كتب – جعفر الديري:
أجمل ما في الفن أنه لا حدود له، يستطيع المشتغل عليه أن ينطلق إلى أبعد مدى، والأجمل من ذلك أن هذه اللغة العالمية لا حواجز بينها، فإذا كانت لغة المخاطبة تقف عائقاً أحياناً عند الرغبة في الاطلاع على روائع الفكر والأدب الإنساني، فإن الرسم والموسيقى والفنون بشكل عام، لغة عالمية، خصوصاً متى خرج العمل متكاملاً من ناحية الشكل والمضمون، تشحذه تجربة صادقة.
والفنان التشكيلي الكويتي والهولندي محمد رضا، عاش تجربة غنية ومناخين مختلفين، إذ عانى كما عانى الكويتيون وبقية الجنسيات أيام الغزو العراقي للكويت، من الخوف والقلق، ثم جاءته فرصة للعيش في أمستردام بهولندا، وهناك اكتسب معرفة ودراية وسط فضاءات أوربية، ما أكسب تجربته رؤى تحاول التعبير عن هموم إنسانية عامة دون أن تنعتق عن محيطها الذي تعيش فيه.
«الوطن» التقت رضا، أثناء التحضير لانطلاق معرض «اغتراب» في غاليري البارح، وكان لها هذا اللقاء مع الفنان عن تجربته وفضاءاتها...
المتأمل في أعمال محمد رضا، يلمس بشكل واضح ثيمة تتكرر فيها وهو موضوع الاغتراب، لماذا هذا الاهتمام؟
- تشغلني ثيمة الاغتراب كثيراً، ولا أتعامل معها كأي موضوع. لقد عشت سنوات صعبة كلفتني الكثير، واستهلكتني عقلياً وروحياً وجسداً، حتى شعرت بالانتماء في هولندا، تجارب حدثت قبل 15 عاماً. لكني أظن أن جميع الناس يشعرون بالاغتراب، فهو في نفوسنا جميعا، والمجتمع الذي نعيش فيه يصنع غربتنا أيضاً، طريقة تعاملنا مع بعضنا البعض، ابتعادنا عن التحاور مع بعضنا، جميعها ممارسات تشعرنا بعدم الانتماء، وتزرع في أنفسنا الغربة. المدهش أن الإنسان صاحب العقل يعاني وحده من هذا الشعور، بينما لا تجد طائراً أو حيواناً يعاني ذلك، إذ لا حواجز بينه وبين الآخرين، بينما نحن نجتهد في إقامة الجدران.
عن البشر
ومتى بدأت الاهتمام فنياً بهذا الموضوع؟
- بدأت هذا الاهتمام منذ العام 2006، من خلال مشروع التخرج من جامعة الفنون التشكيلية في إترخت في إمستردام بهولندا، وكان عبارة عن إنسان يعيش في مكعب بدون ضوء، طوله ستة أمتار. العمل فاز بجائزة، نتيجة صدقه في التعبير، إذ كان منبثقاً من تجربة شخصية عشتها أيام الحرب العراقية الكويتية. كان عمري وقتها 12 عاماً، حين بدأت الحرب، اضطررت وأهلي للعيش تحت الأرض لثلاثة أشهر، في خوف ورعب حقيقيين. وأعتقد أن العمل نجح لأنه كان يتساءل عن البشر والضحايا، وليس عن الوجوه الرسمية، وما يحدث فوق السطح! بل عن الناس العاديين الذين ينتظرون الموت بشكل مرعب.
ذكرت أنك وجدت هويتك في أمستردام فهل آن له الاستراحة؟
- هناك لا شك فرق في العيش في دولة عربية ودولة أوربية، بين دولة الكويت وهولندا، والهولنديين يشبهون البحرينيين كثيراً فهم متفتحون ومتواضعين، ويتقبلون مختلف الشعوب، وهم يدعمون الشباب كما هو شأن مملكة البحرين. لكن في هولندا لا توجد حدود، وهو أمر إيجابي لكنه متعب أيضاً، فأنت تستطيع التعبير عن كل شيء، لكن ذلك ربما يقتل العمل؛ فأنت لا تعرف كيف تتحرك. ثم إن الفنان يحتاج إلى أن يصطدم دائماً لكي يبدأ من جديد. لكن الهولنديين بشكل عام يتعاملون مع الفنون بشكل راق.
البحرينيون منفتحون
حدثنا عن تجربتك مع «برنامج الريادة الفنية» لغاليري البارح؟
- سبق لي في العام الماضي أن تعاملت مع فعالية مشابهة بغاليري الرواق، عبر برنامج «أنا الآخر»، في فعالية «ألوان»، وكانت عبارة عن عمارة من ثلاثة طوابق، حيث قدمت عدداً من الورش والمحاضرات بالتعاون فنانين ناشئين. ومع برنامج «الريادة» تأكد لي كم أن الفنانين البحرينيين منفتحون جداً، أكثر من الآخرين في دول الخليج، وهم مثقفون وليسوا معقدين، ينقصهم فقط وجود كلية للفنون، خاصة بالتدريب، وهو ما حاولت أن أعمله عبر برنامج الريادة الفنية.