كتب - عبدالرحمن محمد أمين:
الزمن يدور.. ونمط الحياة يتغير.. المسؤولية تزداد.. الحياة تتعقد.. والكل يترحم على أيام زمان.. أيام الغوص وأهواله.. أيام الطيبة والتراحم.. أيام كان الغني ينهر الفقير ويطرده إن هو طلب المساعدة أمام الناس.. أيام يذهب المحسنون ليلاً وسراً لإعطاء المحتاجين.
واأسفاه على أيام التخبط بين الأزمة في الظلام.. ويا أسفاه على أيام جمع الحطب للطبخ.. ويا أسفاه على تنكة صنع خبز الرقاق.. يا ليت خالتنا «كلثم» تعود لتعيد لنا تلك الأيام والذكريات.. يا ليت أيام رمضان ولياليه تعود.. يا ليت مجلس المساند والمطارح يعود.. يا ليت غرف الزواج والمناظر التي تغطي الجدران تعود.
مشتاقون وبشدة لرؤية أيام الماضي.. مستعدون أن نعيش في الظلام.. مستعدون لحمل فرش النوم إلى السطوح لتتساقط عليها قطرات الندى.. مستعدون لاستخدام برم الماء الفخار وتغطيته بالأخشاب.. مستعدون للتخلي عن الثلاجة والمكيف.. نحن راضون عن أكل المحمر والكنعد.. ومستغنون عن أكل الغوزي والبرياني.
لماذا أنت قاس يا زمن؟ لماذا بدلت سعادتنا شقاوة؟ لماذا حولت طيبتنا كرهاً وعداوة ؟ لماذا جعلت شوارعنا بيضاء نيرة وقلوبنا سوداء معتمة؟ لماذا فرقت بين الابن وأبيه؟ ما أغدرك يا زمن.. لا ندري لماذا عملت فينا ما نعانيه؟ هل ارتكبنا خطأ نستحق عليه كل ما حل بنا؟ ماذا نعمل لإرضائك حتى تعيد لنا الأيام الخوالي؟ متى يا زمن نجلس على سفرة الخوص للغداء ولا نفكر في العشاء؟ متى يا زمن ننام ولا نفكر في أبيال الكهرباء والماء؟ متى يا زمن نرى أولادنا يدخلون بيوت جيراننا دون خوف من الطرد؟ متى يا زمن يعود تعاملنا مع أبناء جلدتنا؟ متى تعود أيام وجود نسائنا في بيوتنا؟ ومتى تعود أيام معرفتنا بمكان وجود أبنائنا؟.
لو تكرمت يا زمن وأخرجت لنا أحد الأموات قبل عدة سنوات، هل يقبل العيش في هذه الأيام؟ ماذا يرى؟ هل يرى نساء الحي مجتمعات في حوش أحد البيوت؟ هل يرى صواني وصحون الأكل تتنقل من بيت لآخر؟ هل يرى علب الخوخ والأناناس تملأ بيت العائد من السفر أو المصيف؟ هل يرى الصغير يختفي عندما يمر الكبير؟ وأخيراً يا زمن طال الفراق وتعبنا من الانتظار فمتى تعيد لنا أيام الطيبة والألفة والمحبة والتراحم.
ماضي المحرق
سوف أتكلم عن ماضي المحرق مدينة الآباء والأجداد وبالذات فريج الشيخ عبدالله بن عيسى ذا الطابع الخاص، إذ كان مركز الحكم في وسط المحرق، وفريج الشيخ عبدالله بن عيسى الذي عشت قربه كائن في وسط المدينة.
