إن معظم التشريعات الجنائية في أغلب دول العالم تقر بالدفاع الشرعي كسبب من أسباب الإباحة التي تجعل الفعل المجرم بأصله مباحاً متى ما كان دفاعاً عن نفس أو مال المدافع أم نفس أو مال الغير، ولكن ذلك لا يعني إطلاق مفهوم الدفاع الشرعي بدون قيود لأن التسليم بذلك سوف يجعل الدفاع الشرعي حجة للمذنبين ليتذرعوا بأن ما قاموا به من أفعال كانت على سبيل الدفاع الشرعي ليفلتوا من دائرة التجريم.
وعلى إثر ذلك فقد نصت المادة (17) من قانون العقوبات البحريني على ضرورة توافر شروط معينة حتى تقوم حالة الدفاع الشرعي وهي «إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة على نفس أو على المال أو اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة وأن يتعذر عليه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب».
وهذه الشروط هي التي تحدد متى يعتبر الفعل دفاعاً شرعياً ومتى يعتبر جريمة يعاقب عليه القانون.
وما استدعى الكتابة في هذا الموضوع وجود بعض المتهمين الذين يتذرعون عند استدعائهم إلى مراكز الشرطة بأن ما قاموا به من أفعال مخالفة للقانون كانت دفاعاً شرعياً عن أنفسهم أو أموالهم، وعندما يسأل المتهم عن كيفية وقوع الجريمة يقرر بأنه اعتدى على آخر وقام الآخر برد العدوان ومن ثم قام المتهم بتكرار العدوان ويصر بأن ما صدر منه كان دفاعاً عن نفسه أو ماله، غير مدرك أو متعمد التجاهل بأن ما شرع فيه من أفعال لا يمت للدفاع الشرعي بصلة وبالتالي يكون فعله مؤثماً قانوناً ومستوجباً العقاب.
ولذلك وجب تسليط الضوء على شروط الدفاع الشرعي لإزالة الغموض الموجود لدى البعض والتي يترتب على توافرها جعله مباحاً بعد أن كان جريمة مكتملة الأركان ومطابقة للنموذج القانوني للجريمة الذي حدده المشرع.
فالدفاع الشرعي حق عام يخول لكل شخص يواجه عدواناً أو خطراً حالاً على النفس أو المال سواء وقع عليه أو على غيره، أن يستعمل القوة اللازمة لدرئه إذا لم يكن في وسعه اللجوء إلى السلطات العامة.
ومن خلال استقراء هذا التعريف والتمعن فيه تتضح شروط الدفاع الشرعي اللازمة لقيامه والتي سوف يتم التطرق لها جملة وتفصيلاً من أجل توضيحها بطريقة أجلى مساهمة في زيادة الوعي القانوني والأمني حفاظاً على أبنائنا وإخواننا وهذه الشروط تنقسم إلى نوعين.
فبالنسبة لشروط العدوان الخاصة بالمعتدي (المتهم) فهي كالآتي:
1. أن يكون الفعل غير مشروع:
أي أن يكون فعل المتهم مجرماً أي مخالفاً للقانون وذلك لأنه هو المبادر بالاعتداء المتسبب فيما حدث أي هو سبب نشوء الخطر كأن يقوم شخص بالاعتداء على آخر ويقوم الآخر بالرد عليه فهنا كلا الحقين جديرين بالحماية القانونية ولكن بما أن الفعل الأول هو السبب في نشوء الخطر فهو الذي يعد فعله غير مشروع , ولا يجوز له أن يحتج بأن ما قام به دفاعاً شرعياً استناداً للقاعدة القانونية العامة (لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي) ومن صور الفعل المشروع الذي لا يجوز الدفاع الشرعي ضده أيضاً أداء الواجب وبالتالي فلا يجوز الدفاع الشرعي ضد شرطي يؤدي مهمة مكلف بها من قبل عمله كالقبض على متهم فلا يجوز للمتهم أن يقاوم الشرطي متذرعاً بأن ما قام به دفاعاً شرعياً لأن ما قام به الشرطي من فعل مشروع وهو أداء الواجب.
2. أن يقع على النفس أو المال:
المقصود بمفهوم النفس هنا هو المفهوم الواسع فلا يقتصر الدفاع الشرعي على حياة الإنسان وجسمه بل ينسحب على حقه في حرمة منزله وفي شرفه وعرضه واعتباره وسرية مراسلاته ومكالماته وكل صور الحرية من تنقل وتعبير عن الرأي والتصرف فكل هذه الحقوق يجوز الدفاع الشرعي عنها.
أما بالنسبة للمال فيحق لصاحبه أو الغير أن يدافع عنه – سواء أكان عقاراً أو منقولاً – ضد جرائم السرقة.
3. حلول الخطر:
وجد الدفاع الشرعي كسبب مبيح لدفع الخطر الحال وهو الذي يبدأ ولم ينته بعد أو كان على وشك الوقوع أو اعتقد المدافع قيامة وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة وبالتالي فلا دفاع ضد شخص يقول لآخر بأنه سيقوم بضربه بعدما ينتهي من عمله وذلك لكون الدفاع الشرعي أبيح لدفع الخطر الحال وليس الخطر المستقبل كما ورد في هذا المثال, كما إنه لا دفاع شرعياً إذا بدأ الخطر وانتهى في نفس الوقت (الجريمة الوقتية) أي لم يستمر, كمن يقوم بصفع آخر على وجهه ثم ينصرف, فإذا قام المدافع بمطاردة المعتدي والاعتداء عليه فإن فعله هذا يعد انتقاماً لا دفاعاً شرعياً ويستوجب المساءلة.
أما بالنسبة للنوع الثاني من شروط فعل الدفاع الخاصة بالمدافع (المجني عليه) فهي تنحصر في نوعين هما:
1. لزوم الدفاع:
أي أن يكون استخدام القوة هو الوسيلة الوحيدة للمدافع لتفادي الخطر في الوقت المناسب, إما إذا كان لديه خيار آخر لدرئه بوسيلة أخرى غير القوة فيجب عليه استعمالها وإلا اعتبر متجاوزاً حدود الدفاع الشرعي ويسأل في حدود تجاوزه, كأن يكون المدافع بإمكانه اللجوء إلى مراكز الشرطة ولكن يفضل دفع الخطر بالقوة على أن يذهب إلى مركز الشرطة.
2. التناسب:
لا يجوز للمدافع استعمال القوة إلا بالقدر الكافي اللازم لرد الخطر وكل ما زاد عن ذلك يعد اختلالاً في التناسب بين جسامة الاعتداء وفعل الدفاع يسأل عنه المدافع كأن يتعرض شخص للسب من طرف آخر فيشهر سلاحه ويطلق عليه النار دفاعاً عن الاعتبار فهنا يسأل الذي يخال بأنه مدافع عن نفسه لاختلال التناسب بين جسامة الاعتداء وفعل الدفاع لكونه تجاوز حدود الدفاع الشرعي.