كتب ـ علي الشرقاوي:
«أعطني مسرحاً أعطيك شعباً راقياً» مقولة تؤكد أهمية المسرح في كل زمان ومكان، باعتبار المسرح أبا الفنون ولا ينحصر دوره في تقديم عرضٍ فني راق فحسب، بل هو مدرسة تربوية اجتماعية تعكس الواقع الإنساني بإيجابياته وسلبياته وتسبر أغواره وتعالج مشكلاته.
هذا ما يؤكده الأوبريت الوطني «عدنان في ربيع» الذي يحمل في سياق أحداثه العديد من الرسائل الوطنية والإنسانية الموجهة إلى الأسرة العربية والإسلامية، ويمكن أن تكون للعالم بأسره إذا صح التعبير، وبهذه المناسبة كان لنا حوار مع كاتب المسرحية ومخرجها علي فردان محمد.
* لماذا اخترت عنوان الأوبريت «عدنان في ربيع»؟.
الاسم الأول يؤكد أصول العروبة، والاسم الثاني يقرأ وضع مستقبل جيلها القادم، حيث امتزج هذان الاسمان مكونين لنا فكرة نص مسرحي ومشروع وطني وثقافي جديد، صاغته وأخرجته ونظمته جمعية البصر والسمع والنطق البحرينية بالتعاون مع جمعية الصداقة للمكفوفين ومركز التأهيل الاجتماعي التابع لوزارة التنمية والمعهد السعودي البحريني للمكفوفين.
عرض الأوبريت الوطني الأربعاء 3 أبريل الحالي على خشبة الصالة الثقافية برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الممثل الشخصي لجلالة الملك المفدى، وبحضور وزير التنمية الاجتماعية د.فاطمة البلوشي وعدد من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي والوفود المشاركة ضمن فعاليات الملتقى العلمي الثالث عشر للجمعية الخليجية للإعاقة، وجمهور غفير من المسرحيين والفنانين والمهتمين من أبناء البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي.
فكرة النص جاءت أساساً من واقع مر تمر به منطقة العالم العربي والإسلامي من خلال رحلة عدنان عبر دول العالم العربي، حينما قال عدنان في حواره «في رحلتي طفت بأرجاء الوطن العربي فوجدت أكثر من (جميل) والضحايا هم الأطفال».
وجميل هنا المقصود به الشر المتخفي بالجمال، ولما عاد إلى وطنه وجد أن ربيع ابنه استسلم إلى شر جميل وأقنعه بالرحيل عن الوطن، وهنا بدأ يشتد الصراع بين الخير والشر في وسط أسرة عدنان الأصيل، فالشر رمى بكل أسلحته من أجل أن يدمر حياة ربيع، إلا أن الخير استخدم سلاحاً واحداً فقط ألا وهو الحلم والعلم والاحتواء، وهذه المعاني كانت ومازالت متمثلة لدينا، ومن ثم تسلسلت أحداث الأوبريت لتبرز دور القائد والمسؤول الأول في حماية الطفولة واحتوائها من الضياع، وذلك تجلى في العرض من خلال القصائد الشعرية ومن ثم إبراز دور الشرطة المجتمعية في التدخل لحل الخلافات بين الجيران والتعريف بدورهم الفعلي تجاه قضايا المجتمع بأسلوب فني علمي راقٍ يصل إلى قلب المتلقي والجمهور مباشرة دون خدش أو لذع.
وبهذه المناسبة أتوجه بالشكر والتقدير إلى مقام صاحب السمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الممثل الشخصي لجلالة الملك على رعايته السامية وسعيه الدؤوب لإنجاح الأوبريت الوطني، وأشكر وزيرة التنمية الاجتماعية وجميع أجهزة الوزارة على دعمهم ومساندتهم لنا في إظهار الأوبريت إلى حيز النور والمشاهدة، وأقولها بصدق إن للطفولة دوماً نصيباً كبيراً في قلب قيادتنا وأجهزة دولتنا ومؤسساتها فعلينا أن نشكر الله على هذه النعمة.
