الكاتبة السعودية زينب حفني في روايتها الأخيرة «هل أتاك حديثي» تتابع بسرد فيه كثير من الجمالية والإقناع موضوعات تتعلق بالمرأة المظلومة فتعرض قصص الظلم والاستهتار بالمرأة. ونساء رواية زينب حفني هذه لسن فقيرات جاهلات بل هن من مستوى اجتماعي يراوح بين المتوسط وما هو أعلى منه. وهن مثقفات وصاحبات كفاءات لكن مشكلتهن هي أنهن من عالم ليس فيه للمرأة حق تقرير المصير وعليهن الانقياد لقرارات ذكورية تصدر عن الأب أو الزوج أو الأخ أي عن الرجل الذي يمسك بزمام تقرير الأمور. وفي أحيان كثيرة يصدق القول «ومن الحب ما قتل» حيث يكون الأب أو الشقيق مدفوعاً بما يتوهمه صالح الجماعة أو العائلة وكرامتها وصالح البنت الضحية نفسها. جاءت الرواية في 185 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفرنسي بيار بونار. وقد صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان. تنقل زينب حفني لحظات الحياة بدقة وحيوية وبقدرة وصفية جذابة. تبدأ الرواية في القاهرة وبطلتها الأساسية والراوية فيها هي سعودية من أم مصرية وقد ترك الأب للعائلة شقة سكنية في القاهرة قبل موته فورثتها الابنة عن الأم. تبدأ السرد باختصار بليغ فتضعنا في كثير من أجواء الرواية وأحداثها. تقول «تقلبت في فراشي. سرت رعشة في أوصالي. نظرت إلى ساعة يدي الملقاة على «الكوميدينو» بجواري. كانت تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً. في العادة طقس القاهرة في شهر يناير شديد البرودة. طردت كسلي... شعور بالكآبة يتملكني منذ أن فتحت عيني هذا الصباح. تاريخ اليوم يوافق الذكرى السنوية لوفاة أمي. حمدت الله على أنها لم تذق مرارة طلاقي. ظللت أنا وأختي تهاني محور حياتها إلى أن ذهبت لبارئها». كانت البطلة فائزة على موعد مع ابنة خالتها صافيناز أو صافي التي تكبرها ببضع سنوات. تصف الحياة في القاهرة وعادات زيارة القبور وما يرافقها. تحدثت عن تظاهرة «يوم الغضب» في ميدان التحرير في 25 يناير الثاني وما تلاها وعن الحماسة والفخر اللذين شعرت بهما. تنتقل بنا إلى الحديث عن صافي التي كانت جميلة جذابة فاختفى جمالها. «لم أكن أعرف ما وقع لصافي في فترة صباها. سمعت أمي تقول لأبي بنبرة ينضح منها الألم إن صافي تطلقت وعادت إلى بيت ذويها وهي لم تزل فتاة صغيرة». نكتشف أن صافي تزوجت في سن السابعة عشرة. «بدأ العرسان مبكراً يتهافتون على بابها. رفضهم والدها واحداً تلو الآخر. كان قد قطع وعداً لأخيه أن لا يزوجها إلا لابنه... منذ نعومة أظافرها وهي تسمع أنها لهشام وهشام لها... فتحت براعم قلبها على صورته. صبت كل رغباتها الفتية في جعبته». نكتشف في وقت لاحق بعد عقد القران أن العريس هشام غير قادر على إقامة علاقات جنسية معها. اعترف لها بأنه «مثلي» يهوى الرجال وأن ذلك نشأ معه لاستهتار أبيه به وبرجولته وإهاناته الدائمة له. رجاها ألا تفضحه فسترت الأمر متحملة الظلم. ما لبثا أن تطلقا وسافر هو إلى أمريكا حيث تسهل الحياة على من هم مثله. بعد سنوات طلبها رجل من بلد أبيها أكبر منها سناً وله زوجة وأولاد فقرر الأهل أن عليها القبول ففعلت لتكتشف أنه عنين غير قادر على الجماع بسبب عملية جراحية أجريت له في البروستاتا. ما لبث أن توفي مخلفاً أطيانه لعائلته الأخرى وترك لها شقة الزوجية ومبلغاً محترماً من المال وضعته وديعة في البنك. بعد مدة التقت رجلاً محترماً اهتم بها هو رأفت. وما لبثت أن دارت قصة حب بينهما. طلبها للزواج واتفقا على الأمر. إلا أن القدر تدخل إذ إن رأفت الذي كان يعاني من مشكلة في القلب توفي فجاة. انتهى الأمر بصافي إلى اعتناق التصوف إذ توصلت بذلك إلى حال من السعادة والعزاء. الفتاة الأخرى كانت فاطمة صديقة فائزة. أحبت فاطمة شاباً يدعى جعفر ولأنه شيعي من غير مذهبها تزوج الاثنان في البحرين. جن جنون شقيقها وطلب منها إلغاء الزواج فلم توافق فأقام عليها دعوى قضائية بأن الزواج باطل لأنه لم يوافق عليه. ولما أصرت على المعارضة أدخلها السجن. وبعد عذاب وويلات توفيت في السجن وتولى جعفر تربية ابنهما علي الذي ولد وهي في السجن. ونأتي إلى الراوية والبطلة الأساسية فائزة. بعد حصولها على الثانوية العامة اقترنت برجل ينتظره مستقبل باهر «درس وتخصص في جراحة التجميل بأكبر جامعات فرنسا. تزوجته بالطريقة الدارجة ... رأتني أمه في حفل زواج واحدة من أقربائنا. نلت إعجابها. اتصلت بأمي وحددت موعداً لزيارتنا». حكى لها من علاقاته السابقة. وطلب منها أن تكون ثقتها به كبيرة لأنه لا يحب الغيرة وطبيعة عمله تفرض عليه التعامل مع النساء. أحبته وتعلقت به. رزقت منه بولدين سافرا بعد سنوات للدراسة في كندا. تقول متسائلة «متى بدأ زوجي يخونني؟ تحديداً لا أعرف! كنت أسمع همساً من حولي أن زوجي أصبحت له علاقات نسائية. تجيئني مكالمات مجهولة المصدر على هاتف منزلي بأن علي أخذ حيطتي.
970x90
970x90