قال شيوخ وعلماء دين إن «تقوية الإنسان صلته بربه تكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء»، مشددين على «ضرورة أن يحاسب المسلم نفسه أولاً بأول ويخالفها فيما يغضب الله عز وجل».
وأوضحو أن «مجاهدة النفس وإخضاعها للسير في صراط الله المستقيم، وكبح جماحها من أن تشذ عن طاعته سبحانه إلى معصيته وطاعة عدوه الشيطان الرجيم، أمر شاق ولازم ومستمر، لما جبلت عليه النفس من محبة الانطلاق غير المحدود لتتذوق كل ما تراه من شهوات وملذات».
وأوضحوا أن «الشيطان لا يفتر عن حض الإنسان على التمرد على الله بشتى الأساليب والوسائل».
وذكر العلماء أن «وسوسة الشيطان لنفس الإنسان أمر مستمر مادام الإنسان حياً، لأن النفس ملازمة له، وهي تأمره بما تهواه وتصده عما يأمره الله به في كل لحظة، فإذا انقطع عن مجاهدتها لحظة، أوقعته ولابد، فيما فيه حتفه وهلاكه في تلك اللحظة».
ولفتوا إلى أن «مجالات مجاهدة النفس لا تحصى كثرة، ولكنها يمكن أن تجمل في مطلبين، أولهما تقوية صلة هذه النفس بخالقها وإلهها، والمطلب الثاني في محاسبتها ومخالفتها لكل ما يغضب المولى عز وجل».
وأشار العلماء إلى أن «النفس إن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت مقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء».
وفي هذا الصدد، أوضح الإمام ابن القيم رحمه الله أن «النفس الأمارة هي النفس المذمومة، لأنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكياً عن امرأة العزيز».
وقال الله تعالى في سورة يوسف (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم).
ولما كان في هذا الكلام نوع تزكية من امرأة العزيز لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن سيدنا يوسف عليه السلام، استدركت فقالت: (وما أبرئ نفسي)، أي: من المراودة والهم، والحرص الشديد، والكيد في ذلك.
وأما (إن النفس لأمارة بالسوء) أي إنها كثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان.
وأما قوله (إلا ما رحم ربي) فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.
وفي قوله (إن ربي غفور رحيم) أي: هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب، والله سبحانه رحيم بقبول توبة عبده، وتوفيقه للأعمال الصالحة.
وقال الله تعالى أيضاً (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا)، وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه خطبة الحاجة فيقول: «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له».
وخلص العلماء إلى أن «النفس الأمارة يكون الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها، فهو يعدها ويمنيها، ويقذف فيها الباطل، ويأمرها بالسوء ويزينه لها، ويطيل في الأمل، ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها، ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه، ومن ثم فإن الملك قرين النفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة بالسوء».