كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
تشكل الألعاب الشعبية أحد أهم عناصر التراث الشعبي، وجزءاً مهماً من الذاكرة والوجدان الجمعي لأية أمة، فهي نتاج للتكوين الثقافي والحضاري، وانعكاس للبيئة الطبيعية والجو الاجتماعي السائد في حقبة من الحقب.
ويسهم اللعب إسهاماً فعالاً في بناء شخصية الفرد وصقلها، وتربيتها من النواحي الوطنية والنفسية والجسدية، وتؤدي دوراً في تأطير الموروث الشعبي المرتبط بالحركة والإيقاع والأناشيد والأغاني والدبكات والرقصات.
والألعاب الشعبية عامل مساعد في انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل لآخر، مكونة ثقافة شعبية غنية بالمعاني والعبر والمدلولات الإنسانية والاجتماعية.
وعلى مدى سنوات عرف المجتمع البحريني أنواعاً من الألعاب الشعبية، تختلف من حيث الشكل والمضمون وطريقة الأداء، ويمارسها الكبار والصغار على حد سواء.
أسئلة مشروعة
ارتبطت الألعاب الشعبية بذاكرتنا ونشأتنا دون أن تغفل عنا لحظة، كبرت معنا نشأت في تربتنا التي كنا نستقي منها الفرح والتسلية والمحبة والألفة التي تجمعنا مع أولاد وبنات الحارة، في براءة انتهت بقدوم جيل اليوم.
ما يشغلنا اليوم أسئلة محددة تتعلق بالموضوع، متى اقتحمت هذه الألعاب حياتنا الهادئة؟ من ابتدعها وأطلقها وسط «حيشان» بيوتاتنا البسيطة وتركها تتمختر كالعروس على بلاط غرف نومنا؟.
ألعاب كانت تعرف بزمن محدد وفي شهر رمضان تحديداً كالصعقير والظلالوه والخشيشة والسللينقوه والقلينة والماطوع والسكينة والخبصة، الكثير منها كانت موسمية وتحديداً رمضانية، لا تلبث أن تختفي من أجنداتنا اليومية وتنتظر قدوم رمضان المقبل، ليعود محملاً بكل هذه الألعاب وكأنها ظاهرة المسحر وكاب الهريس وبادية الثريد.
السؤال الذي يدور في خاطري من أين جاءت هذه الألعاب؟ من أطلقها؟ هل تسمياتها لها علاقة بالمنشأ؟ هل بيئتها كانت غنية أم فقيرة؟ تلك أسئلة نحاول في هذه الجولة الإجابة عنها والتعرف على بداياتها، وهو ما لم يذكره الكثيرون ممن بحثوا ونقبوا في أصل هذه الألعاب، ومروا عليها مرور الكرام، رغم أنها في دول الخليج العربي تتشابه في طريقة لعبها، لكن الاختلاف يأتي في التسمية والمخارج اللفظية بين دولة وأخرى.
أبحاث في الألعاب الشعبية
شاعت الألعاب الشعبية في عموم الخليج بين الصبية والفتيات وحتى الرجال والنساء في أوقات الفراغ في حقبة ما قبل النفط، حيث كان اللعب يمارس في الأحياء والفرجان، وفي الساحات وعند ساحل البحر، واشتهرت الكثير من الألعاب الشعبية الخليجية عند العرب قديماً وذاع صيتها.
وتناولت العديد من الكتب والدراسات الألعاب الشعبية بحثاً وتنقيباً، وبدأت وسائل الإعلام والمتاحف تهتم بحفظها وإحيائها، وعلى مستوى الخليج العربي صدر عام 1978 كتاب عن الألعاب الشعبية الكويتية لمؤلفه سيف مرزوق الشملان، إلى جانب كتاب «لعب العرب» للعلامة أحمد تيمور باشا، وهو من أوائل الكتب التي تناولت سيرة الألعاب العربية، وضم 107 ألعاب، إضافة إلى الألعاب الواردة في المعاجم وكتب التراث العربي.
