمة في الروايات أن تبقي الثورة متألقة على الدوام دون أن يعني ذلك حصر الاهتمام بجانبٍ ما على حساب جوانب أخرى». ضمن ذات الفقرة يأتي ختام الإجابة عن سؤال: لماذا الرواية والحياة؟ على النحو التالي: «الرواية تمهّد للثورة. الرواية جمر الثورات.. الرواية لا تغيّر لكنها تهيّئ للتغيير. الرواية تفّكك مفاصل الواقع وعقده.. تشرّح، تحلّل، تنتقد، تغامر، توثّق، تبتكر، تؤرّخ، تعرض. هل الحياة إلا رواية لم تكتب فصولها بعد..! هل الرواية إلا حياة متجددة الفصول...!».
التاريخ
تحت هذا العنوان يبحث حسين في التاريخ الذي كان طيلة السنين الماضية، مصدر إلهام للكتاب والروائيين في كل مكان. خاصةَ وأنّ كثيرين منهم، حاولوا ضمن قالبٍ معاصر، كتابة الرواية التاريخية والاستعانة بشخصيات كان لها أثرها في تسطير التاريخ. وهنا يستحضر المؤلف مناقشة الناقد فيصل درّاج في كتابه «الرواية وتأويل التاريخ»، العلاقة بين الرواية والتاريخ، متحدثاَ هذا الأخير عن كتابة الرواية لتاريخ المقموعين، ومستعيناَ بشواهد كثيرة تحاول البرهنة على العلاقة العضوية بين التاريخ الروائي والتاريخ الثقافي العربي.
وبعد الكثير من البحث في تلك العلاقة الأزلية، يقول حسين: «بين روائيّ يقارب التاريخ للاعتبار، وآخر لتقديم تصوّرات مستقبليّة، بين متجيّش للنزعات الماضاوية، وآخر ساكن بأساطير تتقدّمه، ينهض المعمار الروائي ليقدّم التاريخ». وقد قارب مقولته بأمثلة من وحي التاريخ الروائي. فتحدث عن الروائي الكندي ميشيل ترامبليه الذي اختار العام 1913 ليكون خلفية زمانية تدور فيها أحداث روايته «عبور القارة». وفي سياق التاريخ، ولكن من زاوية جغرافية وزمانية مختلفة، شرح محاولة الروائي الأفغاني خالد حسيني تقديمه موجزاً لتاريخ أفغانستان عبر روايته «ألف شمس مشرقة».
لم يكتفِ حسين بهذه الأمثلة أثناء بحثه ودراسته، فاستحضر رواية «بلزاك والخيّاطة الصينية الصغيرة» للروائي الصيني ديه سيجي، رواية «فتاة الوشاح الأحمر» للروائية الصينية جي لي يانج، رواية «بقايا اليوم» للروائي البريطاني الياباني الأصل: كوزو إيشيغورو. وغيرها العديد من الروايات والروائيين، حيث كان في كلّ مرة يدرس أبعاد الرواية في علاقتها مع التاريخ وربط شخصياتها بمجريات الأحداث ضمن الزمان والمكان المحددين في كل واحدة.