وفي ما يلي متابعة لبحث الكعبي حول المرأة العربية ونضالها التحرري بمؤلفات مبدعي ومبدعات العرب.
الشراكة مع المؤسسات الثقافية
فيما يتصل بمفهوم السياسة الثقافية كما بينه تقرير اللجنة العالمية للثقافة والتنمية الصادر عام 1997، فإنه ينبغي إيجاد عوامل التجانس التي تجمع المجتمعات المتعددة الأعراق معاً من خلال تشجيع الإبداع في السياسات والحكم والتكنولوجيا والصناعة والتجارة والتعليم، وفي التنمية الاجتماعية والمجتمعية والفنون، ما يعني تبني منظور ثقافي يهتم بمفهوم المرأة واحتياجاتها ويسعى لإعادة توزيع عادل للمصادر والطاقة بين النساء والرجال.
التنمية الثقافية بمعناها المتعارف عليه هي موضوع السياسة الثقافية، أي السياسة المعنية بشريحة محدودة من النشاط الاجتماعي، مثل تشجيع الفنون والحياة الثقافية بما فيها حماية الميراث الثقافي الذي ترصد له الحكومات الميزانيات وتضع من أجله الخطط، والمؤسسات العامة مثل المتاحف والمراكز الثقافية وأكاديميات الفنون، وفي هذا المجال أيضاً يزداد بحث الحكومة عن اشتراك القطاع الخاص والمجتمع المدني.
إذا كنا نسعى إلى مساندة القطاع الثقافي فيما يتصل بالتنمية الثقافية داخل اقتصاد إقليمي وعالمي مفتوح، فهناك حاجة للمزج بين اختصاصات الحكومات والسوق والمجتمع المدني معاً، وهناك حاجة لإعادة توزيع الوظائف بين السلطات القومية والإقليمية والمحلية بهدف تشجيع استجاباتهم بصورة أقوى، فغالباً لا توفر الحكومات مصادر كافية للسلطات المحلية كي تحافظ على أهدافها الخاصة»، وهذا يقتضي اعتماد شراكات فاعلة مثل الاستثمار في الثقافة.
وفيما بتعلق بالسياسات الثقافية المتصلة ببناء استراتيجية ثقافية فاعلة للمرأة العربية، فإنه لابد من اقتران التخطيط للثقافة بالقرار السياسي، أولاً من خلال تحديد دور السلطة الرسمية صاحبة القرار السياسي في تنفيذ خطط التنمية الثقافية للمرأة العربية، كما تقترن هذه الاستراتيجية كذلك بدور المؤسسات الثقافية غير الرسمية «الأهلية والشعبية» في تخطيط وتنفيذ برامج التنمية الثقافية والتواصل الثقافي.
إلى جانب وزارات الثقافة ومجالسها الرسمية التي تعبر عن وجهة النظر الحكومية الرسمية، توجد مؤسسات ثقافية أهلية أسست بجهود بعض المثقفين وعدد من سيدات ورجال الأعمال ممن ينتمون إلى عوائل تجارية كبرى، وبعضهم ينتمي إلى الأسر الحاكمة في المنطقة، على سبيل المثال منتدى عبدالحميد شومان ومؤسسة البابطين ومؤسسة سلطان العويس ومركز جمعة الماجد وجائزة صالح باشراحيل ومؤسسة سعاد الصباح ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة وغيرها.
وخصصت بعض هذه المؤسسات جوائز ثقافية للمبدعين والمبدعات العرب، مثل جائزة عبدالحميد شومان للعلماء والباحثين الشباب، وجائزة البابطين، وجائزة سعاد الصباح، وجائزة سلطان العويس وغيرها.
وجود مثل هذه المراكز الثقافية جنباً إلى جنب مع المؤسسات الثقافية الرسمية العربية بتنوعاته المختلفة من وزارات ثقافة ومجالس للثقافة والفنون والآداب وأندية وروابط أدبية، من شأنه كسر طوق المركزية الرسمية من خلال الشراكات الثقافية والمنافسات بين الرسمي والشعبي. ومن أجل إيجاد وتحقيق استراتيجية ناجعة للمرأة العربية فيما يخص هذا المحور نقترح تحقيق التنسيق بين المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية فيما يتصل بالتنمية الثقافية للمرأة العربية، ويتطلب هذا التنسيق إيجاد استراتيجية ثقافية قائمة على الشراكة الثقافية بين الدولة والمثقفات باختلاف أطيافهن وانتماءاتهن الإيديولوجية، حتى نحقق نوعاً من التوازن والتعددية والتنوع ونبتعد عن الإقصاء وإنتاج أصوات واحدة لا تشي بالاختلاف، أي أن المطلوب من الدولة إشراك الجميع وعدم الانتقاء بخلق الفئوية الضيقة.