الألعاب الشعبية
في الخليج
يؤمن أهل الخليج أن للألعاب الشعبية فوائد جمة، يوجزونها في قدرتها على تعويد الصبي أو البنت الاعتماد على النفس، وحب المعرفة، وتشجيعه على الحماس والحركة، وتنمية قدراته البدنية، ومساعدته على التفكير السريع والابتكار مع تنشيط الذاكرة، وغرس المعاني الحميدة لدى النشء وتعويدهم على الصبر والمثابرة، كما إن الألعاب علاج نفسي ينمي روح الفريق والجماعة بين الصبية والفتيات.
وللألعاب الشعبية مواعيد وأوقات تمارس فيها، فهي تفقد بعض ميزاتها إذا لعبت في غير أوقاتها، وللألعاب شروط وقوانين ونظم يلتزم بها اللاعبون، ما يجعلهم جادين في أداء اللعب بالتزام تام بقوانينها وأنظمتها.
وتتنوع الألعاب الشعبية في الإمارات بتنوع البيئات، إذ إن لكل بيئة وفريق ألعابهم الخاصة، وتمارس عادة بأدوات مأخوذة من البيئة يبتكرها أو يصنعها اللاعبون.
التصنيف حسب الجنس
يمكن تصنيف الألعاب في الإمارات حسب الجنس إلى ألعاب ذكورية وألعاب أنثوية، وتصنف أيضاً حسب البيئة إلى ألعاب الساحل والريف والبدو وألعاب سكان الجبل.
ويمكن تصنيف الألعاب حسب العمر إلى ألعاب الأطفال والصبية والفتيات والرجال، ويمكن تصنيفها حسب نوع اللعبة وطريقة أدائها إلى ألعاب فردية وجماعية وحركية وذهنية ومنطقية أو كلامية وألعاب هزجية أو غنائية.
وهناك عشرات الألعاب الشعبية في الإمارات كانت متداولة قبل ظهور النفط، ومارسها الأولاد والفتيات في الفرجان والأحياء آنذاك.
ألعاب الأولاد
من أهم الألعاب التي مارسها الأولاد لعبة القبة أو الطرة، وعظيم السرا أو عظيم لواح، والزبوت، وديك دياية، وحسن ديك، وحبيل الزيبل «معجال اليربة»، وسبيت حي ولا ميت، والجلة، والصوير، والصبة، وشبر، وخيل يريد، والعربانة «الرنك».
القبة أو «الطرة»
هي من ألعاب الصبيان المعروفة ويتنافس عليها لاعبان فقط، أما أدوات اللعب فهي عبارة عن القب أي «عصا من الجريد» بطول 45 سم، والقبة «جريدة صغيرة» بطول متر تقريباً، وعند اللعب يضع أحد الصبيان القبة على «حصاته» أو داخل حفرة ورأسها إلى أعلى، فيحركها بالعصا فإذا تحركت يضربها أو يدفعها إلى الأمام، وعلى اللاعب الآخر لقفها قبل أن تسقط على الأرض، وأحياناً تضرب القبة بأسلوب آخر حيث يمسك اللاعب بالقب ثم يرمي القبة ويضربها بقوة قبل أن تسقط على الأرض.
هذه اللعبة تتشابه كثيراً مع لعبة نمارسها في البحرين وتسمى «القلينة» أو القلينة والماطوع، ولا تختلف في طريقة لعبها لكن التسمية دائماً ما تفرضها اللهجات في دول الخليج.
عظيم السرا
لعبة جماعية يلعبها الأطفال مساء بواسطة عظم حيوان يقذفونه إلى أعلى ثم يندفع اللاعبون نحوه، ومن يعثر عليه يهرب به إلى منطقة تسمى «الهول»، فإذا وصل اللاعب حامل العظم إلى الهول يعتبر فائزاً، وإذا تمكن اللاعبون منه يضربونه بواسطة «المعكال» أو بالعصي حتى يرمي العظم.
