كتب ـ حسين التتان:
في استعادة لروح المكان وتوصيفه، وفي موقع باب البحرين الشاهد التاريخي على حضارة أُسست لتدوم وتبقى، وفي استحضار لتفاصيل العلاقة الحميمة بين الإنسان والحجر، انطلق مهرجان التراث الحادي والعشرين أمس بثيمة «المقاهي الشعبية»، وبرعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.
جلالته أناب نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة ليشهد انطلاقة المهرجان التراثي السنوي المستمر حتى مطلع مايو المقبل، وبحضور وزراء وسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى البحرين والمعنيين بالشأن الثقافي في البحرين وخارجها.
وزارة الثقافة التي سبق أن أسست لقاعدة تراثية بالمكان، عبر متحف بريد البحرين ومقهى الزعفران ومكتب المعلومات السياحية، أرادت عبر إحياء المقاهي الشعبية أن تعيد للموقع عصره الذهبي الأول، عندما كان باب البحرين يختزل حياة البحرينيين، هنا كان الناس يتسوقون ويأكلون ويشربون وينمون علاقاتهم التجارية والاجتماعية على حد سواء، وهنا أيضاً ستعود الحكاية إلى مبتداها لنشهد تفاصيلها قصة قصة.
على أصوات الأنغام البحرينية الفلكلورية، أُعلن عن انطلاقة المهرجان، وموضوعها هذا العام إحياء المقاهي الشعبية في موقع باب البحرين وبعموم البلاد أيضاً، على اعتبار الموقع من أعرق وأثرى مكان تراثي احتضن تاريخ الوطن ورجالاته.
سمو الشيخ محمد بن مبارك دشن انطلاق التظاهرة، وتجول في سوق باب البحرين، تفقد تفاصيل المهرجان التراثي، وما يضمه الباب بين جوانبه من إرث تاريخي عريق شاهد على أصالة البحرين وحداثتها.
وأعرب سمو نائب رئيس الوزراء خلال افتتاح المهرجان عن اعتزازه وبالغ تقديره لجلالة الملك على إنابته له بافتتاح مهرجان التراث السنوي في موسمه الحادي والعشرين والذي تقيمه وزارة الثقافة «وهو الموروث الحضاري والتأصيل للعادات والتقاليد والفنون والآداب التي تناقلها الأبناء عن الأجداد، فأصبحت تشكل عنوان المكان وذاكرة الزمان خاصة فيما يتعلق بالمقاهي الشعبية، وما لها من إسهام في إثراء الحياة السياسية والاجتماعية والتجارية في البحرين وبث روح التآخي بين أبناء الوطن».
وأضاف «هذه المهرجانات الثقافية إضافة إلى ما تتضمنه من فعاليات ثقافية وحضارية متنوعة نسعد ونعتز بها، وإسهامها في تنمية قطاعي السياحة والتجارة، هي تأكيد لاهتمام الحكومة على تشجيع مثل هذه الفعاليات خدمة لمصالح أبناء البحرين من تجار وحرفيين».
وشكر سموه وزيرة الثقافة وكافة العاملين في الوزارة على ما يولونه من اهتمام وما يؤدونه من جهود بهدف إعادة إحياء تراث البحرين، وعقب على استحداث التكنولوجيا في الترويج السياحي «نبارك تدشين التطبيق الإلكتروني للهواتف الذكية لخارطة موقع باب البحرين، هذا المكان الذي يعد معلماً سياحياً ورمزاً في تاريخ البحرين الحديث».
من جهتها شكرت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، جلالة الملك على رعاية المهرجان، وقالت إن جلالته الساهر الأول على التطور الثقافي والإنساني في البحرين والداعم الرئيس لعجلة السياحة في سنة المنامة عاصمة السياحة العربية.
وأعربت عن شكرها لسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الذي أناب عن جلالة الملك في افتتاح مهرجان التراث في سنته الحادية والعشرين. وقالت «الثقافة لا تفقد ذاكرتها أبداً، فهي الذريعة الأجمل لنعيش هويتنا وحقيقة وجودنا وربما ما قد يغيب عنا في سياق الحياة اليومية»، مضيفة «نملك في تراثنا ما ليس أثرياً ولا مكاناً، بل حياة عفوية وسردية معيشية يمكن تحسسها في الموروث غير المادي، والذي لا يمكن نقله بسهولة».
وأردفت «الجميل في مهرجان التراث هذا أنه هذه المرة يذهب إلى المكان ويرصد تلك الحياة ومزاجيتها، يعاين عادات الإنسان البحريني وتقاليده من خلال المقاهي الشعبية، حيث شهدت سيرة الإنسان القديم ونسيجه الحياتي الأصيل».
