في ديوان الشاعر العراقي صفاء ذياب «ثلج أبيض بضفيرة سوداء» لا تطل الحرب بوجهها التقليدي، وإنما عبر بوابة قصائد تمنحها أبعاداً إنسانية أكثر عمقاً من مجرد إعادة سرد صور يعرفها من شهد حرباً لا تمنح مجالاً للعاطلين.
حرب أصبحت من طول الرفقة والعشرة على مدى 30 عاماً تتخذ من المشاهد المتوالية مسرحاً لاستعراض «مآثرها»، و»تتأنق كل يوم.. الحروب تهب الغنائم للجنود والقاعدين.. فتعطي الجنود موتاً يليق بالبنادق.. والقاعدين مستقبلاً من كراسي الخشب».
ويبدأ الديوان بقصيدة «الحرب.. في طبعتها الأخيرة»، وتقول سطورها الأولى «أنا الرابح الوحيد في هذه الحروب.. كلما دخلت حرباً خرجت منها مدججاً بالأرامل» ثم تستعرض الحرب بخيلاء هباتها.
«فتحت سوقاً لبيع الأيدي والأرجل والأصابع.. وفي خزانتي آلاف الرؤوس.. وعلى أطراف الساحات يتجول رجال يبحثون عن أطرافهم الضائعة.. لقد سرقتها الحرب وأهدتهم مهناً لا يتقنها أحد.. إنها الحرب لم تترك مجالاً للعاطلين».
والديوان هو المجموعة الشعرية الخامسة لذياب المقيم حالياً في النرويج بعد أن درس الماجستير في الأدب العربي في جامعة البصرة وأكمل السنة التحضيرية فيها بتفوق إلا أنه لم يستطع إكمال رسالته لاضطراره للخروج من العراق عام 2008، كما يسجل تعريف به في الصفحة الأخيرة.
وباستثناء القصيدة الأولى «الحرب.. في طبعتها الأخيرة»، وهي الأطول فإن قصائد الديوان تميل إلى القصر ومنها قصيدة «أحلام» ويقول فيها «كل يوم لي أحلام على هذه الأرض.. لكني كلما صحوت.. خانتني الذاكرة».
ولكن الذاكرة لا تخون الشاعر دائماً إذ تذكره الحرب بنفسها - اسماً صريحاً أو مشاهد كابوسية - ولا تمنحه الطمأنينة وهو في قارة أخرى، ففي قصيدة «وجهي» يتلمس ملامحه بدهشة من يرى وجهاً آخر ويكتب هذه المفارقة «لكني أتذكر آخر مرة رأيته فيها كان ندياً وغضاً.. لم تمر عليه سوى ثلاثة حروب.. وحصار وثلج يتساقط.. لماذا إذاً كل هذه الندوب؟ لم تدن منه سوى رشاشتين ومسدس وعدد قليل من القنابل اليدوية.. ولم تنفجر بالقرب من مفرشه سوى خمسين سيارة مفخخة.. ولم تطل عيناه النظر بآلاف الجثث.. فلماذا إذاً كل هذه الندوب؟».
ويبدو أن الذاكرة خؤون فبمرور القصائد تتسرب ذكريات الحرب التي يستبدل بها صمتاً ووحدة وبرودة كما في قصائد «وحيداً في هذا الظلام» و»حياة صامتة» و»ظل واجم» و»امتحان لشتاء قادم» و»ثلج.. ثلج» و»هدوء» و»لا ظل لي» التي يقول فيها «لا ظل لي على هذه الأرض.. فالشمس وارفة جداً في الغياب.. فيما تتكاثر البياضات.. تفترش الشمس سجادتها وتذوب.. تذوب بين الأصابع».
صمم غلاف الديوان سامح خلف وكتبت نصوصه بين عامي 2009 و2012 ويقع في 92 صفحة من القطع المتوسط وأصدرته الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت.