حذر الشيخ صهيب عبدالرزاق «من الغش والخداع في المعاملات»، مشيراً إلى أن «الإسلام يحرم ذلك بكل صوره، فيما شدد على أن «الغش يغمس فاعله في النار، كما إن الله سبحانه وتعالى يسلط الظالمين والكافرين على المخادعين لعباده». وقال الشيخ عبدالرزاق إن «المتأمل في واقع كثير من الناس يجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم، ومن ذلك، الغش في التجارة والبيع والشراء، والغش في الزواج، والبعض يغش رعيته، ومن الناس من يغش في النصيحة، وهناك آخرون يغشون في الامتحانات والمسابقات وما شابه ذلك».
النصيحة أغلى من المكسب
وأوضح أن «الغش هو تقديم الباطل عن علم في ثوب الحق ويزداد الإثم باليمين الكاذب»، مؤكداً أن «قلة الوازع الديني ونقص الإيمان لدى الشخص المخادع يحجب عن قلبه مراقبة الله تعالى لأقواله وأفعاله».
وأضاف أن «مما يتأكد اجتنابه والتحذير منه وإنكاره الغش والخداع في المعاملات، فإن الإسلام يحرم ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات الإنسان فالمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، وقال أيضاً: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما».
ومر رسول الله برجل يبيع طعاماً فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه فرأى بللاً فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله -أي المطر- فقال: فهلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا»، وفي رواية أنه مر بطعام وقد حسنه صاحبه، فوضع يده فيه فإذا بالطعام رديء فقال: «بع هذا على حدة وهذا على حدة من غشنا فليس منا»، فانظر بماذا حكم على من غش في الطعام، والطعام مادة ينتهي أثرها بسرعة، فكيف بما هو أعظم وأعظم من ذلك، فالإيمان الصحيح الكامل يلزمنا الصدق والإخلاص والتقوى والنصح وفي الحديث الصحيح: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير».
وتابع الشيخ عبدالرزاق «إذا كان الغش وهو تقديم الباطل في ثوب الحق مذموماً في الطعام فكيف بالغش في الوظيفة والعمل والتوجيه والإرشاد وفي جميع شؤون معاملة الإنسان لأخيه، ولهذا كان السلف يفهمون مدى خطورة الغش ويطبقون أحاديث المصطفى فكانوا يبينون ولا يكتمون، ويصدقون ولا يكذبون، وينصحون ولا يغشون، عرفوا بحق قول النبي: «لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم بها داءً أي عيباً إلا أخبر به»، وتزداد حرمة الغش إذا صاحبته اليمين الكاذبة، يحلف وهو كاذب كما قال: «الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة».
وذكر أنه «قد أصبح الغش عند كثير من البائعين إلا من رحم الله ركناً أساسياً يندر أن تجد بائعاً غير غاش، فينبغي للإنسان في هذا الزمان الذي انتشر فيه الغش وعمّ وطمّ وقل فيه الخوف والضرب على أيدي الغشاشين أن يحذر منهم ويتحفظ في المعاملة معهم فإنهم بمثابة السراق، وكثير من البائعين اليوم ممن لا يخافون الله يحاولون إخفاء العيب بوضع لاصق عليه أو يجعلوه في أسفل صندوق البضاعة أو يستعملون مواد كيميائية ونحوها، تظهر بمظهر حسن براق أو يخفون صوت العيب الذي في السلعة في أول الأمر، فإذا عاد المشتري بالسلعة لم يلبث أن تتلف من قريب، وبعضهم يغير تاريخ انتهاء صلاحية السلعة، أو يمنع المشتري من فحص السلعة وتجريبها، والغالب في من يبيعون السيارات والآلات أنهم لا يبينون عيوبها فهذا كله حرام لا يحل فعله».
صور الغش
وقال الشيخ عبدالرزاق إن «المتأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:
- الغش في التجارة والبيع والشراء: وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها، أو خلط الرديء بالجيد، أو غير ذلك من وسائل الغش في البيع.
وهذا النوع من الغش سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: «ولهذه القبائح -أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.
ثانياً: الغش في الزواج: ومن مظاهر الغش فيه أن تكون المرأة دميمة وتخفي ذلك بالمساحيق والألوان فإذا دخل بها الزوج اكتشف دمامتها وعافت نفسه معاشرتها، ولربما انتهى الأمر بالطلاق، ومن ذلك أن يكون بها مرض عضال ولا يخبر أهلها الخاطب بها، وأن يقدم أولياء المرأة إلى الخاطب امرأة أخرى عند الرؤية فإذا دخل وجد أنه دخل بغير التي رآها من قبل، ومن صوره عند الرجال أن يكون الرجل بخيلاً شحيحاً لكنه يتجمل في فترة الخطبة ويكثر النفقة، فإذا دخل بامرأته أمسك وبخل وظهر على حقيقته، وكذلك أن يخفي عمره خلف صبغات الشعر وغيرها، أو أن يكون مصاباً بمرض عضال لو علمت به المرأة قبل الزواج لرفضت الارتباط به، أو أن يوهم أهل الزوجة بغناه من خلال بعض المظاهر كالسيارة الفارهة والبيت الكبير الواسع، وهما -السيارة والبيت- ليسا ملكاً للزوج.
- الغش في النصيحة: فالنصيحة للمسلمين من الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ويكون الغش في النصيحة بعدم بذلها أصلاً، أو بعدم الإخلاص فيها، أو بنصحه بما لا يراه صواباً وصلاحاً.
فالمؤمن مرآة أخيه فيجب أن يخلص له النصح ليسدده ويرشده ويصلحه وينأى به عن سبل الغواية والضلال والفساد.
وقد طبق السلف الصالح رضي الله عنهم ذلك تطبيقاً عملياً راقياً، وروى الطبراني بإسناده أن «جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به صاحبه ليعطيه الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس ناصحاً: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله. فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة ـ وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك فقال: إني قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم».
- الغش في الرعية: عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة».
فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم.
فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل. فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.
وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.
- الغش في الامتحان: وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، وقلة الإيمان، والمراقبة لله تعالى أو انعدامها. قال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من غشنا فليس منا» وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه.
وخلص الشيخ عبدالرزاق إلى أن «هذه بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنه، قال سبحانه: «فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين».