كتب - محمد الكواري:
حذر شيوخ وعلماء دين من «الخوض في أعراض الناس التي تعد من كبائر الذنوب»، مشيرين إلى «عظم جرم الغيبة وخطرها على المجتمع»، فيما أوضحوا أن «عثرات اللسان توقع الإنسان في الموبقات والدركات، وتورث الحسرات والآفات».
وأضافوا أن «الغيبة هي أن تذكر أخاك بما لو سمعه أساءه، كما بيّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواءٌ ذكرت بعضاً في بدنه أو نسبه أو خُلُقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، أو حتى ثوبه وداره».
ودعا العلماء إلى «تأمل العذاب الجاري على قواعد العدل الإلهية، في مناسبة العذاب للجرم والذنب».
وشددوا على «ضرورة عدم استسهال إثم الغيبة والاستصغار بشأنها أو تحقير ذنبها».
واستشهدوا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم».
وقال أبو زيد السهيلي رحمه الله: «ضرَبَ المثل بطعن العرض بأكل اللحم، لأن اللحم يستر على العظام، والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر، وقال الله تعالى: «ميْتا» لأن الميت لا يحس، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب».
وقال رجلٌ للحسن رحمه الله: بلغني أنك تغتابني؟ فقال: «لم يبلغ قدرك عندي أن أُحكّمك حسناتي».
الإصغاء إلى الغيبة
وأوضح العلماء أن «الإصغاء إلى الغيبة وسماعها على سبيل التعجب والرضا بها، تعد مشاركة للمغتاب في الغيبة، خاصة إذا كان الشخص يظهر التعجب عند السماع ليستخرج كمال الغيبة من المغتاب».
وفي هذا الصدد، قال ابن المبارك رحمه الله: «فِرَّ من المغتاب فرارك من الأسد».
ورأى العلماء أن «الجرم يشتد والذنب يتعاظم حينما تصدر الغِيبة ممن ينتسبون إلى العلم والصلاح، ويتزينون بسيمات أهل الزهد والورع، فيجمعون في غيبتهم بين تزكية أنفسهم وذم غيرهم».
كأن يُذكر عند هؤلاء المتزهدين إنسان فيقولون: «الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء والدخول في كذا وكذا»، وليس قصده بدعائه إلا أن ينبه إلى عيب غيره. فيجمع المغتاب بين 3 فواحش: هي الغيبة والرياء وتزكية النفس، فيقع بذلك في حبائل الشيطان ومكائده من حيث لا يشعر.
يقول بعض السلف: «أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس».
ولهذا نصح العلماء بضرورة حفظ حق المسلم لأخيه وصون عرضه، ففي الحديث: «من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة»، وفي حديث آخر: «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال». وردغة الخبال: هي «عصارة أهل النَّار».
عثرات اللسان
وحذر العلماء من «عثرات اللسان»، موضحين أنها «توقع الإنسان في الموبقات والدركات، وتورث الحسرات والآفات»، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفّر اللسان، تقول: «اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».
وشدد العلماء على «ضرورة عدم تحقير إثم الغيبة أو تصغير شأنها»، وفي هذا يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ ?للَّهِ عَظِيمٌ). وفي الحديث الصحيح: «الربا نيّفٌ وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم».
وحذر العلماء من «خطر إثم الغيبة»، مشيرين إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ من آمن بلسانه ولم يدخُل الإيمان قلبَه، لا تغتابوا المسلِمين، ولا تتَّبعوا عوراتهم، فإنه من تتَّبع عورة أخيه المسلم تتَّبعِ الله عورتَه، ومن تتَّبع الله عورتَه يفضَحه ولو في جوف بيته».
وقال العلماء إن «الغِيبة من كبائر الذنوب، وكبائرُ الذنوبِ لا تُكفِّرها الحسَنات من الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ وسائرِ القُربات، بل لا بد من الإقلاعِ والنّدم والتوبة النصوح».
أسباب الغيبة
وعندما يتأمل الإنسان أسباب الغيبة يجد لها أسباباً كثيرة منها: تشفي الغيظ، وموافقة الرفقاء ومجاملة الجلساء، واللّعب والهزل، وطلب المراءاة والتصنع والمباهاة، والاهتمام بالناس دون النفس.
وعلى كل محب لله وطامع في رضاه، أن يتزود بما يعينه على اجتناب هذا الداء العظيم، ومن ذلك: صدق الالتجاء إلى الله والافتقار إليه، وأن لا يفتر لسانه عن الدعاء لنفسه بالشفاء من هذه الآفات والمعاصي، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: «اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها». رواه مسلم. كما يمكن تجنب الإثم بتعظيمه، وتذكير النفس بأنه من أفظع العيوب في حق المسلم، وليعلم المغتاب أنه بالغيبة يتعرض لسخط الله ومقته وغضبه، وأنه قد تحبط حسناته، وتنقلها إلى من اغتابه عوضاً عما تفكه بعرضه وتلذذ بغيبته. ومن أكبر الأسباب الواقية من الغيبة الاهتمام بالنفس وعدم الاهتمام بالناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، ومنها أيضاً التزام الصمت، فإن الكلمة لك ما لم تخرج من فمك، فإذا خرجت كانت عليك. وقال بعض الحكماء: «عليك بالصمت فإنه يكسبك صفو المحبة، ويؤمنك سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويفيك مؤونة الاعتذار». وأيضاً من الأسباب الواقية من الغيبة: حسن الظن، كما قال بعض الصالحين: «التمس لأخيك سبعين عذراً، فإن لم تجد فاتهم نفسك».
970x90
970x90