لا شك أن وحيدته كانت الصخرة التي تتحطم عليها إرادته! وإلا لما صبر يوماً واحداً على زوجته، بعد اكتشافه طباعها السيئة التي أثمرت حنظلاً.
كان يقترب من الخمسين، ميال للسمنة، يبرز بطنه بشكل واضح، لكنه كان سريع الحركة، محب للنشاط وللضحك، دمث الأخلاق، واسع الصدر، أما هي فكانت تقترب من الأربعين، نحيلة الجسم، تتحرك بعصبية، وتثور لأتفه الأسباب، ولا تحب الاختلاط بالناس، وتضيق بأقل مزحة حتى لو صغرت، ولم تكن تجد أمامها سواه تلفحه بسمومها!.
أخذ بالتطلع في الجدار أمامه، كان راغباً في الذهاب معنا إلى البحر، لكنه كان يعلم كما نعرف جميعا أنه لا خيار ثالث أمامه، فأما أن يغامر ويذهب، ليعود وقد أعدت زوجته من الهم والغيب و»الحنة» ما لا طاقة لحمار بحمله، أو يتراجع وينكمش على نفسه كما هو متوقع.
لكنه تلفن لي ليلاً، قبل ساعة واحدة من ذهابي، كنت أنتظر الأسياخ والمشاوي، حين رن الآيفون.
كان يتكلم بعصبية، قرر الذهاب وليكن ما يكون! لم أحدثه بشأن زوجته ولم أثنه عما نوى، إنها ليلة لن تغير من الأمر شيئاً، فطالما أن زوجته «لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب» فأولى به أن يعيش لا أن يختبئ في بيته كالفأر خوفاً منها!. بل أنني أسرعت بكل طاقتي، فوصلت إليه في غضون عشر دقائق لا غير.
لن أقول إني دهشت لما رأيت، فقد عرفته صاحب مفاجآت، لكني ذهلت، عندما رأيته يمسك بيده عصا غليظة، ينهال بها ضرباً على زوجته، كان قد نبت له نابان غريبان واتسعت عيناه كثيراً، حتى جسمه أصبح أكثر طولاً وأكثر صحة، بل أن الحدبة في ظهره اختفت، أما زوجته، فأمست سوداء البشرة بعد بياض، ونبتت لها أصبع سادسة في راحتيها.
اندفعت بكل قوتي لكي أمنعه من الضرب، لكني لم أستطع أن أزيحه قيد أنملة، تصلب مثل جذع نخلة، وراح يضرب الزوجة وهي تحاول الفرار ولات حين مناص.
تقدم ناحية السيارة بخطوات مترددة وولجها وبدا القلق جلياً عليه.
- إنها ليست بالبيت
- عال... لقد خدمتك الظروف إذاً
- لكن عندما تأتي.
- أنت مطلوب في كلا الحالتين يا صديقي.
أخرج علبة السجائر، وراح يدخن في شرود، ورحت أسترق النظر إليه، وقلبي يتمزق ألماً من أجله، إن الإنسان يملك طاقة عجيبة على الصبر، وإلا لما احتمل هذه المرأة الغول!.
مضيت بالسيارة، وكان يمسك بالآيفون متوجساً من أي اتصال غريب، وما إن اقتربنا من الشاطئ حتى رن الآيفون، اضطرب حتى أن السيجارة سقطت من يده، فسارع إلى التقاطها، لقد بدا أشبه بمن تناول دواءً شديد المرارة!.
- ألو
-
- اللعنة عليك وعلى من خلفك
-
- أبقي في البيت إن خرجت فلا عودة لك
-
- سأهشم رأسك حين أعود انتظريني فقط.
ثم سقط الآيفون من يده، وانخرط في البكاء، ثم تطلع ناحيتي، وعيناه تطلبان مني العودة به، لكن عناداً قوياً تملكني، فلم ألتفت إليه، أسرعت بالسيارة إلى مكان الصحبة، ودون أن أعنى بتوسلاته، أخرجت عدة الشواء، وتوجهت إلى الأصحاب.
تركته آملاً أن يتبعني، وعندما حاديت مكان الصحبة، تطلعت إلى الخلف فلم أجده، هززت رأسي أسفاً، لكني ما إن اقتربت من الصحبة، حتى وجدته بينهم، صوته يرتفع بالضحك، سعيداً مهيمناً على الجميع!.