بدت النساء الحاضرات بكثافة مهرجاناً للتراث كتلة سوداء متراصة بمحاذاة الرجال بأثوابهم البيضاء في ليل الجنادرية أثناء استعراض فرق سعودية وإماراتية فنونها التي تعكس طابعاً حربياً. وبدا مهرجان التراث في الجنادرية، شمال الرياض، دورته الثامنة والعشرين الأسبوع الماضي بغياب عدد من النشاطات التي طبعته خلال الأعوام الماضية مثل الأوبريت الغنائية ورقصة العرضة التقليدية بالسيوف إثر وفاة أحد أمراء الأسرة المالكة.
وساد هرج مساء الخميس عندما اعترض أحد عناصر الشرطة الدينية على قيام مطربة إماراتية بالغناء في جناح بلادها ما دفع بقوى الأمن المولجة حماية المكان إلى حمله وإخراجه من المكان بين مؤيد ومعارض من الحضور. وأحاطت نسوة ارتدين العبايات وأغطية الوجه السوداء بالجزء الأوسع من حلبة جناح الباحة، محافظة صغيرة في جنوب غرب المملكة، حيث يؤدي حوالي أربعين شاباً «العرضة» الجنوبية وجوهرها الاستعداد للمعركة.
ويقف الشبان بشكل دائري مرتدين أثواباً بيضاء حاملين الجنبيات والسيوف والبنادق ويمتشق خمسة منهم خناجرهم وسيوفهم مارين أمام الجمهور وسرعان ما ينطلق أحدهم بالحداء وفحواه التباهي بقوة فرقته.
وتسيطر أجواء الحرب على رقصة فرقة الباحة الشعبية فحركات المشاركين ملؤها التحدي والكبرياء في حين يلهب شاعران حمى المواجهة أثناء ترديدهما قصائد تمجد الرجال والقوة وسط هتافات النسوة وتشجيعهن والتقاطهن الصور عبر الهاتف المحمول.
ورغم الفارق الزمني الشاسع، أعادت الحاضرات إلى الأذهان، نظراً لحماستهن الفائقة، ما تذكره مرويات الأدب العربي حول مرافقة نساء العرب للرجال إبان المعارك بين القبائل في أزمنة غابرة.
وقال مسؤول الإعلام في جناح الباحة عبدالله الغامدي لفرانس برس إن «هذه الرقصة على وقع الدفوف والطبول والمزمار حصلت على المرتبة الأولى في مهرجان الجنادرية ثلاث مرات وتأمل في الحصول على الرابعة السنة الحالية».
وقالت امرأة ثلاثينية كانت برفقة طفليها وشقيقتها إن «الرقصة ممتعة تعيدنا إلى الأجواء القديمة (...) المهرجان سنوياً ننتظره على أحر من الجمر لكنني لا أستطيع أن أزور كل الأجنحة المشاركة».
وأكدت إحدى النساء والحنة ظاهرة على يديها أنها تأتي من الرياض للمرة الثانية، وقالت «أعجبتني عرضة الباحة كثيراً إنها جنوبية تماماً (...) المهرجان يزداد تطوراً مع الزمن من حيث الأجنحة».
وقال المتحدث الرسمي باسم المهرجان العقيد خالد المقبل لفرانس برس إن «التقارب بين التراث في الفنون والحرف والرقص في محافظات الجنوب مثل نجران وعسير والباحة وجازان ناجم عن الترابط بين القرى والمدن هناك ما يؤدي إلى التشابه».
وأكد أهمية «الحفاظ على الموروث الشعبي لدى جيل الشباب وصغار السن (...) فهم لا يعرفون كيف كانت مسيرة أجدادهم».
وفي جناح دولة الإمارات، زادت حماسة الحضور النسائي الطاغي للمشاركين في «الزرفة»، الرقص بالخيزران والبندقية، من مهارة الراقصين الذين كانوا يتجاوبون معها بشكل ملفت للنظر.
وكانت النسوة يهتفن ويصرخن ويصفقن واقفات حول سياج الحلبة وقد تمايل بعضهن انسجاماً مع الموسيقى والأغاني عندما كان أحد المشاركين يرمي بندقيته عالياً في الفضاء قبل أن يلتقطها ببراعة فائقة أذهلت المشاهدين والنساء خصوصاً. ورغم العاصفة الرملية، واصل الراقصون أداءهم وسط تشجيع من الحضور. وفي جناح الصين، تبرز أعمال التطريز والمنسوجات والخزف والشاي وشرح لطريق الحرير ومعلومات حول المسلمين هناك.
أما جناح القصيم، فكان التركيز فيه على التراث المعماري المجسد عبر أبنية شيدت في المكان، وكذلك على التراث الأدبي مع مجسم لصخرة الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد في الجواء، شمال بريدة، والتراث الحرفي النسائي كالغزل والحياكة، بحسب محمد الحربي مسؤول الإعلام.
وقدمت فرقة القصيم العرضة النجدية الشهيرة.
ورغم الطابع التراثي للمهرجان، تنتشر مطاعم الوجبات السريعة في جنباته كافة.
وتعرض غالبية مناطق المملكة منتجاتها التي تختلف بين ناحية وأخرى.
فتجار المدينة المنورة يبيعون النعناع الذي تشتهر به منطقتهم وتفوح رائحته في المكان في حين يصرخ باعة العسل بزيهم الموحد من الطاقية المذهبة إلى الوزرة الطويلة مؤكدين «تأثيره العجيب» مع الكتابة على إحدى القارورات «للمتزوجين فقط».
ويشارك نحو 300 مدعو من المثقفين والكتاب من مختلف أنحاء العالم في فعاليات المهرجان.
ويتضمن البرنامج الثقافي للمهرجان محاور عدة كما يقام عدد من الأمسيات والقراءات الشعرية في النوادي الأدبية في كل من الرياض والمدينة المنورة والباحة، وفي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض.