كتب – هشام الشيخ:
تعصف الخلافات بأعضاء مجلس المحرق البلدي منذ رأى النور بعد انتخابات 2010، ويبدو الشرخ عميقاً فيما بينهم محدثاً صخباً إعلامياً يراه بعض الأعضاء مبالغاً فيه، ويعده صنف ثان دليلاً على حيوية المجلس، بينما يعزوه آخرون إلى أسباب واهية أخرى، ويعتبرونه «نشراً لغسيل المجلس على الملأ»، فيما يظل المواطن المحرقي هو المتضرر، مع استمرار الشكاوى من توقف مشاريع كبرى، واستمرار معاناة كثير من المناطق من تأخر تطوير الطرق، وانتشار البيوت المهجورة والآيلة للسقوط، وندرة مواقف السيارات وسواها من المسائل ذات الأولوية بالنسبة للمواطنين.
ومن اللافت أن التكتلات والخلافات ضربت المجلس حتى قبل أن يعقد أولى جلساته قبل أكثر من عامين، حين ظهر الخلاف على منصب رئيس المجلس ومراسم الإدلاء بالقسم القانوني، ويرى رئيس المجلس عبدالناصر المحميد أن «الخلاف في الرأي بين الأعضاء أمر طبيعي وبعض الأعضاء يثيرون مشاكل شخصية في الصحافة بشكل يدل على التربص بقصد تشويه السمعة، (..) كل واحد يعبر عن رأيه ، ويعتمد رأي الأغلبية»، لكن المواطن أحمد عقاب يتساءل «ألم يحن الأوان ليتفرغ المجلس لخدمة المواطن وللمصلحة العامة بعيداً عن الصراعات، لماذا لا يسعون للمواطن مثل ما يفعلون أيام الانتخابات؟»
وتكررت خلافات الأعضاء في عدة محطات من عمل المجلس أدت أحياناً إلى تعليق الجلسات أو استحواذ بنود تمثل تلك الخلافات على جدول أعمال جلسات كاملة، مثلما حصل في الخلاف الحاد بين الأعضاء على تشكيل اللجان الفرعية وعضوية اللجان، ويعلق على هذه النقطة العضو محمد المطوع قائلاً «أبديت رأيي وقت الخلاف على اللجان، لكن العمل لم يتوقف والكل يحضر الاجتماعات ويشارك، لكن لابد أن يبادر وزير البلديات بدعوة المجلس للنظر في المشاكل القائمة بين الأعضاء والعمل على حلها»، مضيفاً «أوجه دعوة لإخواني الأعضاء أن يتفضلوا في ضيافتي للحديث والحوار خارج المجلس لإزالة أي سوء فهم، لأن خدمة المواطنين شرف يجب التركيز عليه.
وبمتابعة ما يجري في المجلس يتبين أن جوهر المشكلة القائمة الآن هي غياب الثقة وتبادل الاتهامات بين محسوبين على جمعيات سياسية ومن يعدون أنفسهم مستقلين، حيث يقول المستقلون إن أتباع الجمعيات يشكلون تكتلاً يعيق أي مشاريع أو مقترحات تصدر من سواهم مستفيدين من الأغلبية، بينما يتهم المحسوبون على الجمعيات بعض نظرائهم المستقلين بالعمل على إفشال عمل المجلس سعياً لإظهار جمعيات سياسية على أنها فاشلة، ولتصفية حسابات شخصية.
ولعبت ولاتزال الخلافات بين الأعضاء دوراً في عرقلة بعض المشاريع، حتى لو كان الأمر يتم عبر آلية التصويت بالأغلبية، بسبب ما يعتبره مواطنون ضعفاً في توافق الأعضاء على قضايا مهمة، مما يعطي فرصة للجهات التنفيذية باستغلال فرقة كلمة المجلس لوقف بعض المشاريع أو تأجيلها، وفي هذا الشأن يقول المواطن نسيم عبدالرحمن «حال المجلس البلدي في المحرق يبعث على (القهر) وكلما أتى مستثمر لتنفيذ بعض المشاريع الكبرى، يتم رفضه بسبب الصراعات بين الأعضاء، على عكس المجلس السابق حيث تحققت إنجازات كبيرة».
ويؤكد بعض الأعضاء وجود إنجازات حققها المجلس تضاهي سائر المجالس البلدية الأخرى، دون أن تؤثر الخلافات على الاهتمام باحتياجات المواطنين، ويوضح المحميد أن «المشاريع الكبرى التي يتم تكرار الشكوى من تأخر تنفيذها ليس المجلس وراء تأخرها، وأنه بالنظر لتفاصيلها يتبين أن الحقيقة غير ذلك»، حسب رأيه.
لكن هذا الرأي لا يحظى بالإجماع داخل المجلس حيث يوجد اتجاه يرى أن المشكلة غير قابلة للحل، ويقول العضو خالد بوعنق إنه «لا أمل في علاج الخلافات داخل المجلس (..) الجمعيات السياسية هي التي تقود المجلس ودائماً ما يجري رفض مقترحات المستقلين دون دراسة، فقط لأننا من نقدمها، مثلما حصل مع موضوع الترخيص لأبراج الاتصالات حيث رفضه المجلس، ثم صدر عن مجلس الوزراء لاحقاً مما يؤكد أن رأينا كان صواباً».