*لم يقتصر إبداعك على تأليف الأوبريت فحسب.. كيف خطوت نحو الإخراج لفئة ذوي الإعاقة رغم أنها تحتاج لوقت وتدريب وامتلاك المهارة؟.
اسمح لي قليلاً أن أذكر أمراً مهماً جداً في الإجابة عن السؤال، لست أول مخرج مسرحي في البحرين تعامل مع فئة ذوي الإعاقة مسرحياً، بل سبقني جمال الصقر وأحمد بوجيري، ويمكن أن أكون أول مخرج بحريني أوقف ذوي الإعاقة أمام الكاميرا السينمائية ومزج بين الفن المسرحي والفن السابع «السينما» في دائرة العرض المسرحي.
خطواتي نحو الإخراج ركزت على عدة عوامل أولها تعريف لغة الإشارة عند هذه الفئة وتدريبهم على أدائها ثم تفعيل الهاجس السمعي والحسي عندهم من خلال حواس السمع والشم واللمس، ثم تدريبهم لمعرفة فيزياء الجسد والتعرف على طبيعة الأجساد وفيزيائياتها.
هذه العوامل ساعدتني في عملية الإخراج بسهولة ودون عناء، بحيث كانت المجموعة المشاركة في تمثيل الأوبريت تملك ذكاءً غير طبيعي، إذ كانوا يملكون سرعة البديهة والفهم، ولم يستغرق إنجاز الأوبريت أكثر من شهر من البروفات والعرض، وهذا إنجاز بحد ذاته يحسب لهذه الفئة المبدعة.
*ألفت وأخرجت أوبريت «عدنان في ربيع»، وسبق لك أن قدمت مسرحية «لعبة الدبابيس» و«العزومة» و«الجوكر» وأوبريت «التوحيد والوحدة هدف لنا» وأوبريت «عدنان 2008 بدولة الإمارات».. فهل كان اختيارك لفئة ذوي الإعاقة نوعاً من الاعتراف بدورهم في المجتمع؟.
في الحقيقة فئة ذوي الإعاقة هي مكون مجتمعي شاءت القدرة الإلهية أن يكونوا ممن ابتلاهم الله ليمتحن إيمانهم وإيمان أمهاتهم وآبائهم، وكذلك الامتحان الإلهي ممتد إلى المجتمع والناس كافة، فاختياري لفئة ذوي الإعاقة هو بحد ذاته امتحان لي ولكل من ساهم في الأوبريت، وبلاشك اختياري لهم كان تأكيداً لوجودهم ودورهم المجتمعي، وعليهم واجب تجاه الوطن وفي المقابل لهم حقوق وطنية لا يمكن تناسيها أو إهمالها.
*ماذا استفدت من تجربتك مع فئة ذوي الإعاقة من خلال أوبريت «عدنان في ربيع»؟.
الشموع المبدعة في البحرين كثر.. وأوبريت «عدنان في ربيع» الذي صاغته وأشعلته نخبة من أبناء الوطن إنجاز رائع.. أقول بصدق ما أروع الإبداع في زمن الإنجازات والتألق.
ولهذا كان إنجاز الأوبريت تكليف وتشريف أسعدني جداً، خاصة أننا نعيش اليوم ونحن نبحث عن التكليف والواجب بصورة ملتزمة وبفكر نافع، ولا ننسى أننا بأمس الحاجة لمعرفة الطريق المستقيم من أجل الحفاظ على المواطنة الحقة.
ما يصبو إليه المشروع الفني والوطني وسط رزمة الإنجازات الوطنية، مزيد من الأوسمة والنياشين الشعبية تطرز هامة القيادة الحكيمة وشعبها في أعراسها الدائمة، وذلك كله كي ندعو ونكرس في مجتمعنا البحريني وخليجنا العربي وعالمنا العربي والإسلامي دور الإنسان المعوق في إطار التعرف على فنوننا الجميلة وتراثنا العريق إلى مزيد من تفعيل مكانة فئة ذوي الإعاقة اجتماعياً وجسدياً ونفسياً وروحياً، ولهذا أتوجه بالتحية والتقدير إلى سواعد عملت معي بصدق وعقول أبدعت ووقفت على خشبة الصالة الثقافية لتعبر عن معاني حبها وخوفها على وطنها.