ولهذه اللعبة عدة أسماء فقد تعرف باسم «عظيم لواح»، وتلعب في الليالي القمرية عندما يكون القمر في ليلة البدر، وكان العرب يطلقون على هذه اللعبة «عظيم وضاح».
الزبوت أو «الترتور»
من الألعاب الجماعية حيث يحضرون الزبوت وهو عبارة عن خشبة مخروطية الشكل وخيط رفيع، وتعرف اللعبة في بعض بلدان الخليج العربي باسم «لبلبولة» أو الدوامة، وهناك عدة أنواع من الزبوت منها «زبوت نشبيل» و»زبوت شلاخ»، وعادة ما تمارس اللعبة شتاءً، وعند اللعب يلف الخيط على الزبوت ثم يرميه اللاعب على أرض صماء، فيدور ويضرب الزبوت بالشلاخ أو بعصا فيزداد دورانه ويتنافس اللاعبون في ذلك.
ديك ودياية
من الألعاب البحرية وتمارس في «الغالة» أي مياه البحر الضحلة، حيث يتجمع عدد من الصبيان ويعملون دائرة ويبدأون بضرب الماء بواسطة إصبع السبابة فإذا خرج صوت يقولون «ديك» أما إذا لم يحدث صوت فيعني ذلك «دياية»، وكانت اللعبة تمارس في الصيف وعندما يكون الأولاد يمارسون السباحة في البحر هرباً من حرارة الصيف وفي فترة الإجازة الدراسية كجزء من تسلياتهم، وهذه اللعبة تتشابه في طريقتها وتسميتها في بقية دول المنطقة.
سبيت حي لو ميت
لعبة تحتاج إلى طول نفس، ومقدرة على عدم التنفس أطول فترة ممكنة، وعند اللعب يدفن اللاعب الذي يطلق عليه اسم سبيت في تربة رميلة، إذ يختار الأطفال أحد اللاعبين ويلفون رأسه بقطعة قماش ثم يضع رأسه في الحفرة ويدفن، ويشكل اللاعبون دائرة ويصيحون سبيت حي ولا ميت، فإذا قال حي يهيلون عليه التراب أما إذا رفع إحدى يديه أو قال «ميت» فيتولون إخراجه.
وهكذا يتنافس الصبية على ممارسة هذه اللعبة الخطرة، وجاءت اللعبة كي توضح مدى معاقبة الرجل المخطئ وسجنه على فعلته الشنيعة التي قد تصل عقوبتها للموت.
الصبة أو الشوط
لعبة تمارس على الأرض إذ يخططون أربعة مربعات ويبدأ اللاعبان باللعب، إذ يحضر كل واحد 3 حصوات، وهذه اللعبة تحتاج إلى ذكاء ومقدرة على المراوغة واليقظة، وتمارس في الليالي القمرية، ويستخدمون الصخام «السخام» أو البعو، ويتنافس لاعبان على تحقيق إصابات، ولعبة الصبة لا تختلف عنها في البحرين أو بقية دول الخليج العربي سواء في عدد المشاركين بها أو حتى الأدوات المستخدمة.
الهشت
من الألعاب الذهنية وتحتاج إلى يقظة وتفكير وتمارس في أوقات الصيف ويشارك فيها 4 لاعبين، حيث يحضرون 4 عصي صغيرة من الجريد بطول 10 سم، ويلون ظهر القطع الأربع بلون أسود أو أبيض، وأحياناً يستخدمون «العسق» من عذق النخيل.
ويضع اللاعب القطع في يديه ويهزها ثم يرمي بها في المربع الذي توجد في جوانبه حفرة صغيرة، فإذا سقطت العسق وكان اللون الأبيض إلى أعلى تحسب ثمانية، ويحرك قطعة الفحمة في الحفر «كون» حول المربع في ثماني خانات، أما إذا سقطت على الظهر الأبيض أو الأحمر حسب اللون فتحسب له أربعة، وهكذا يتنافس اللاعبون على الوصول إلى نقطة البداية بتحقيق إصابات متتابعة.
خيل يريد
وهي لعبة بسيطة إذ يحضر الأطفال جريدة نخيل يابسة، ويضعها اللاعب بين رجليه ممسكاً بمقدمتها بيد ثم يجري بين «السكيك» أي الأزقة، وهذه اللعبة من ألعاب الصيف، وهناك عدة ألعاب من هذا النوع مثل لعبة «عربانة يريد» ، وهي أن يحضروا جريدة نخيل خضراء ويقوسون مقدمتها ثم يربطون رأسها بمؤخرتها ويدفعها اللاعب أمامه.
«الجحيف» لعبة البنات
الجحيف أو «الحويم» من ألعاب البنات المحببة وتمارس طوال السنة، إذ تحضر الفتيات «جحف» أي قحف من الفخار دائري الشكل ويخططن في الأرض مربعات حسب الشكل المحدد، وعند اللعب تتنافس الفتيات بأن تلقي إحداهن بالجحف في المربع الأول ثم تتحرك على قدم واحدة بالقفز، وتحرك الجحف بأصابع قدمها اليمنى من وإلى نقطة البداية، فإذا تمكنت من إيصال الجحف «الهويم» إلى نقطة البداية عند المربع المستطيل تخرج وتبدأ من جديد بأن ترمي الجحف في المستطيل الثاني وهكذا.
ولهذه اللعبة شروط فإذا وضعت اللاعبة قدمها اليمنى في المربع تخرج من اللعب، أما إذا استطاعت إحدى اللاعبات اجتياز المربع الأول والثاني والثالث فإنها تستطيع أن تحقق الفوز، لأن باقي اللاعبات لا يستطعن القفز على ثلاث مربعات لدفع الجحف.
المحاماة
هي من ألعاب البنات أيضاً، وتصاحبها أناشيد وأهازيج ترددها اللاعبات، وعند اللعب تجلس 3 لاعبات أو 4 جلسة القرفصاء، ويتحركن بالقفز على القدمين على أن تكون اليدان موضوعتين على الفخذين، ومن تجتاز المساحة حتى الخط النهائي عدة مرات تفوز على رفيقاتها.
الحبيل
لعبة شعبية تؤديها البنات إذ يحضرن حبلاً طويلاً مصنوعاً من الكمبار أو ألياف النخيل، وتمسك فتاتان الحبل من الناحيتين وتبدآن بتحريكه إلى أعلى وأسفل بطريقة دائرية، وعندها تدخل إحدى اللاعبات وسط الحبل وتقوم بحركات أو بالقفز بطريقة بهلوانية لا تمس الحبل، وعادة تشد اللاعبات الحبل بقوة وتظهر هنا المهارات البدنية عند البنات وقدرتهن الفائقة على أداء الحركات، وقد تلعب أكثر من لاعبة هذه اللعبة في آن واحد، وأثناء اللعب تردد الأناشيد، وتمارس لعبة الحبيل على شاطئ البحر عصراً.
خوصة بوصة
من الألعاب التي تصاحبها الأهازيج، إذ تتجمع اللاعبات على شكل دائرة وتجلس لاعبة واحدة في الوسط على أن تكون أكبرهن سناً، وتردد الأهازيج وأثناء اللعب تنشد الأناشيد وتحرك إصبعها «السبابة» على ركبة كل فتاة من اللاعبات وتقول عند بدء اللعب:
خوصة بـوصة يالنبوصة
كلاج الدود من جندود
لين عقارب لين السود
مرينا على صبي غاوي حماري
يسند على ضو القمر
موزة موزة عطينا جدركم
بنلاقي ولد محمد بن سلطان
لادغتنه عقربة شقربية
ما يندرى هي خيل ولا مطية
ثم تقول خيل ولد سلطان أو هب ومن تقع عليه الكلمة أثناء تمرير إصبعها «السبابة» على ركبة كل لاعبة فإن هذه الفتاة إما أن تختار أن (تقرص) أو تحرث الرمل أو تخرج من اللعب.