وأشارت إلى المقاهي الشعبية باعتبارها مصانع ثقافية واجتماعية تؤرخ سيرة المكان وذاكرته، موضحة أن «الغنى الحقيقي في الصناعة الإنسانية التي تكتسب فيها الأمكنة ذاتيتها، وفي مهرجان التراث نذهب إلى هذه الحقيقة وننسج محطات توقفت عندها طفولتنا ربما، وعاش فيها أجدادنا وآباؤنا سيرتهم الإنسانية ومارسوا ثقافاتهم، هذه المقاهي كانت المختبرات الاجتماعية والثقافية، حيث كانت النتاجات الفكرية والمعيشية تحدث».
الجميل في هذا الموسم، أن القهوة تستعيد عاداتها وأصالتها، تتخذ ذات كراسيها، تعود إلى بيئتها وتتربص بالأيدي التي ترفع الأكواب وتحطها على الطاولة.
هذا الانتقاء يسترد الحياة بأجسادٍ أخرى، خاصة أنه لا يبني أو يستنبط بيئة جديدة أو شبيهة، بل يعود إلى ذات المدارج، حيث الأبواب القديمة، الجلسات الشعبية، الملامح بملحها الأبدي الأليف والأروقة المتعرجة بخطوط تشير إلى قدر المدينة لتكون نقية وعتيقة.
هذه التوليفة ما بين قلب المكان ونشاطه الحياتي المعتاد، تستلهم مكونات الثقافة والمعيشة والنمط الإنساني الذي كان يؤرخ لحياته من قلب المقاهي، حيث اللقاءات اليومية العفوية، النقاشات السياسية والمعيشية، مراحل الاكتشافات والدهشة، والتجريد التام للتراث غير المادي، من هذا المكان، يستدرج مهرجان التراث التشكيلات الثقافية والحضارية المتنوعة ويتقاطع مع فكرة أن المقاهي هي سير حياتية بقيت هنا، وحان وقت إيقاظها.
وبالتوازي مع المهرجان دشنت وزارة الثقافة تطبيقاً إلكترونياً للهواتف الذكية، تضمن خارطة موقع باب البحرين وتعريفاً بالمقاهي الشعبية المنتشرة هناك.
قالوا عن التظاهرة
السفير الجزائري لدى البحرين نجيب السنوسي قيم عالياً تراث البحرين، ونوه بالدور الكبير لوزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في إبراز معالم البحرين التراثية والحضارية وقال «لولا جهودها لربما ضاعت الكثير من المعالم التاريخية وطويت صفحتها، الشيخة مي هي من وضعت البحرين على خارطة التراث العالمي».
وأشار السنوسي إلى أن وزيرة الثقافة موجودة على خط البذل والعطاء لأجل البحرين، وهي ـ بدعم من قيادة البلاد ـ استطاعت رفع علم البحرين خفاقاً في العالم.
وأعرب عن أمنياته أن يكون هناك في كل بلد عربي «شيخة مي»، مشيراً إلى أهمية وجود وزراء بحجمها يحيون التراث الضائع ويحفظون ما تبقى منه، وقال «أراهن على نجاح أي مشروع يسند لوزيرة الثقافة البحرينية».
القائم بأعمال السفارة اليمنية في البحرين حامد شيخ حسين، قال إن اهتمام البحرين والشيخة مي تحديداً بالتراث البحريني محل تقدير وإشادة، باعتبار التراث هو الموروث الحقيقي لكل أمة، مؤكداً أنه رأى الكثير من الفعاليات الثقافية الناجحة في البحرين.
وأشار شيخ حسين إلى أن اهتمام البحرين بالتراث لم يكن مجرد حبر على ورق، بل تُرجم إلى واقع حي ملموس، من خلال فعاليات ومهرجانات ناجزة مضيفاً «لا يمكن أن نغض الطرف أبداً عن اهتمام القيادة السياسية والحكومة البحرينية بقضايا إحياء التراث والثقافة، وهذا الاهتمام ليس موسمياً بل ثقافة تأسست وأنجزت».
من جهته أكد السفير الصيني لدى البحرين لي جن «أن ما نراه اليوم في البحرين من فعاليات ومهرجانات يعتبر أمراً غاية في الجمال، فكل بلد يريد أن ينهض، لابد له من إحياء تراثه الذي يمثل وعيه وتاريخه وحضارته، ومن هنا يجب على كل الدول أن تهتم بتراثها، حتى تستطيع التقدم والازدهار، والبحرين تتقدم لأنها اهتمت بتراثها، هذا من أبرز المقومات المهمة لبناء دولة حديثة».