يتناول الروائي اللبناني حسن داوود في عمله الأخير «لا طريق إلى الجنة» موضوع الإنسان الذي يفرض عليه دور ولا يلبث أن يكتشف أن هذا الدور -على أهميته- لا ينسجم مع طبيعته الإنسانية ولا مع مشاعره وطموحاته.
وبطل الرواية هنا هو رجل دين من عائلة شكلت سلسلة من رجال الدين منذ القدم جيلاً بعد جيل حتى غدا الأمر تراثاً وتقليداً يجب المحافظة عليه ويصعب الخروج عنه.
وقد تصارع رجل الدين هذا مع مشاعره ورغباته إلى أن وجد أن ما في نفسه من «دعوة» للقيام بالدور المفترض فيه أن يقوم به أضعف من تلك القوى التي تشده للسير في طريق مختلفة.
جاءت الرواية في 320 صفحة من القطع الوسط وصدرت عن دار الساقي في بيروت.
حسن داوود يكتب بهدوء وحرفية معلم متمرس في صنعته ويركز على الأمور الصغيرة البسيطة لينتقل منها إلى ما هو أجل وأعظم.
تبدأ الرواية في مستشفى حل فيه بطلها. وبطل الرواية هذا رجل الدين أظهرت الفحوص الطبية أنه مصاب بسرطان وهو مازال في سن ليست بالكبيرة المتقدمة. أبلغه الطبيب أنه مصاب بسرطان «ليس سريعاً» وأن الحياة ستكتب له بعد عملية جراحية يجب أن تجرى له. كان يهجس بهذا المرض حتى كأنه قد استجلبه واستدعاه ليصيبه. في المستشفى ركز جهده لا على التغلب على خوفه بل على إخفاء هذا الخوف عن الأعين. هو متزوج وله ثلاثة أولاد.. صبيان أبكمان وبنت. وأبوه الذي كان شيخاً شهيراً عاجز يرقد في سريره ويحتاج إلى رعاية دائمة. زوجته ناقمة على حياتها البائسة. وفي نفس البطل ميل شديد إلى أرملة أخيه الذي توفي شاباً. هذا الرجل تتمثل فيه حالتان.. حالة مرض كان يخاف منه وحالة حياة لم يكن يتمناها.
هو شيخ أي رجل دين بعمامته وجبته. إنه أمر اختير له ولم يختره هو. يقول «بعد أن لبست العباءة والعمامة بقيت أشعر أنني مستعير ثياب سواي حتى إنني كنت أستغرب نفسي كيف أنا... أستغرب نفسي حين ينظر إلي أحد على الطريق تلك النظرة التي تسبق وصوله لي وقوله السلام عليكم. يراني أصغر مما يجب علي أن أكون. وهو سيعود ينظر إليّ ملتفتاً نحوي بعد أن يصير ورائي لكي يتحقق مما أستغربه في وليرى مشيتي التي حتى يومي هذا لا أعرف إن كانت مشية رجل يؤم الناس في صلاتهم.
«ذاك أني أنقل رجليّ تنقيلاً فيما أخطو بهما مؤرجحاً يديّ إلى الأمام والخلف فأبدو كما لو أنني مسرور بخفة حركتي. مشيتي هذه لن يغيرها تمريني أمام المرآة في بيتنا ولا قول أبي إنني أمشي كأنني أهم بأن أرقص». كان أبوه قوي الشخصية جباراً ولعل ذلك أثر في شخصية الابن الذي أدرك أنه لن يستطيع أن يكون في قوة الأب وسطوته.
خطب له أبوه فتاة وسافر مع الخطيبة إلى النجف حيث كان يدرس. يقول عنها «وأنا رحت أفكر في أنها ربما كانت مثلي تنتظر أن تتاح لها حياة أخرى. إنها مثل رفيقاتها من البنات تحلم بأن تعيش حياة غير التي عاشتها عند أهلها والتي ستعيشها معي».
كان تفكيره في أرملة أخيه يلهيه عن مرضه. قال له الطبيب إنه سيحتاج إلى العملية الجراحية وإنه سيعيش لكنهم سيستأصلون بعضاً من أعضائه وإن أمامه هذا أو الموت. يقول «وتفضيل الموت على الخسارة لا نشاهده إلا في الأفلام ولا نقرأه إلا في كتب الروايات».
الكاتب يصف بدقة تفاصيل أجواء المستشفى والإعداد للعملية ويصف الآلام التي رافقتها.
بعد العملية عاد إلى قريته وقرر وضع ولديه في مدرسة للصم والبكم. يقول «أفكر في أنهما إن تعلما شيئاً سيريحانني من شعوري بالشفقة عليهما». يضيف «كنت مستعجلاً ذهابهما. في أحيان أرى ذلك يشبه رغبتنا في أن نسرع في إنجاز أمر لابد من حدوثه أو يشبه أن تنفتح قناة كانت الماء عالقة بها».
نشعر بأن معظم علاقات هذه العائلة خاصة من جهة الرجل هي علاقات ميكانيكية آلية.
أما علاقته بأرملة أخيه فكانت تسبب له تصوره لأخيه الراحل وهو ينظر إليه مدركاً ما يجري «أقول له ولكنك مت».
بعد وضع الولدين في مدرسة الصم والبكم عادت إدارة المدرسة فرفضتهما بسبب عنفهما وعدوانيتهما. وما لبث أبوه أن توفي.
أخذ الرجل يتلكأ عن واجباته في الجامع حيث كان الذين يأتون للصلاة قلة في كل حال. في تلك الحقبة وبسبب إهماله وإهمال رجال الدين أمثاله عامة أخذت جماعات من المتدينين الملتحين من غير رجال الدين تحتل الجوامع في القرى وتجذب الناس إليها خاصة من هم صغار السن. كانت أحزابهم ترسلهم كما قال البعض.
مرض ابنه الأكبر وصار يجب أخذه إلى المستشفى كل أسبوعين. الرجل كسول كما تتهمه زوجته وعلاقاته الإنسانية ميكانيكية ويكاد الأمر يكون كذلك حتى مع أولاده.
في النهاية يبلغ صديقه أبا عاطف أنه قرر أن يتبرع للجامع ومحتليه بكتب والده في ما بدا شبه تخل عن تراث أجداده الذي لم يعد ينسجم كثيراً مع الأيام الحاضرة. وأبلغه كذلك أنه قرر خلع الجبة والعمامة والتخلي عن دور رجل الدين والعودة إلى حياة الناس العاديين.
لحسن داوود عدد من الروايات منها «مائة وثمانون غروباً» التي فازت بجائزة المتوسط لعام 2009. وترجمت بعض رواياته إلى عدة لغات.