شهد حجم التبادل التجاري بين مملكة البحرين ومملكة تايلاند ارتفاعاً بنسبة 87% خلال الفترة من 2009 إلى 2011 ليسجل نحو 435 مليون دولار العام الماضي، وبلغت نسبة النمو الاقتصادي بين الدولتين خلال النصف الأول من العام الماضي 5.5%، ويُشكّل دعم العلاقات والتنسيق المشترك على رأس جدول أعمال زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى إلى تايلاند اليوم. وتحظى العلاقات بين مملكتي البحرين وتايلاند برعاية واهتمام خاصين من كبار قادة البلدين، ويشهد منحنى تطور التعاون المشترك تصاعداً ملحوظاً، سيما عند النظر لحجم الزيارات المتبادلة وكثافة الاتصالات واللقاءات التي عُقدت بين مسؤولي الدولتين خلال الأشهر القليلة الماضية، هذا فضلاً عن المؤشرات الرقمية المتنامية التي تعكس إصراراً على الارتقاء بالعلاقات الثنائية، وبرهاناً على حجم المصالح التي يمكن التعويل عليها والانطلاق منها لتطوير وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين على جميع الأصعدة.
وإذا ما أُضيف إلى ما سبق الزيارة المنتظر أن يقوم بها العاهل المفدى لتايلاند اليوم تؤكد أن هناك نهجاً سياسياً ترعاه القيادة الرشيدة للمضي قدماً في تطوير العلاقات مع أقطاب النمو الصاعد في العالم الجديد، ومنها تايلاند، وخلق شراكات جديدة مع مثل هذه الدول الناشئة لتشمل كل القطاعات، الرسمية منها وغير الرسمية، مما سينعكس بدوره على زيادة التبادل التجاري بينها وبين البحرين، وتكريس التعاون والتنسيق في المواقف السياسية المختلفة، علاوة على تأطير وتنظيم أسس الشراكة بين المملكتين بهدف دفع وتعزيز خطط التنمية المستدامة.
ولا شك أن الزيارة تشكل في ذاتها مناسبة جيدة للتباحث في القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وكيف يمكن توسيع دوائر التعاون في المجالات المختلفة.
تنبع أهمية هذه الزيارة الملكية المرتقبة إلى تايلاند من عدة عوامل: الأول: أنها تجيء في وقت تشهد فيه البحرين العديد من التحركات الدبلوماسية والفعاليات التي تقوم بها القيادة الرشيدة وترعاها الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس الوزراء وبرعاية وتوجيه كريمين من العاهل المفدى، وذلك لتعزيز وضعية البلاد في المحافل المختلفة، ودعم مسارات الشراكة بينها وبين دول العالم، وإيجاد فرص جديدة للحضور والتوسع والتواجد في مناطق النمو الناهض والنفوذ الجديدة في عالم اليوم، خاصة أن الأزمات الهيكلية التي يعاني منها النظام الاقتصادي والمالي العالمي تدفع كل دول العالم، خاصة النامية منها، إلى التعاون والتنسيق المشترك.
ويبدو هذا التحرك الواسع جلياً بالنظر إلى الزيارات والتحركات واللقاءات الدبلوماسية وغيرها التي يقوم بها كبار مسؤولي الدولة لدول كالهند واليابان وألمانيا وفرنسا والصين وتايلاند بالطبع، مما يكشف عن حجم العلاقات التي تربط البحرين بغيرها وشبكة المصالح التي يمكن الاستناد إليها في تطوير وتعزيز مسيرة الإصلاح والتقدم في البحرين.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على مستوى السفراء تعود إلى عام 1977، وقد تم الاحتفال العام الماضي بالذكرى الـ35 لانطلاق هذه العلاقات، فيما تم افتتاح سفارة تايلاند بالمنامة في 15 فبراير 2004، كما تم افتتاح سفارة للبحرين في بانكوك عام 2007، يضاف إلى ذلك أن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى كان قد زار تايلاند قبل نحو عام.
وكذلك فعل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الذي وضع أسساً راسخة للعلاقات ما بين الدولتين، حيث يزور سموه تايلاند بشكل منتظم، وآخرها تلك التي حدثت في سبتمبر ومارس قبل الماضيين، لما يربطها بالبحرين من علاقات تاريخية متميزة، وقام رئيس وزراء تايلاند السابق بزيارة إلى البحرين في مارس 2010، تم خلالها التوقيع على اتفاقية إنشاء مجلس الأعمال المشترك، ومذكرة التفاهم لإنشاء المركز التجاري التايلاندي في البحرين وغيرها من آليات التعاون التي يتم البناء عليها وتطويرها الآن.
كما زارت رئيسة الوزراء التايلاندية البحرين في مايو من العام الماضي في أول زيارة رسمية لها بعد ترؤسها للحكومة، إضافة إلى جملة الزيارات المتبادلة الأخرى لوزراء ورجال أعمال وبرلمانيين (وكان من بين هذه الزيارات زيارة مستشار ملك تايلاند للبحرين في يناير الماضي وتلاها زيارة نائب رئيس البرلمان التايلاندي لمجلس الشورى خلال فبراير ثم زيارة وزير التجارة والصناعة البحريني لتايلاند على رأس وفد تجاري كبير في مارس من نفس العام) بما يؤكد أن البحرين عازمة على توسيع دائرة تحالفاتها بالدول ذات الاقتصاديات الناشئة واستلهام تجاربها لتطوير قطاعاتها الإنتاجية والخدمية المختلفة.
