كتب - حذيفة إبراهيم:
لم يكن اكتشاف 5 أطنان من اللحوم الأسترالية الفاسدة الأسبوع الماضي هو الأول من نوعه في البحرين، وذلك على مدى السنوات الماضية، مع اختلاف الكميات والمصدر والطريقة التي تم فيها الشحن أو حتى فصول السنة.
وخلال العام 2012 تم خلال أقل من 6 أشهر الحديث عن أبقار مريضة قادمة من جيبوتي، وإيقاف شحنة من 20 ألف رأس تم التعاقد لبيعها على المواطنين، حيث أدى ذلك إلى شح اللحوم في السوق أو انعدامها كلياً، وما له من تبعات على القصابين والمواطنين.
وعلى الرغم من تصريحات رئيس مجلس إدارة شركة البحرين للمواشي إبراهيم زينل التي أكد فيها أن نسبة الشحنات الفاسدة قليلة ولا تتعدى الـ0.4%، إلا أن مصادر في الجهات الرسمية، وأعضاء بلديين يؤكدون أن تلك النسبة غير حقيقية، وأن عدم تسليط الإعلام الضوء على العديد من الشحنات لا يعني أنها لم تكن فاسدة.
ويمكن للمواطن أو الجهات الرسمية البحث في محرك «قوقل» وأرشيف الصحف البحرينية، حيث سيصعب عليه إحصاء عدد الأخبار التي تحدثت عن وجود شحنات فاسدة بمختلف الأيام والأرقام.
وفي العام 2010 تم اكتشاف شحنات من اللحوم الفاسدة الباكستانية بوزن «18872» كغم، حيث أتلفتها وزارة الصحة بالتنسيق مع البلديات والصحة، بينما تصدرت قضية مشابهة أخرى صفحات الجرائد المحلية في أكتوبر من العام 2008، وأمر حينها صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بتشديد الرقابة على اللحوم، ووجه وزيري الصحة والبلديات إلى إعداد تقرير حول حالة اللحم الفاسد الذي اكتشف وكان مصدره مسلخ البحرين للمواشي، حيث جاء ذلك بعد امتناع قصابو المحرق عن بيع اللحم الفاسد رغم أوامر الشركة وتهديداتها لهم.
ويعتبر إحالة وزارة البلديات لقضية فساد اللحوم إلى النيابة العامة أمراً جديداً في ظل تكرار المشكلة مرة بعد الأخرى، وهو ما يعلق عليه المواطنون أمالاً بأن ينهي تلك المأساة ويكشف المتورطين في العبث بصحة الناس.
وأشار مصدر مطلع في وزارة البلديات أن الوزارة وبالتنسيق مع «الصحة» أحالت قضية فساد اللحوم في شركة البحرين للمواشي إلى النيابة العامة وذلك إثر تكرار تلك الحوادث، فضلاً عن توجيهات صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بذلك الخصوص.
?0.34 نسبة الفاسد فقط
وفي رده على ذلك قال رئيس مجلس إدارة شركة البحرين للمواشي إبراهيم زينل، إن: «الشركة استوردت خلال الستة الأشهر الماضية خمسة آلاف و170 طناً من اللحوم المبردة من: «أستراليا، وباكستان وأثيوبيا والسودان وكينيا»، موضحاً أن النسبة الفاسدة من هذه اللحوم كانت 0.34%، أي أنها أقل من نصف بالمائة، وهي نسبة تعتبر قليلة، كما إن هذا الجزء لم يسمح بدخوله، وتم إتلافه، وأكد أن الشركة استوردت أمس ما لا يقل عن 45 طناً من اللحوم المبردة، وتم الكشف عليها بيطرياً، وكانت كلها سليمة».
