توشك وزارة الثقافة أن تستعيد ذاكرة أربعينات القرن العشرين، بعد أن شارف مشروع إحياء منطقة باب البحرين وسوق المنامة القديم على الانتهاء.
يعد المشروع واحداً من مشاريع البنية التحتية السياحية للمنامة عاصمة السياحة العربية 2013، وتواصل آخر أعمال الترميم والصيانة، وإعادة تأهيل المكان ليستوعب الأنشطة والفعاليات المقبلة، ولاستعادة هذا الإرث الحياتي، بحيث يكون مدمجاً في الحياة المعيشية والإيقاع اليومي. اشتغلت الوزارة طوال الفترة الماضية على المشروع الحلم، عبر العديد من المخططات المعمارية والفنية وبالاستعانة بمجموعة من الاستشاريين والمهندسين والخبرات العالمية.
وحول أهمية هذا المعلم الإنساني أشارت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إلى موقع باب البحرين باعتباره قلب العاصمة البحرينية المنامة، موضحة أنه تكريس حضاري وثقافي لإنسان تلك المرحلة، وتمثيل تاريخي يمكنه حفظ الإرث المعماري من جهة والتفاصيل الحياتية ومتغيرات نسيج المكان من جهة أخرى.
وأضافت «لم تعد الفكرة الآن أن نحافظ على وجه المكان وملامحه، نحن في الثقافة نبحث عن روح المعمار وقدرته على صياغة حياة وتوثيق إرث».
وأردفت «نتجه إلى ما بعد وما خلف هذا المعمار، فالشكل الجميل يحمل تكوينات إنسانية وحياتية طويلة نحاول استردادها بتفاصيل روحها وحبكتها الشعبية»، لافتة إلى أن هذا المعمار الوطني يشكل جاذباً سياحياً مهماً يستوقف العابرين والمتأملين في طبيعة المكان.
وقالت إن الأعمال الترميمية تستهدف استعادة الذاكرة الجمالية والتفصيلية لسوق المنامة القديم ومنطقة باب البحرين، بهدف حماية التراث البحريني العريق وفق الأصول العالمية والمدروسة، وإعادة توظيفه واستثماره بقلب العاصمة، منبهة إلى دور القطاع الخاص وإسهامه في إنجاز المشروع.
وثمنت الوزيرة دور عائلة المؤيد في تجديد السوق، وشكرت المساهمين في تحقيقه وإنجازه، خاصة شركة أمريكيان إكسبريس وشركة فيفا البحرين للاتصالات.
ويهتم مشروع باب البحرين بالعديد من الأحداثيات المكانية، ويحاول أن يوجد اتساقاً ما بين المكونات العمرانية المختلفة وظيفياً وجمالياً وروحياً تاريخياً واقتصادياً، في اشتغال عميق على الثقافة المكانية من خلال تطوير واجهات مبنى باب البحرين من أجل استعادة الصورة الأصلية والملامح الأولى التي كان عليها هذا الباب التاريخي عام 1949.
ويتصل تطوير واستعادة الهيئة الأولى للباب، بتطوير الواجهات الخارجية أيضاً للسوق القديم والمجمع الداخلي بما يتناسب مع الروح المعمارية المعاصرة وتداخل مع السحر الشرقي التقليدي، ويتبع هذا التعامل التقني والترميمي مع باب البحرين والواجهات الخارجية للسوق، تعامل دقيق وخاص مع الفراغات الداخلية للمكان والعلاقات الوظيفية فيما بينها.
ويشمل ترميم عمران المنطقة مشروع إعادة تهيئة مبنى فندق البحرين الأول في المنطقة، من خلال أعمال الترميم والصيانة، وإعادة تصميم الغرف الداخلية في مزج تصميمي وعمراني يدمج الأصالة بالمعاصرة، مركزاً على اللغة المعمارية القديمة والعربية الأصيلة للمبنى، والتي ستكون الجمالية المنفردة الخاصة بالواجهات الخارجية للفندق، فيما يجمع الفناء الداخلي روح المعاصرة والحداثة، حيث ستكون كل غرفة من غرف البناء فريدة في خطها وتصميمها.
بالنسبة لمبنى البريد القديم ذي الأهمية التراثية والذي يعود عمره إلى أكثر من 50 عاماً، فيتجه إلى أفق متحفي يضم العديد من المقتنيات البريدية النادرة، ولتحقيق الرؤية المنشودة هذه تمت معاملة كل عنصر معماري بقلب المكان بطريقة ذكية، إذ أضيفت تقنيات تفاعلية ولوحات مرئية ومسموعة إلى جداريات المتحف البريدي، تشرح تاريخ إصدار الطوابع البريدية وفكرة البطاقة البريدية وتكوينها حسب كل شخصية. ويشمل متحف مبنى البريد مقهى فريداً، بأرضيات من الحجر الطبيعي، فيما أضيفت للحائط الزجاجي فكرة عرض أنشطة وزارة الثقافة بصورة دورية.
وبينما تستمر التفاصيل المعيشية بكامل أريحيتها، يواصل المعمار تطويره واشتغاله على المكان أيضاً عبر اثنين من المقاهي الشعبية في ذات سياق المنامة، في محاولة لتركيز الذاكرة على هذه الحوارات ما بين المنشأ المكاني والأسلوب الحياتي، حيث تحاول الثقافة حماية التراث البحريني الأصيل وتطوير هذه الموروثات واستثمارها في الجذب السياحي.
أما حول تقنيات الإضاءة، فتستعين الوزارة بمهندس الإضاءة تيري جالوت الذي يسعى لتطبيق تقنيات خاصة ودقيقة تندمج في جمالية المشروع وفق معايير عالمية، بحيث تكون جزءاً من الهندسة العمرانية والتصميم المكاني.
مشروع باب البحرين ومنطقة سوق المنامة القديم يتجه في نموه واشتغاله إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه، بحس ثقافي وجمالي ضمن مشاريع البنية التحتية، بحيث تكون المنطقة ملامسة شفيفة وعميقة للعديد من المشاريع والحراكات الثقافية المقبلة.