فإذا اختارت أن تقرص تقوم اللاعبة الأولى بقرصها بشدة، وتكابر الفتاة الثانية في التحمل فإذا قالت «دوسة مطية»، تخرج أما إذا كابرت وقالت «قرصة خيل» تستمر بقرصها فإذا تحملت القرص تستمر، وهكذا تستمر اللعبة وهي تعتمد على قدرة التحمل.
العرائس
لعبة العرائس أو «الحيا» أو الدمى، وهي أن تصنع البنات دمى بأشكال مختلفة من القطن أو القماش من مخلفات الخياطة، وتشكل العرائس بطرق معينة وتتجمع البنات في مكان ما ليلعبن هذه اللعبة المسلية في بيت من الكراتين أي الصناديق الكرتونية، حيث تحفظ العرائس عند نهاية اللعبة في الكرتون.
المريحانة
المريحانة أو «الدرفانة» من أكثر الألعاب الشعبية المحببة إلى الفتيات وتسمى هذه اللعبة «الأرجوحة» أو «الدرفة» و»الدرفانة» وأحياناً يسمونها «الكرمانة».
وهي عبارة عن حبل مربوط في غصني شجرة ضخمة مثل السدر أو الرول، وعند اللعب تركب البنت وسط الحبل، وتدفع برجليها إلى الأمام أو تدفعها بعض زميلاتها، أي تشط بها، ومن ثم تتحرك إلى الأمام والخلف وأثناء ذلك يرددن الأناشيد المصاحبة.
واشتهرت شجرة الرولة في مدينة الشارقة، وكانت تربط بين أغصانها حبال المراجيح، وكذلك في رأس الخيمة عرف الناس شجرة الرولة التي يتجمعون تحتها يوم العيد ويربطون المراجيح ويلعبون وينشدون ويغنون أعذب الأغاني، وفي الرولة أنشد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة 1951 ـ 1965:
يا رولة في ذارها النفس سارحة مني عليك سلام المدنف الشاكي
لازلت في خاطري والشوق يلعب بي وبـين عيني لن ينفك مرآك
وهناك العشرات من الألعاب الشعبية التي مارسها الصبية والبنات والصغار في ذلك الوقت، ومن الألعاب الفردية شنيوب شنيوب والرنك أو الدحروي، وخيل يريد، والحبل، وعربانة حديد، والفرارة، وقرقعانة، وأم النقيع، والكراحيف، وكوكو حمامة.
ومن الألعاب الجماعية حديد يريد، والتيلة، وتيلفون، وأم لولاد والصقلة «أم الأربع»، وحاسوم ياسوم، والحلقة أو قرقعان، والحلة، والخاتم وخبز رقاق، والخبصة، والدسة والدسيس، ودور دور يا مسمار، والسبي سبوتة، والسخامة، والشكعة، وشبير وشيبة، وشير، والصبة، وصندوق بندوق، وعظيم السرا والكرابي، وكرة مسطاع، وكرة السوط، والكوكسري والمغاوص، واللقفة، والمجلاع، ومحينيو، وملك ولا وزير، ومن ضربك، وهدوة المسلسل، وهواري أو عداديل، وين طلع الذيب، وليقيرة، وجر الحبل. وفي دراسة متأنية تشير إلى أن الألعاب الشعبية التي مارستها أجيال مختلفة لم يكن الهدف منها تنشيط الجسم وتنمية مواهب الفرد فقط، بل وتنمية العلاقات الاجتماعية وتجسيد روح المثابرة والمغامرة الجماعية وخلق التوازن النفسي وتجسيد الهدف الواحد والآمال المشتركة.