ويتابع بوعنق قائلاً إن العمل البلدي يجب أن يكون بعيداً عن السياسة بحيث يوجه لمصلحة المواطن الذي انتخب الأعضاء مضيفاً أن «الصراعات وصلت الآن إلى الموظفين، وتوصيات المجلس مثيرة للضحك، ويشهد المجلس جدالاً طويلاً على قضايا هامشية، (..) الآن يحاولون استعطاف الناس لتعديل الوضع من أجل اقتراب الانتخابات»، في حين يرى العضو محمد المطوع أن «الأمور ماشية رغم وجود مشاكل هنا وشكاوى هناك وهو أمر طبيعي (..) الأمور التي يراها البعض تافهة، قد تكون أمراً مهماً تقدم مواطنون بها لحل مشكلة لديهم، وأي موضوع يطرح من قبل الأهالي نعتبره بالغ الأهمية ولابد من مناقشته».
وكانت مصادر صحافية تناقلت خبراً مطلع الشهر الجاري مفاده أن موظفة بالمجلس قدمت بلاغاً إلى النيابة ضد رئيس المجلس وأمين السر تتهمها بالتشهير بها والتشكيك في نزاهتها عبر نشر تصريح صحفي يتضمن ذلك.
ومن البديهي أن لا يهتم المواطنون كثيراً بدهاليز التجاذبات السياسية وآليات العمل الداخلية، حيث إن ما يهمهم بالدرجة الأولى هو تلبية احتياجاتهم من الخدمات، لكنهم بدلاً من ذلك اعتادوا على متابعة أخبار الخلافات الشخصية التي تطفو على السطح بين حين وآخر، بينما يجدون صعوبة في التواصل مع بعض الأعضاء، ويوضح أحمد عقاب أن «بعض الأعضاء لا يهمهم التعرف على آراء المواطنين، بل يمتنعون عن الظهور والتواصل مع المواطنين في مجالسهم، ومثل هذه الممارسات تشوه التجربة الديمقراطية في شقها البلدي».
وفي سياق متصل، يؤكد العضو غازي المرباطي أن من حق عضو المجلس البلدي أن يكون منتمياً لأي جمعية سياسية وهو حق كفله الدستور، ملمحاً إلى أن هناك حرباً تشن ممن يدعي أنه مستقل لكي يروج أن هذه الجعيات فاشلة، (..) العمل البلدي ينبغي ألا يسيس، واختصاصات المجلس البلدي محددة في القانون».
ويضيف: «يجب ألا نغفل أن التجربة وليدة وتحتاج إلى وقت ليتمكن المواطن من اختيار الشخص المناسب، لأن البعض لم يصل إلى مستوى إدراك استخدام فسحة الإعلام المتاحة وحرية التعبير بشكل يليق بالتجربة الديمقراطية».
ومما يدلل على وجود مشكلة حقيقية، مبادرة سمو رئيس الوزراء إلى التدخل شخصياً والاجتماع أكثر من مرة بأعضاء المجلس، وحثهم سموه على الارتقاء بالعمل البلدي لطموح المواطن والالتزام بالمعايير المهنية بعيداً عن التسييس، وبحسب العضو محمد المطوع فإن سمو رئيس الوزراء «حث الأعضاء على تجنب الخوض في مهاترات إعلامية».
وفي هذا السياق، يقول المواطن أسامة الشاعر «أليس هناك تقدير عند الأعضاء لنزول رئيس الوزراء لأهالي المحرق، وتفقده أحوال المواطنين ومشاكلهم بنفسه؟، ألم يكن ينبغي على أعضاء المجلس استغلال الاهتمام الخاص لسمو رئيس الوزراء بالمحرق وأهلها من أجل التسهيل على المواطنين وتلبية احتياجاتهم، والوصول إلى موافقات الوزارات والجهات التنفيذية على المشاريع المعطلة؟».
ويؤكد الشاعر «وجود مناطق عديدة في المحرق تفتقر التطوير فيما يتعلق بالطرق والبيوت القديمة وتخصيص استملاكات لعمل مواقف للسيارات، إضافة إلى المشاريع الكبيرة العالقة مثل حديقة المحرق الكبرى واستكمال تطوير سوق القيصرية».
وأياً كان نصيب المجلس البلدي من المسؤولية عن بطء أو تعطل بعض المشاريع، فإن من الواضح أن هناك خلافات ليست سهلة بين الأعضاء تجاوزت حد الخلاف المقبول في الرأي وبلغت حداً لا يرضي المواطنين، ويبدو أنهم سيستمرون في طرح السؤال نفسه كل مرة: «حتى متى سنظل نسمع عن الصراعات داخل مجلس المحرق البلدي؟».