أكد الباحث والمحاضر الأكاديمي في الشؤون الآسيوية د. عبدالله المدني أن ما يردده اليوم رموز النظام الإيراني الحالي من أن النظام الذي صادق على قرار مجلس الأمن بشأن مملكة البحرين، وتخلى عن البحرين، لم يكن نظاماً ممثلاً للشعب الإيراني، ليس سوى لغو وشغب وحماقة واستهتار بالقانون الدولي، لافتاً إلى أنه لو ترك لكل نظام أن يتنصل مما صادق عليه سلفه لشاعت الفوضى في العلاقات الدولية.
وأشار المدني في ندوته «آلية المساعي الحميدة ودورها في تأكيد سيادة البحرين وهويتها العربية» بجمعية المنتدى، إلى أن مجلس الأمن أكد عروبة البحرين بالإجماع في 1970، بعد أن أرسل الأمين العام بعثة لتقصي الحقائق حول رغبات الشعب البحريني وتطلعاته فيما يتعلق بالمستقبل القانوني والسياسي لبلادهم، رفع على إثرها الأمين العام تقرير البعثة وتوصياتها إلى مجلس الأمن الدولي لمناقشتها والتصويت عليها، فكان أن صدق المجلس عليها بالإجماع لتصبح وثيقة دولية معترفاً بها، وليسدل بذلك الستار نهائياً على قضية شائكة ظلت تؤرق شعوب ودول الخليج العربي طويلاً. ولفت المدني إلى استخدام الأمين العام الثالث للأمم المتحدة «يوثانت» العام 1970 لآلية المساعي الحميدة فيما خص حل قضية البحرين في مواجهة الادعاءات الإيرانية بالسيادة على كامل ترابنا، مقدماً عرضاً وافياً لتاريخ هذه الآلية، وكيفية نشأتها، وصورها المختلفة، والجهود التي قام بها الأمناء العامون الأوائل للأمم المتحدة من أجل جعلها عرفاً راسخاً في التعامل الدولي.
ورأى المدني أن العمل الإيراني الأكثر خطورة وحماقة كان في العام 1957، حينما أصدر مجلس الوزراء الإيراني قراراً يقضي بضم البحرين إلى الأقاليم الإيرانية تحت اسم الإقليم الرابع عشر. بعد هذا القرار صارت السلطات الإيرانية تحتجز جوازات السفر البحرينية التابعة للمترددين على إيران لأغراض السياحة أو زيارة الأماكن المقدسة أو الدراسة في الحوزات العلمية أو زيارة الأهل والأقارب في بر فارس العربي، الأمر الذي دفع المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها إلى الشكوى لدى بريطانيا التي قامت بالفعل بالاتصال مع الإيرانيين، لكن جهودها لم تؤد إلا إلى موافقة إيران على إعادة جوازات السفر إلى أصحابها لحظة مغادرتهم الأراضي الإيرانية. في هذه الأثناء كانت الصحافة الإيرانية والقوى الراديكالية القومية والشيوعية داخل إيران تضغط على الحكومة لاتخاذ المزيد من تلك الإجراءات مثل تعيين حاكم إيراني على البحرين وإيجاد تمثيل نيابي لإقليم البحرين داخل مجلسي النواب والشيوخ الإيرانيين.
وأشار المدني أن جيوشياردي (1912-1995) وهو دبلوماسي إيطالي مرموق ومشهود له بالكفاءة والنزاهة والحرفية، وصل إلى البحرين صبيحة يوم 30 مارس 1970 على رأس فريق أممي فني من خمسة أشخاص من الجنسيات الفرنسية والكندية والأردنية والسريلانكية والماليزية، وأنهى مهمته بالمنامة في 18 أبريل 1970، بعد أن جال مع مساعديه بحرية في مدن البحرين وقراها وجزرها، وقابل فعالياتها السياسية والتجارية والثقافية والمهنية، وزار مقار أنديتها وجمعياتها ومؤسساتها المدنية، مسجلاً بأمانة وشفافية وحياد كل ما رأى وسمع. وفي 30 أبريل 1970 قدم تقريراً شاملاً امتاز بالحرفية والمهنية العالية إلى «يوثانت». ومما ذكره في هذا التقرير التاريخي: «إن الأغلبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة عربية مستقلة حرة ذات سيادة تقرر بنفسها شكل علاقاتها مع الدول الأخرى»، و»إنه لم يلاحظ أي تباينات بين المكونين المذهبيين الرئيسيين في البحرين حيال هذه النقطة، فالكل كان متفقاً عليها بما ذلك علماء الطائفتين السنية والشيعية»، و»أن من استطلع آراءهم شكلوا بالفعل نموذجاً متكاملاً لمكونات الشعب البحريني العرقية والدينية والثقافية»، و»إنه لم يلاحظ أي مظاهر احتجاج أو أعمال عنف ضد مهمته خلال إقامته في البحرين». وواصل المدني أنه في 11 مايو 1970 عرض التقرير على جلسة مجلس الأمن الدولي رقم 1536. وفي هذه الجلسة التي تميزت بحضور كافة الأعضاء (الدائمين وغير الدائمين) وتصويتهم دون أي يمتنع أحدهم عن التصويت، وعدم طلب أي عضو الحديث قبل عملية التصويت، وحضور إسبانيا وباكستان واليمن الجنوبي بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة كدول مراقبة لا يحق لها التصويت.. في هذا الاجتماع المميز أقر أعضاء المجلس بالإجماع ما جاء في تقرير جيوشياردي، وأصدروا وفقه القرار رقم 278 ليصبح ذلك القرار وثيقة دولية حاسمة وقاطعة بعروبة البحرين وسيادتها.
وذكر المدني أن حكومة الشاه محمد رضا بهلوي بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 278 بالإجماع في مجلس الأمن، لم تجد مفراً من القبول به، فأرسلته للمصادقة إلى جمعيتها الوطنية (مجلس شوراي ملي) ومجلس شيوخها (مجلس سينا)، وهو ما تم بالفعل في 14 و18 من مايو 1970 على التوالي. واستطرد المدني بعد ذلك موضحاً أن مندوبي بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن (مثل الاتحاد السوفيتي والدول السائرة في ركابه كبولندا) وبعض الدول التي حضرت كمراقب (مثل اليمن الجنوبي وباكستان وإسبانيا) ألقوا خطباً بعد صدور القرار الأممي، أبدوا فيها بعض التحفظات، ليس على مضمون القرار، وإنما على طرق الإجراءات، الأمر الذي تصدى له يوثانت وفنده.
وبين المدني أن ما قام به المندوب السوفيتي وزميلاه البولندي واليمني الجنوبي يمكن وضعه في خانة المشاغبة والعبث ومحاولة تسجيل النقاط ضد الغرب في ظل ما كان قائماً وقتذاك من حرب باردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، خصوصاً وأن معظم الأطراف المعنية بمسألة البحرين كانت تقف مع المعسكر المعادي لموسكو، ولا تربطها بالأخيرة علاقات دبلوماسية، مرجعاً أسباب تحفظات باكستان وإسبانيا إلى تخوفهما من أن تشكل الطريقة التي حلت بها قضية البحرين سابقة يمكن استخدامها في حل قضايا تعنيهما مثل قضية كشمير بالنسبة لباكستان، وقضية جبل طارق بالنسبة لإسبانيا.