الثاني: فرص التعاون الكبيرة التي يمكن أن تعود على البلدين بالنفع والخير الوفير إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح، خاصة أن زيارة العاهل المفدى والمباحثات التي سيجريها على أكبر مستوى مع المسؤولين في تايلاند سيكون لها أكبر الأثر في ضخ دماء جديدة لشرايين العلاقات بين البلدين، ودفع العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب، ويدعم فرص التعاون المؤكدة هذه أن البحرين تمثل بوابة الخليج العربي وإحدى أكثر النظم الاقتصادية المشجعة للأعمال في المنطقة وقد حققت معدلات نمو مقبولة خلال السنتين الأخيرتين رغم ما مر بها من أحداث.
وكذلك تايلاند باعتبارها نمراً صاعداً من نمور شرق آسيا، وتشهد حركة إقبال وتدفق استثماري كبيرة من دول العالم المتقدمة، كما حققت معدلات نمو اقتصادية جيدة، خاصة لجهة بعض القطاعات المالية والمعرفية والتكنولوجية، وهو ما تسعى إليه البحرين بدورها لتكون هي الأخرى منطقة جذب مالي وعبور للتدفقات الاستثمارية في الشرق الأوسط والخليج ومنطقة جذب للاستثمارات المعرفية الجديدة.
يشار إلى أن كلاً من الدولتين أبديتا استعدادهما في أكثر من مناسبة لتقديم خبراتهما اللازمة للدولة الأخرى في المجالات التي تتمتع فيها بميزة اقتصادية نسبية ولا تتوفر في الدولة الأخرى، كالصيرفة الإسلامية التي ترتكز عليها بعض القطاعات المالية في البحرين ومشروعات الإنتاج الغذائي والعمالة التي تتوفر عليها مملكة تايلاند.
والمعروف حسب تصريحات سابقة لوزير التجارة والصناعة في البحرين أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وتايلاند ارتفع بنسبة 87% خلال الفترة من 2009 إلى 2011 ليسجل نحو 435 مليون دولار العام الماضي، كما إنه وبحسب تصريحات لرئيسة الوزراء في تايلاند فإن نسبة النمو الاقتصادي بين الدولتين خلال النصف الأول من العام الماضي بلغت 5.5%.
الثالث: دعم وتعزيز أطر الشراكة الموجودة بين البلدين والتي أسهم في خلقها عقود من التعاون المشترك وجهود قادة البلدين طوال السنوات الماضية، ولعل ما يثبت ذلك وقوف تايلاند مع البحرين في الأحداث التي م رت بها، والفعاليات المختلفة التي عكست مسعى البلدين للتعاون، وذلك من قبيل: منتدى الاستثمار البحريني التايلاندي الذي استضافته المملكة في مايو 2012 وتوقعت فيه رئيسة وزراء تايلاند بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 300 مليون دولار في النصف الأول من العام المنصرم.
إضافة إلى اتفاقية التفاهم المشتركة المبرمة بين الجانبين والتي تهدف إلى إنشاء صناديق استثمارية وإقامة بنك بحريني متوافق مع الشريعة على اعتبار أن البحرين تقود مشروعات الصيرفة الإسلامية وتعد واحدة من دول العالم العربي الرائدة التي تستضيف كبريات المصارف العاملة في هذا القطاع. وهو ما يضاف إلى حوار التعاون الآسيوي الذي تترأسه وتستضيف البحرين اجتماعه الوزاري الـ12 هذا العام، والذي يمثل وسيلة مهمة للحوار على مستوى القارة وتعول عليه المملكة في تكريس وجودها وحضورها الدبلوماسي العالمي، وهو ما كان قد أكد عليه وزير الخارجية ووزير الدولة للشؤون الخارجية وغيرهم في لقاءات مع دبلوماسيين تايلانديين تمت داخل المملكة وخارجها خلال السنتين الأخيرتين.
ولا يخفى هنا أن لرجال الأعمال والمستثمرين دوراً لا ينكر ليس فقط في الارتقاء بالاقتصادات الوطنية وتعزيز مسيرة تقدمها.
الرابع: التجربة المشتركة التي تجمع البلدين، إذ إن كلتا الدولتين من الاقتصادات الناشئة المهمة، ويعملان من أجل التحول إلى مراكز مالية ونقاط تجمع واستقطاب لاستثمارات الدول المحيطة، كما إنهما بصدد بناء مشروع وطني جديد والانتقال إلى ما بات يعرفه العالم الآن من اقتصاد معرفي تشكل المعلومات وبرمجتها قوامه الرئيس، فضلاً عن التعليم الموجه للإنتاجية والتنافسية والبنية التحتية القائمة على التكنولوجيا والاتصالات.