وبخصوص تصريح وكيل شؤون الزراعة والثروة البحرية الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة بإحالة الشركة للنيابة بعد ضبط خمسة أطنان من اللحوم الفاسدة القادمة من أستراليا، قال زينل «شخصياً لم أستدع للنيابة، كما إن الشركة لا تستورد لحوماً فاسدة، نعم قد تصل لحوماً فاسدة للبحرين، وذلك بسبب بعض التأخير الذي يحصل في النقل، ولكنها تعدم بعد التأكد من حالتها، وهذه مهمة الإشراف البيطري والصحي، ولا يتم بيعها للناس، كما إن الشركة لا تدفع شيئاً للشركة الموردة أو شركة النقل إلا بعد التأكد من صحة هذه الأغنام»، معلقاً «أي بضاعة قد تتعرض للتلف أثناء النقل، وما حدث أمس الأول قد يتكرر، ولكن هل تم بيع لحم فاسد على المواطنين؟. ما ذنب الشركة في فساد اللحم الذي تتحمله شركة النقل؟».
خزنتها لـ 4 أيام
ويؤكد عضو مجلس بلدي المحرق علي المقلة أن القضية المرفوعة ضد مجلس إدارة شركة البحرين للمواشي صحيحة وجاءت ليس بسبب الأخطاء اللوجستية ولكن الشركة عمدت إلى استمرار تخزين اللحوم في البرادات لحوالي 4 أيام دون إتلافها أو إجراء أي محظر بالإتلاف، وذلك لانتظار نسيان القضية من الجهات المعنية تمهيداً لإعادة طرحها في الأسواق.
وأكد أن النيابة العامة والقضاء هما الفيصل في القضية المرفوعة ضد الشركة، مطالباً الجهات المعنية و»حماية المستهلك» بالتعاون مع القضاء وتقديم الأدلة التي تثبت تورط الشركة بعمليات مماثلة واستهانتها بصحة المواطنين وتعريضها للخطر.
وأشار إلى أن شركة البحرين للمواشي لا تؤجر الطائرات مباشرة خشية من ارتفاع الكلفة، حيث دأبت على استيراد الأغنام الرخيصة والمخصصة للصوف وليس للأكل، فضلاً عن التعاقد مع أردأ الشركات لشحن اللحوم.
وأوضح المقلة أن «رئيس شركة البحرين للمواشي يتحدث «كأنه وزير للتجارة» وألا أحد غيره لديه علم في كيفية استيراد ونقل اللحوم من مصادرها، وذلك بهدف التنصل من مسؤوليته فيما حدث.
وقال إن تقارير وزارة الصحة والجهات المعنية تؤكد أن معظم شحنات اللحوم التي تستوردها شركة البحرين للمواشي تأتي بدرجة حرارة 8 أو 9 درجات مئوية، بينما يجب ألا تتعدى درجة حفظ اللحوم الـ5 درجات، وهو ما يتسبب بفسادها، فضلاً عن وصولها إلى المستهلك «منتهية الصلاحية».
وأوضح المقلة أن «طريقة نقل الشركة «بدائية» وتستخدم حاويات قديمة، مبيناً أن الجهات المعنية حذرت الشركة مراراً من طريقة نقل اللحوم حتى داخل المملكة، حيث تعمد إلى تكديسها في سيارات التبريد بدلاً من تعليقها، وهو ما يؤدي إلى عدم وصول البرودة إلى كافة الذبائح».
وشدد على أن «البحرينيين لا تنطلي عليهم ردود الشركة والتجار ذوي المصالح الشخصية، مطالباً بكسر الاحتكار لدى شركة البحرين للمواشي وتوزيع الدعم على باقي الشركات المنافسة التي تقدم لحوماً أفضل؟ وأوضح أن شركة البحرين للمواشي» لم تستورد اللحم الحي منذ أكثر من 5 أشهر».
وقال إن: «سجلات وزارة الصحة تثبت أنه وخلال 6 أشهر تم اكتشاف أكثر من 1000 رأس غنم غير صالح للاستهلاك وتم إعدامها، فضلاً عن اللحوم الرديئة التي تدخل السوق والتي إما تتكدس لدى القصابين أو يشتريها البعض عن جهل». وأوضح أن الشهر الفائت أعلنت وزارة الصحة عن اكتشاف 500 رأس غنم غير صالح، مشيراً إلى أن الجهات المعنية تعتمد على تفتيش عينات عشوائية من كل شحنة، أما لو دققت في كل رأس ماشية فإن معظمها لن تدخل المملكة، إلا أن ذلك يتطلب طاقماً وموظفين بأعداد هائلة.