وتشير إلى أن هذه الألعاب كان يمارسها الأطفال والشباب في ظل المنافسة الشريفة وفي مناخ عفوي وأسري خال من الأحقاد والخلافات ما عكس قوة المجتمع وتماسك أفراده. وتعتبر الألعاب الشعبية في الإمارات مظهراً ثقافياً لهذا المجتمع لما يتسم به من مميزات وسمات خاصة في مقدمتها حرية الممارسة، فلم يكن هناك إرغام على ممارستها بل كانت تعتمد بالدرجة الأولى على رغبة الصبي أو الفتاة في اللعب حيث تسير المشاركة وفق نظام يتطلب من ممارسيه الالتزام به، فيما تغيب الحوافز المادية، فاللعب بقصد التسلية والنشاط سيما الألعاب الجماعية، ولكل لاعب أداته في اللعب، ولهذه الألعاب قوانين وقواعد تنظمها، فهي ليست عشوائية بل تحكمها قوانين من يخل بها لا يعتبر خارج الحلبة فقط بل يوبخ من زملائه.
ولعل من أبرز سمات الألعاب الشعبية في دول الخليج العربية الإبداع والابتكار، فالذي فرضته الظروف البسيطة التي كان يعيشها الأطفال دفعهم لاختراع ألعابهم من مفردات الحياة البسيطة، وهنا تأتي أهمية تفكيرهم الخاص في استخدام أغصان الأشجار وأصداف البحر وقواقعه ليصنع الطفل منها نموذجاً للمراكب الراسية هناك أو المواتر «السيارات» وألعاباً تعتمد على الذكاء كالصبة وأخرى تقوم على قدرة التحمل «سبيت حي لو ميت» وأخرى تعتمد على التوازن وهذا ما يميز أطفال تلك الفترة عن جيلنا الحالي، أو كما يحلو لهم بتسميته بجيل البترول والإنترنت.
الألعاب الشعبية والتربية
هناك بعد تربوي لهذه الألعاب في مجتمع الخليج قديماً، حيث ساعدت على النمو الجسماني والابتعاد عن الملل وسيادة الالتزام بالسلوك السليم باعتباره من قيم المجتمع. هناك لعبة تسمى «أنا الذيب باكلكم» وهي تعكس حرص الأم على حماية أطفالها، وتعكس فترة كان لراعي الغنم فيها دور مهم في المجتمع الخليجي، كان الراعي يطوف على البيوت يأخذ الغنم إلى مناطق يكثر فيها العشب والمرعى، وتكون مجالاً خصباً لرعاية الأغنام وعادة ما تهاجم الراعي وغنمه الذئاب المتربصة بالأغنام في فترة غفلة الراعي في قيلولة لتهجم على الأغنام وتأكلها، ومن هنا جاءت تسمية هذه اللعبة «أنا الذيب باكلكم» ويرد الراعي «وأنا أمكم بحميكم» وهي أيضاً تأخذ الجانب التربوي في حرص الأم على الخوف على أبنائها وحمايتهم من الغريب، تماماً كما تتصرف الدجاجة بعفوية عندما يهاجم القط فراخها الصغار. وتعكس لعبة أخرى تسمى «شير بانيان» مدى قيمة الأمانة، وهناك لعبة العرائس «الحيا» وهي انعكاس للسلوك التربوي المستمد من قيم المجتمع ومدى التماسك الاجتماعي والأسري، من خلال قيام اللاعبين واللاعبات في المجتمع الواحد بالحد من المشاجرات وتستمر تلك العملية كجزء من اللعبة.
وتتضح الناحية التربوية من خلال معرفة الصبية والفتيات أن موعد غروب الشمس هو الموعد المحدد للعودة إلى المنازل.
بالإضافة إلى الأبعاد التعليمية لهذه الألعاب، فهي تختلف باختلاف مراحل الطفولة وتبعاً لتطورالطفل، فألعاب الأطفال من الثالثة إلى الخامسة تختلف عن ألعابهم من الخامسة وحتى العاشرة أو ما بعد العاشرة. وتؤكد إحدى الراسات المتخصصة أن الطفل كلما تقدم في العمر سنة، ضاقت الفوارق بين ألعابه وأعماله، لذلك يمكن القول أن الألعاب الشعبية وبما تتضمنه من تدريب وممارسات تجعل الطفل أكثر استيعاباً لمختلف نواحي حياته، وهذا يفسر حرص الأبوين في ذلك الزمن على تعليم الأبناء هذه الألعاب.