وانفتاح المؤسسات الثقافية الرسمية على الشراكات الثقافية في مشاريع خاصة بالمرأة العربية مع بعض المؤسسات الاقتصادية مثل البنوك والمصارف التجارية الكبرى، من خلال تحقيق مبدأ الاستثمار في الثقافة، وهو مبدأ طبقته وزيرة الثقافة البحرينية مي بنت محمد آل خليفة، وأثمر عن وجود بعض المراكز والبيوتات الثقافية في البحرين مثل بيت الشعر «بيت إبراهيم العريض» وبيت عبدالله الزايد وغيرها.
المرأة والإعلام الثقافي
يشمل الإعلام الثقافي الخاص بالمرأة اليوم وسائل متعددة لم تعد قاصرة فقط على الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والملاحق الثقافية في الصحف المكتوبة، فإلى جانب هذه الوسائل الكلاسيكية تتفوق كثير من القنوات الفضائية العربية في جذب المتلقيات من النساء وخاصة مع وجود قنوات خاصة بالمرأة تركز في معظمها على برامج الطبخ والتجميل.
ويشمل الإعلام الثقافي اليوم أيضاً وجود منتديات الحوار الإلكتروني التي تدور بعض موضوعاتها حول المرأة، إلى جانب غلبة أفلام السينما التجارية الرخيصة والمسلسلات المدبلجة المكسيكية والتركية وبرامج تلفزيون الواقع التي تنظر إلى المرأة العربية بوصفها جسداً فقط.
وترسخ هذه الصورة في أذهان المتلقين والمتلقيات فتجعل المرأة العربية وحتى المثقفة تعيد إنتاج هذه الصورة النمطية لا شعورياً، من خلال تقليد النماذج الإعلامية المهيمنة للمرأة الجسد.
أما البرامج الثقافية للمرأة في الإعلام التلفزيوني الرسمي فتتميز بالرتابة والنمطية والتقليدية البحتة، وهي عاجزة عن إنتاج خطاب إعلامي جاذب للمرأة العربية يتبنى قضاياها التنموية الثقافية ويسهم في رفع وعيها المعرفي ، أما الصحافة الثقافية الرسمية وغير الرسمية في الوطن العربي فالغالب عليها أيضاً الرتابة في النمطية والاعتناء بخلق امرأة مثقفة عربية تعنى بالقشور وبالرفاه الاستهلاكي بعيداً عن العناية بإظهار خطابها الفكري العقلاني، ونستثني من هذه الأحكام المذكورة بعض الأقلام الجادة لكاتبات وكتاب عرب عنوا بالتنمية الثقافية المعرفية للمرأة العربية وساهموا في خلق خطاب جديد عنها.
وأنوه في هذا المقام بمؤسسة نور للمرأة العربية في القاهرة التي تشرف عليها الشاعرة اللبنانية جمانة حداد، وتتناول بعض المحظورات في الثقافة العربية الإسلامية والمجتمع العربي المعاصر فيما يتصل بالجسد، في قراءات علمية معمقة، وبمجلة الكاتبة اللندنية المعنية بمناطق الاختلاف بين المذكر والمؤنث، وأصدرت 15 عدداً ثم توقفت، وغيرها من مشاريع ثقافية فكرية خاصة بالنسوية العربية.
وكي نخلق إعلاماً ثقافياً نسوياً عربياً مؤثراً لابد لنا من بناء استراتيجيات إعلامية ثقافية في مؤسسات الإعلام الرسمي لتبني قضية التنمية الثقافية للمرأة العربية، وتقتضي مثل هذه الاستراتيجيات إجراء دراسات مسحية استطلاعية تقيس مدى رضا المتلقيات من النساء عن البرامج الثقافية التي تستهدفهن ومعرفة مطالبهن، ومن ثم تتولى اللجنة الاستشارية التخطيط الاستراتيجي الثقافي للمرأة العربية ببناء استراتيجية إعلامية فاعلة تستهدف الشرائح النسوية جميعها، من خلال سياسات التنوع والتعدد لأنماط مختلفة من النساء، وينبغي في اللجنة الاستشارية المختارة أن تنتخب كي تكون ممثلة عن شرائح النساء العربيات جميعهن وليس عن النخبة المثقفة وحدها.
التركيز في البرامج الثقافية التلفزيونية الخاصة بمؤسسات الإعلام الرسمي العربي على تطوير خطابها الإعلامي الموجه لتثقيف المرأة العربية مضموناً وشكلاً، فما كان من هذه البرامج صالحاً قبل عشرين سنة مضت لم يعد صالحاً اليوم في وجود منافسات محمومة من الفضائيات العربية التجارية والقنوات الأجنبية، ولم تعد البرامج الثقافية الآن صالحة لفرض خطابات القمع والسلطوية لإعادة إنتاجها في معادلة من المكبوت إلى الكابت، وإنما يجب أن تتيح هذه البرامج الثقافية فضاءات من الحريات الثقافية للمرأة العربية المثقفة بعيداً عن أجواء الرقابات والقمع السلطوي.