وطالب المقلة الحكومة بإقالة مجلس إدارة الشركة وتشكيل آخر جديد، وافتتاح المجال أمام المستثمرين البحرينيين أو الخليجيين، إضافةً إلى تنويع مصادر الاستيراد سواء من السودان أو كازاخستان وغيرها.
النواب وحماية المستهلك
ووجه المواطنون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات أصابع الاتهام إلى شركة البحرين للمواشي بأنها «تستهين» بصحة المواطنين، وأن همها الأول والأخير هو
الربح غير المشروع»، بينما جاءت أصابع الاتهام للجهات المعنية في وزارة الصحة والبلديات والصناعة والتجارة، وهيئة حماية المستهلك، ومجلس النواب.
ويقول المواطنون إن المجلس النيابي لم يقدم سوى «الوعود» و»التصريحات الرنانة» وتشكيل اللجان التي «لا أول لها ولا آخر»، دون أي نتيجة أو فائدة تذكر، بينما علق أحدهم متهكماً «اغسلوا أيديكم من النواب، لا استجوبوا وزراء، ولا زادوا الرواتب»، في إشارة منه إلى التصريحات النيابية بداية دور الانعقاد الثالث باستجوابات حول تقرير ديوان الرقابة وذهابها في مهب الريح دون أي خطوات عملية.
ولم تكن هيئة حماية المستهلك بمنأى عن الانتقادات من قبل المواطنين، حيث أشاروا إلى أن الهيئة «تكتفي بطباعة المنشورات الإعلانية دون تحذير المواطنين من أي بضائع فاسدة أو اتخاذ الإجراءات القضائية ضد الشركات والمحال المخالفة»، فضلاً عن ألا أحد يعلم مقرها أو حتى أرقام التواصل معها والتي حتى وإن علم فلا فائدة منها.
اللجنة أولوية قصوى
وفي رده على تلك الاتهامات أكد النائب علي زايد أن لجان التحقيق تؤتي ثمارها، وأنها لا تشكل إلا بعد حدوث المشاكل كونها لا تشكل «اعتباطاً»، مشيراً إلى أن كتلة الأصالة بصدد تشكيل لجنة تحقيق في شحنة اللحوم الفاسدة، وتوليها أولوية قصوى حيث لا استهانة بصحة المواطنين.
وقال: «عندما علمنا بوجود شحنة لحوم فاسدة، أحضرنا المختصين بهذا الجانب، وتابعنا التصريحات والتحريات، حيث يجب أن نتطلع على مجريات الأمور قبل البدء بأي تحرك».
وأضاف بأن لجان التحقيق السابقة حصلت على وعود من الجهات المعنية بعدم تكرار مشاكل فساد اللحوم، إلا أن النواب «تفاجؤوا بالفترة الأخيرة من دخول شحنة فاسدة إلى المملكة»، مبيناً بأن لجنة التحقيق ستعكف على معرفة السبب المباشر لتلف الشحنة والمسؤول عنها كون الجهات المعنية تتقاذف المسؤولية حولها. وأشار إلى أن كتلة الأصالة تسعى إلى معرفة «هل فسدت الشحنة في الطريق أم هي فاسدة من الأساس» وكيف وصلت إلى البحرين، مبيناً أن الحديث عن أي استجواب مازال مبكراً لحين ظهور كافة النتائج.
تساؤلات لا تنتهي
وبالرغم من التطمينات التي تنشرها الشركة بأن اللحوم جيدة وصالحة للاستهلاك البشري، وغيرها من الوعود النيابية بأن المواطنين «لن يأكلوا لحماً فاسداً»، إلا أن المخاوف والشك مازالت لدى المواطنين، حيث تشكل إعادة الثقة بمنتجات اللحوم المطروحة في الأسواق أمراً شاقاً خلال الأسابيع المقبلة.
ويطرح تكرار فساد اللحوم تساؤلات عديدة حول الجدوى من «التغطية بورقة التوت» على تلك القضية في كل مرة، والمتسبب بذلك، فضلاً عن سبب التمسك الحكومي بشركة البحرين للمواشي رغم أدائها الضعيف أو السيئ أحياناً، والمشاكل التي تظهر بين الفينة والأخرى إلى السطح، إضافةً إلى دور الأجهزة المعنية التي صمتت خلال هذه الأزمة ولم تحرك ساكناً.