بدأت السلطات المصرية فرض إجراءات أمنية مشددة في محيط مقر أكاديمية الشرطة، استعداداً لبدء أولى جلسات إعادة محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، إضافة إلى 9 متهمين آخرين، بينهم نجلا الرئيس السابق، علاء وجمال مبارك، في قضية «قتل الثوار»، أثناء أحداث ثورة 25 يناير 2011، واتهامات أخرى بالفساد واستغلال النفوذ، فيما عرفت القضية إعلامياً باسم «محاكمة القرن 2».
وتنظر المحكمة، التي ستعقد جلساتها برئاسة المستشار مصطفى حسن عبدالله، في اتهامات بـ»القتل» و»التحريض على القتل»، يواجهها مبارك والعادلي، إضافة إلى 6 من كبار قيادات وزارة الداخلية السابقين، فيما تنظر باتهامات بـ»الفساد المالي» و»استغلال النفوذ»، موجهة إلى مبارك أيضاً مع نجليه، ورجل الأعمال «الهارب» حسين سالم، بقضية بيع الغاز المصري لإسرائيل بأسعار تفضيلية.
لكن مصير الرجل الذي حكم مصر 30 عاماً لم يعد يستأثر باهتمام المصريين المنشغلين أساساً بالأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وستعاد محاكمة مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مسؤولى وزارة الداخلية السابق وهم جميعاً متهمون بالتورط في القتل والشروع في قتل مئات المتظاهرين السلميين الذين نزلوا إلى الشوارع في القاهرة والإسكندرية والسويس وعدة محافظات أخرى إبان الثورة التي بدأت في 25 يناير 2011 وانتهت بإسقاط الرئيس السابق في 11 فبراير من العام نفسه.
وتعاد محاكمة نجلا مبارك، جمال وعلاء، اللذين كانا رمزاً للسلطة والثروة في عهده لاتهامها بالفساد المالي وهي تهمة موجهة إلى والدهما كذلك.
ويحاكم رجل الأعمال حسين سالم غيابياً لفراره إلى إسبانيا. وستجرى المحاكمة في أكاديمية الشرطة الواقعة في ضاحية التجمع الخامس شرق القاهرة والتي كانت تحمل قبل إسقاطه اسم «أكاديمية مبارك».
وحكمت محكمة جنايات القاهرة على مبارك، في المحاكمة الأولى التي قضت محكمة النقض «أعلى هيئة قضائية» في يناير الماضي بإعادتها، بالسجن المؤبد.
وعاشت مصر لحظة تاريخية عند بدء المحاكمة الأولى لمبارك في أغسطس 2011 إذ كانت المرة الأولى التي يظهر فيها حاكم عربي أطاح به ثورة شعبية خلف القضبان أمام منصة القضاء.
غير أن الأمل الذي أثارته الجلسات الأولى للقضية التي أطلق عليها في مصر «محاكمة القرن» سرعان ما تهاوى. وقال المدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية إن المحاكمة لم تستند إلى تحقيقات وافية ولم تتمكن من إيجاد أدلة تثبت المتورطين في قتل أكثر من 850 مصرياً إبان الثورة.
وطوال محاكمته الأولى، حضر مبارك الجلسات ممدداً على سرير طبي خلف القضبان وهو مشهد يتناقض بشكل صارخ مع صورته كرئيس يستقبل بكل لياقة على الساحة الدولية وكرجل يحكم بقبضة بوليسية قوية في الداخل. ومنذ أن ترك السلطة عانى مبارك، الذي سيتم الـ85 عاماً في مايو المقبل، من عدة مشكلات صحية وفي إحدى المرات أعلنت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية «وفاته سريرياً». ونقل مبارك أخيراً إلى مستشفى عسكري في القاهرة. ورغم أن إعادة محاكمته ستبدأ اليوم إلا أن اسم مبارك لا يرد ذكره في الصحف المصرية أو في قنوات التلفزيون الرسمية والخاضعة إلا بمناسبة تمديد النيابة حبسه احتياطياً في اتهامات جديدة بالفساد.
وقضت محكمة النقض كذلك بإعادة محاكمة كل المتهمين في القضية مع مبارك. وكانت محكمة الجنايات أصدرت كذلك حكماً بالسجن المؤبد على العادلي ولكنها برأت معاونيه الستة ما أثار غضباً وانطلقت تظاهرات تطالب بإعادة المحاكمة.
ووعد الرئيس الحالي محمد مرسي بمحاكمة مسؤولي النظام السابق الذين تورطوا في قتل المتظاهرين. إلا أن مصر تشهد، منذ تولى مرسي الحكم في يونيو الماضي، أزمة سياسية عميقة ومواجهات دامية بين متظاهرين والشرطة وعنفاً طائفياً، إضافة إلى أزمة اقتصادية حادة. وقال إتش إيه هيلر من معهد بروكينغز إن مصر «لن تعير على الأرجح اهتماماً» لهذه القضية الجديدة. وأضاف «هناك احتمال أن يستخدم الحزب الحاكم القضية لصرف الأنظار عن المشكلات التي يواجهها». ورغم أن مصير مبارك لم يعد يعني الكثيرين إلا أن عدم محاكمة أي مسؤول على قتل المتظاهرين خلال أيام الثورة الـ18 مازال يثير الغضب والإحباط.
«فرانس برس - سي إن إن العربية»