فتحت «المنامة عاصمة السياحة العربيــة 2013» كــوة أفضـــت لروائع الفن التركي، من خلال معرض «إسطنبول الحديثة - البحرين» أمس الأول بمتحف البحرين الوطني، ضم اشتغالات مدهشة.
افتتحت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة آخر معـــارض فصـــــل «السياحــــــة الثقافية»، وقالت إن «الفن هو إنسان هذه المرحلة، وهو النصّ الحقيقي لثقافات الشعوب. نحن اليوم ندقّق البصر في جماليات حقيقية لأنها تتمعن في الإنسـان وهواجسه وأطروحاته، ونكتشف معًا هذا التلامس ما بين القارّات والشعوب»، وأكّدت: «إسطنبول تستقرّ في البحرين، وتتجرّد تمامًا بكامل حالاتها وتعدّديتها الثقافية. هذا الفهم والإدراك الذي تحقّقه البصريات هو ما يجعل هذا التاريخ البعيد والعريق أكثر وضوحًا، وهو ذاته الذي يستدرج أزمنة وأمكنية متوازية، يتنبّأ بها الفنانون قبل غيرهم».
قدّم معرض «إسطنبول الحديثة - البحرين» أعمالاً مختلفة يصل عددها إلى 244 عملاً فنياً لـ 94 فنانًا عاصروا فترات زمنية مختلفة من تركيا وتمعنوا جيدًا في حقبها ومراحلها. ويستدرج المعرض الأعمال المعاصرة وينتقي منها المواضيع الأكثر حداثة والتي تروي: الخيال، الهوية، الجسد وما يحيط به من ثرثرات اجتماعية وسياسية. الوعود التي تشي بمستقبل أجمل، التوتر السياسي في الوقت الراهن، الثقافة البصرية وطبيعتها التعددية، ومقدّسات الحياة.
وتُعد إسطنبول «القارة الجديدة» في عالم الفن المعاصر، حيث استطاعت أن تبرز أهميتها من خلال المعارض المتنوعة والثرية بالأعمال الفنية الباهرة في المدن الأكثر حضوراً على خارطة الفن منذ العام 2009. إذ بدأت إسطنبول بالتدقيق ودراسة أهم ديناميكيات التحول والتغيير التي طرأت على الفن منذ العام 1970. وبدت في هذا المنحى تركيا وكأنها انطلقت بثورة فنية من نوع آخر لينتشر صيتها عالمياً خصوصاً بين الدول الأوروبية التي أشادت بتلك الثورة من خلال ملاحظاتها المختلفة وتأكيدها بأن ما يحصل في إسطنبول هو حركة حيوية وديناميكية جداً تبرر وجود بداية واعدة، حيث إن حياة إسطنبول الصاخبة ليلاً ونهاراً بشوارعها ومتاحفها وتجمعات فنانيها علانية أحدثت فوضى فنية جميلة استطاعت أن تتوغل في روح المدينة وتحدث جدلاً لا ينفكّ العابر هناك أن يأبه له، حيث اشتبكت في طريقتها الفنية والفكرية الثقافية بالسياحة.
إسطنبـــــول مــــا بعــد الدولة العثمانيـــــة، أصبحــــت مركـــزاً يتوجه إليه العديد من الفنانين مــن مختلــف الجنسيــــات لبــدء مشاريعهم والاستقرار بأعمالهم وتكوين شبكات من العلاقات الفنية أو التجارية، مما شد انتباه أخصائيي الثقافة وحتى علماء النفس ليطلقوا عليها «وليمـــة فتح الشهية» لما تبعثه من راحةٍ ونشاط فني غير متوقف في الوقت ذاته.
تلك الثورة الفنية في إسطنبول لم تولد من عبث، بل كان لها مسبباتها المختلفة التي مرت بمخاضات مؤلمة وفترات عصيبة لتصل إلى الازدهار والحيوية التي هي عليها الآن، فقد أدى سقوط جدار برلين الذي يُعد رمزاً ثقافياً وسياسياً بين الشرق والغرب إلى حدوث صدامات وتناقضات مجتمعية في النفس الإنسانية، وآلت إلى فترات من التوتر والضياع ما بين ظاهرة «هنا والآن» وما كانت عليه في الفترات السابقة. هذا المزيج من صِدَام الحضارات على أرض واحدة استطاع تجاوز الاضطرابات إلى بيئة حاضنة للتعدد الفكري والتوجهات المتنوعة التي أثرت الجانب الفني في إسطنبول. حيث تمكنت هذه المدينة من فرض استقرار فني أمام المدن العريقة لترتقي بأعمال فنانيها وتكون ملاذاً للفنانين من جميع دول العالم.