عرضت في بيروت مساء الخميس الماضي، مجموعة من الأفلام السورية في إطار فعالية حملت اسم «تحية إلى الشام»، لعدد من المخرجين منهم الراحل عمر أميرالاي ومأمون البني.
ومن الأفلام المعروضة في هذه الفعالية التي استضافها «دار المصور» في منطقة الحمرا في بيروت، فيلم «الدجاج» لعمر أميرالاي «1944-2011»، وهو فيلم تسجيلي أنجز عام 1977، عن قرية صدد في ريف حمص «وسط سوريا»، والتحول الكبير الذي أصابها نحو نمط يعنى برأسمال صناعي هو تربية الدواجن.
يصور الفيلم أبرز المهن التي ورثها أهل القرية وعملوا بها وتناقلوها عبر الأجيال، ثم كيف غزا الدجاج القرية فأتى على تلك المهن جميعاً، فراح الناس يحولون بيوتهم، أو أجزاء منها إلى مداجن، ويعيشون مع الدجاج، وينامون معه، ويتحدثون عنه طوال الوقت.
يتحدث الفيلم عن الناس بلغة الحيوان، كما عبر المخرج الراحل ذات مرة. وهو تعبير عن القهر، وعن تحول الكائن البشري إلى كائن استهلاكي من دون قيم. الفيلم الثاني هو للمخرج مأمون البني وهو بعنوان «يوم في حياة طفل»، وهو فيلم روائي قصير، أنتج في سبعينيات القرن الماضي أيضاً، ويتابع السيرة الشاقة لطفل يحمل أعباء الحياة اليومية، فهو يعمل مع والده في بيع المازوت، وكذلك يجد نفسه مضطراً لتأمين كل ما يلزم الأسرة. وأثناء تجواله في عمله، يعرض الفيلم الحياة الطبيعية لأطفال آخرين، يعرض ما ينبغي أن تكون عليه حياة الأطفال. ولكنه من جانب آخر يتطرق ولو تلميحاً إلى عنف من نوع آخر في ظل التسلط، من العنف اللفظي، إلى لغة التهديد والوعيد.
فيلما أميرالاي والبني هما بالأبيض والأسود، وقدما بنسخ رديئة بسبب القدم، غير أنهما يتناغمان من حيث الموضوع مع الأفلام الثلاثة القصيرة التي عرضت لاحقاً، والتي تقدم صوراً مختلفة ومفجعة من حياة السوريين.
الأفلام الثلاثة هي لعبدالله شحادة، وهي تجربة أولى له، هو المعروف كعازف على آلة القانون، لكنه هذه المرة يخوض مع كاتبة السيناريو إيمان سعيد والممثلة زينة ظروف مشروعاً يحمل اسم «مسودات».
الفيلم الأول حمل عنوان «اللقمة الكبيرة» وفيه تقص بطلة الفيلم، التي لم تستطع أقنعة الثراء المحدث أن تخفي القهر الذي عاشته في طفولتها. تفسر كيف أن الجوع والفقر بغياب الأب، جعلا من لقمتها كبيرة إلى هذا الحد، فمن دون ذلك لم تكن لتستطيع أن تدبر رأسها مع هذا العدد من الأفواه المفتوحة.
الممثلة نفسها «زينة ظروف»، تروي في فيلم آخر باسم «فرخ البط الأسود» مشكلة المرأة في مجتمعاتنا، هي التي تتحول إلى ذلك الكائن ناقص الحقوق في الأسرة، حيث غالباً ما تعطى حصتها لأخيها، وغالباً بتواطؤ مع الأم، وتكبر على أنها فعلاً فرخ البط الأسود.
الفيلم الثالث حمل عنوان «المجتمع الواطي»، وتحكي فيه الممثلة كيف قمعت صغيرة فقط لأنها كانت تقرأ أشعار نزار قباني الرومانسية، وكيف صفعت فيما بعد لمجرد وقوفها الطويل أمام المرآة، لتتوالى الصفعات، إلى أن صارت تربي أولادها على المنوال ذاته، وصارت تهتف «يحيا المجتمع الواطي». وحضر العرض شباب وناشطون ومثقفون لبنانيون وسوريون، من بينهم الكاتب الفلسطيني السوري يوسف فخر الدين.
وقال فخرالدين رداً على سؤال لوكالة فرانس برس عن حضور السياسة في مجمل العروض «السياسة واضحة في فيلم أميرالاي، ولكنها ليست مباشرة بل مغلفة بشكل فني، هو الذي يتحدث عن الدولة ودورها والمطلوب منها من دون أن يقول كلاماً مباشراً في السياسة».