لابد للإنسان أن يوقن بأن الله سبحانه وتعالى قد قسم لكل كائن حي رزقه ونصيبه في الحياة، فمنهم من كان صاحب مال وجاه ومنهم من عاش فقيراً بعزة نفس، وكل يعمل ويجني المال ليصرفه على الأمور المعيشية والكمالية بحسب احتياجاته، على افتراض أن يكون مصدر هذه الأموال حلالاً ويصرف في الطريق الحلال، لأن كل عمل نقوم به سيسجل إما لنا أو علينا، وليعلم كل شخص بأن البركة في الخير وكل مشروك مبروك.
موقــــف حصــــل معي خلال الأسبـــوع الماضــــي عندمــــا ذهبت لشراء حاجيات الشهر من «سوبرماركت» معروف، توجهت لدفع قيمة ما قمت بشرائه وكعادتي تتطلع عيناي إلى المبلغ الذي يظهر على شاشة جهاز الحاسب الآلي، وأحرص على أن لا أخطأ في ما سوف أدفعه قبل أن أستمع إلى «الكاشير»، دفعت المبلغ الذي ظهر وانتظرت الباقي لي لكن لعدم انتباهي أخذت أغراضي وخرجــــت مسرعـــاً متوجهـــاً لسيارتي، وعندما شاهدت الرصيد اكتشفت بأن علي أن أدفع «15 فلساً» لربما دفعتها أمينة الصنــدوق مــن مالهـــا الخاص، وأصبحت في وضع محرج كيف سأرجع هذا المبلغ البسيط، رجعت لمنزلي وظل السؤال يراودني، حقاً لم أنم وظل في بالي وأقض مضجعي ولم يهنأ لي المنام.
فما كان مني إلا أن أذهب في صباح اليوم التالي إلى ذلك «السوبرماركت»، وقفـــت أمام الباب لعلي أرى أحد العاملين يخرج لأناديه كي يوصل المبلغ إلى أمينة الصندوق، لأنني لا أستطيع أن أعطيها ذلك المبلغ الزهيد مباشرة لتوقعي بأنها لن تقبله، فجاءت الفكرة بأن أعطيـــه لأحــــد العمــــال الآسيويين ليوصله وكتب الله له المقسوم لقاء الخدمة، لكن ما أضحكني في الأمر أنه وعند خروجي قابلتها وجهاً لوجه، وما زاد الموقف إحراجاً هو مناداة العامل الآسيوي لي من بعيد ليقول لي بأن هذه هي أمينة الصندوق، لكن لا تتوقعون الشعور بالراحة التـي أحسستها بعد تسديد ما علي من مستحقات، أكملت يومـــي سعيداً بعد أن عانيت ليلة كاملة من التفكير.
هذا الموضوع جعلني أحاول أن أعرف كيف يمكن لمن يسرق الأموال الطائلة ويستولي عليه بالفساد المالي وغسيل الأموال أن يعيش يومه بشكل طبيعي، يحاول أن يكتنز الأموال من أي مصدر دون النظر لأي اعتبارات ولا مبادئ، حتى وإن كان ذلك عن طريق القضاء على من هم أدنى منه مستوى اجتماعي، لا يعلم إلى متى سوف يجمع تلك الأموال وهو لا يدري بأنها لن تدوم له، وتعددت أساليب الاحتلال وتفنن البعض في طرق سرقة الأموال، والمؤسف أن منهم من يسرق من المؤسسات الحكومية والأهلية ويخادع الناس، على سبيل المثال الموظف الذي يتسيب من عمله بحجة أن الراتب لا يوازي المجهود الذي يبذله في العمل، فلا يتواجد في مكتبه مطلقاً ويسجل حضوره وغيابه عند جهاز البصمة فقط.
مـــن المؤكـــد بــأن أصحــاب الضمائر مازالوا أحياء تدفعهم نفسهم إلى عدم الوقوع في هذه الأمور، وفي دولة ربما كان من يأكل منها الفقير بضع ثمرات أخطر على المجتمع ممن يسرق الملايين، ومن الطبيعـــي أن يخالــج بعضهم الشعور بالخوف حتى من ظله لأنــه لا يريد أن يعاقب على هذه الجريمة الكبرى، لعل وعسى أن يبتعد البعض عن نهب الأموال العامة وهدرها دون حسيب ولا رقيب، وليكون قدوة لغيره حتى يستوي العباد ويقوم اقتصاد البلاد بحيث لا يظلم فيها أحد، ذلك لأن تصرفاً كان فردياً أم جماعياً فإن تأثيره سيطال الجميع.
عبدالله الشاووش