أذكر البعد الثقافي للفريج، وسوف تكون البداية من نادي المريخ الثقافي والرياضي وكيف تجمع حوله رجالات الحي وكان قريباً منه نادي الجيل وبيت الصحافي الشهير عبدالله الزايد، الذي لا يزال شامخاً وكذلك البيت الأثري للشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، والذي أصبح مركز إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، وللأسف فإن ملامح هذا الفريج تغيرت وهناك محاولات لإعادة إحيائه عبر وزارة الثقافة
بعيداً عن صيحات التكنولوجيا والهبوط على سطح المريخ، فإن الحديث عن فريج الشيخ عبدالله بن عيسى، ذلك الفريج المميز وسط مدينة المحرق الكبيرة بأهلها، له طعم مختلف.
فريق نادي المريخ وسط المحرق جار عليه الزمان، ولم تعد ترى حتى هذا اليوم غير جدار قديم من الحصى كان يجلب من البحر للبناء في ذلك الزمن، في دهاليز المحرق العتيقة تدفق العشرات من أهالي كبار المنطقة والشباب والمهتمين بالرياضة والثقافة في المحرق ليحولوا ذاك المبنى القديم إلى شعلة من النشاط، وسوف نتطرق إلى مؤسسي وأعضاء نادي المريخ في لقاءات أخرى.
كان نادي المريخ، حاله حال النوادي الثقافية والرياضية التي تميزت بها البحرين وانتشرت منذ قديم الزمان، فهذا لا محالة هو موروث البحرين الثقافي.. ولكن أن يخرج نادي ثقافي ـ رياضي من هذه المنطقة فذاك كان العنوان الجديد، أما عن الموقع فهو يقع وسط المحرق وتحديداً في فريج الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، ولفريج الشيخ عبدالله بن عيسى وضع خاص حيث كان مركزاً للحكم وتحديداً عند بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.
شهدت مبنى ذاك النادي عندما كنت صغيراً في نهاية الستينات، حيث كان مبنى النادي يقع في بيت من طابقين قريباً جداً من بيت الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى، وأصبح مدرسة ابتدائية باسم مدرسة الخليل بن أحمد الابتدائية منتصف الستينات واستمرت حتى الثمانينات، ولا نزال نتذكر هذا البيت الكبير بتفاصيله وحجراته وفنائه، وكان نادي المريخ أيضاً قريباً جداً من بيت عبدالله الزايد، وعبدالله الزايد هو أول صحافي بحريني خطا بالبحرين خطوتها الأولى في عالم الصحافة بتأسيسه صحيفة «البحرين» اليومية التي بدأت أسبوعية بشكل مؤقت نهاية ثلاثينات القرن الماضي، كان نادي المريخ كذلك ليس ببعيد عن مدرسة الهداية الخليفية والتي درس فيها معظم أهالي المحرق.
بداية المريخ
خرج نادي المريخ إلى النور مع نهاية الخمسينات واستمر العطاء حتى فترة منتصف السبعينات، حين تناثر الأعضاء للظروف الأسرية والتزامات العمل، فتحول إلى ناد آخر عندما تم التبرع بمقتنيات النادي إلى مكان آخر، وكان عطاؤه الأكبر في فترة نهاية الخمسينات ثم الستينات. كان لنادي المريخ نشاط ثقافي ورياضي وكان موقع النادي يتكون من طابقين، أما عن الطابق الأول فكان يحوي حجرة كبيرة للقاءات والاجتماعات والفعاليات الثقافية والتمثيل وعرض الأفلام التي كانت تجلب من نادي شركة نفط البحرين بابكو آنذاك، أما خارج تلك الحجرة فكان يوجد مكان مظلل يضم طاولات للعب البينغ بونغ.
أما الطابق الأرضي فكان يوجد فيه عدد من الحجر منها حجرة لألعاب الأثقال وحجرة للمكتب والحوش ومقصف، كما يوجد عدد من الكراسي خارج مبنى النادي للجلوس.
كان رئيس النادي الرجل الفاضل الشيخ عيسى بن أحمد آل خليفة، وكان الرياضي المعروف الراحل حمد الرويعي من مؤسسي الجانب الرياضي للنادي.