إنشاء قنوات فضائية ثقافية خاصة بالمرأة العربية تعنى بتشكيلها الثقافي والإبداعي والمعرفي، وتعرف المتلقين في العالم كله بالمبدعة والمثقفة العربية من خلال استعراض سيرتها الفكرية ومتابعة منجزها الثقافي، فمن خلال استعراضي للقنوات الفضائية العربية لم أجد قناة ثقافية واحدة مخصصة فقط للمرأة العربية، وما يوجد في القنوات الفضائية الثقافية تخصيص بعض البرامج الثقافية النمطية تتحدث عن خطاب إعلامي عفا عليه الزمن.
دعم السينما العربية النظيفة التي تقدم واقع المرأة العربية المثقفة دون تنميطها في صور استهلاكية جسدية، وتكريم السينمائيات العربيات اللواتي يقدمن السينما الهادفة.
تشجيع المرأة المثقفة العربية وتحفيزها على التأليف المسرحي، إذ لاتزال حتى الآن نسبة النساء العربيات المشتغلات بالتأليف المسرحي محدودة جداً.
إنشاء ملتقى نسوي عربي نقدي على مستوى الوطن العربي، فلاتزال جهود الناقدات العربيات وخاصة في مجال الدراسات النسوية العربية مشتتة ومبعثرة لا يجمعها ناظم، وإقامة مثل هذا الملتقى من شأنه تنظيم الجهود بإقامة المؤتمرات والفعاليات النقدية وإصدار الدوريات والكتب والإصدارات المتخصصة في الدراسات النقدية النسوية.
أن تعقد المجلات النسائية والملاحق الثقافية العربية ندوة مشتركة لتدارس أفضل السبل في تقديم المثقفة العربية بالصورة اللائقة بها، وإخراجها من الصورة النمطية الرتيبة الموجودة في جل هذه المجلات النسائية والملاحق الثقافية، ويمكن بهذا الخصوص دعم إنشاء مجلات ثقافية نسوية متخصصة وملاحق ثقافية نسوية إلى جانب نشر نتاج المرأة في الملاحق العامة المشتركة مع الرجل.
المرأة في مؤسسات التعليم
تشكل المرأة الأكاديمية العربية نسبة جيدة من الجهاز الأكاديمي في الجامعات العربية المختلفة، قد ترتفع أو تنخفض باختلاف هذه الجامعات. وأثبتت المرأة الأكاديمية العربية حضورها الثقافي الممثل جنباً إلى جنب زميلها الرجل العربي الأكاديمي بوصفها أستاذة جامعية وبوصفها كذلك طالبة بكالوريوس أو دراسات عليا.
الاهتمام بهذه الشريحة النسوية الأكاديمية ثقافياً يقتضي إنشاء رابطة أكاديمية للنساء الأكاديميات العربيات على مستوى الوطن العربي للتباحث في شؤونهن الأكاديمية والثقافية والفكرية، والمطالبة بمساحة لهن من الحريات الفكرية إلى جانب زملائهن من الرجال، وإصدار نتاجهن الفكري الذي تبلوره ملتقياتهن الأكاديمية ثقافية في إصدارات رصينة.
العناية بإبراز المرأة العربية المثقفة في الندوات الثقافية الصادرة عن الأقسام الأكاديمية في الجامعات العربية من خلال حضور المثقفات العربيات واستضافتهن وتعريف جمهور الطلبة والطالبات بنتاجهن.
توجيه وتحفيز طلاب وطالبات الدراسات العليا في الجامعات العربية على دراسة الأدب الإبداعي النسوي العربي بمنهجيات علمية رصينة.
الشراكات الثقافية مع الآخر
نعني بمصطلح الآخر في هذه الورقة أمرين، علاقة المثقفة العربية بالمثقف العربي وعلاقة هذه المرأة بالمؤسسات الثقافية الدولية.
وفي ما يخص الأمر الأول فإن العلائق التاريخية والفكرية العميقة نشأت منذ قرون بين المثقفة العربية والمثقف العربي، وازدادت هذه العلائق متانة وقوة في العصر الحديث وخاصة منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى وقتنا الراهن.
ورغم تفاوت خطاب المثقف العربي المعاصر عن المرأة العربية من خطابات انفعالية لا ترتكز على أي مقوم من مقومات التحليل العلمي إلى خطابات علمانية إلى خطابات توفيقية بين الموروث العربي الإسلامي والمرجعية الفكرية الغربية، إلا أن هذه العلائق تتسم بالتعدد والتنوع في الخطاب، ما يجعل من الصعب اختزال هذا الخطاب في صورة نمطية واحدة للمرأة العربية، أما علاقة المثقفة العربية بالمؤسسات الثقافية الدولية مثل اليونسكو والغربية غير الرسمية فهي بحاجة إلى تفعيل المشاركة لإبراز نمط مشاركة حقيقية فاعلة للمرأة العربية المثقفة.
ولإحداث شراكات ثقافية بين المرأة العربية المثقفة والآخر لابد من تعميق مشاركة المرأة العربية المثقفة مع العربي المثقف في الملتقيات الثقافية والحوارات الفكرية والمؤتمرات النقدية والأدبية لتبادل وجهات النظر في الشراكات الثقافية التي يجب أن تقوم وأن تتعمق بين المرأة والرجل.