قال الشيخ خالد السعدون إن «الطائفية سبب رئيس في زوال نعمة الله على عباده»، موضحاً أن «زوال النعمة إما بترك أمر الله، أو بفعل نهيه، أو قد نوفق لامتثال الأمر واجتناب النهي، لكن يصيبنا داء التفرق، وهذا من سوء المنهج».
وأكد أنه «لا خير في عبادة تقوم على التفرق والتشرذم والطائفية»، مشيراً إلى أن «الطائفية مأخوذة من الطائفة، والطائفة جماعةٌ من الناس يجمعهم مذهب فقهي أو عقديٌ أو رأي واحد، فالطائفة إذا تطلق على الواحد فما فوقه، فمن انتسب لجماعة، أو طائفة، أو مدرسة، أو قبيلة، أو بلدة، أو إلى مدرسة فقهية، فهو ينسب إليها، وإن تعصب لها بالحق والباطل صار طائفياً، وخرج عن وسطية ونور الإسلام، إلى جور وظلمة البدعة والتفرق».
وأضاف أنه «يجب على المسلمين الاقتداء بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الحق تبارك وتعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، مضيفاً أنه «يجب علينا أن نحمد الله أن جعلنا مسلمين، من أمة الإسلام خير الأمم، بل ولا يقبل من أحد دين إلا الإسلام، يقول الله عزوجل في كتابه الكريم «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين».
وتابع الشيخ السعدون «ثم لك الحمد ربنا، حمداً دائماً لا يزول ولا يفنى، أن أكملت دينك، وأتممت نعمتك، يقول الله تعالى «اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً».
وقال «فلما كان الدين كاملاً، فهو قطعاً يتضمن منهج الصلاح والإصلاح، ذلكم بأنه لا يعقل أن يشرع ديننا آداب دخول الخلاء، ثم يمسك عن منهج الاجتماع والاتباع؟! وسبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ!! ومن ثم فمن الجهل أن يقال: نهى الله عن التفرق، ولكن لا يمكن أن تحل الخلافات بين المسلمين والنزاعات! فهذا فاسدٌ من القول! وهي دعوى بأن الشرع حذر من الداء، ولكنه عجز عن وصف الدواء!! فلو وقع هذا الداء –وقد وقع- فالعيب فينا لا فيما ندين، فديننا خير الأديان، بل لا دين إلا بما ندين، فله الحمد أن شرفنا بدين كامل متين».
وشدد الشيخ السعدون على أن «كمال الدين يستلزم كفايته وغنيته عما سواه، وكذا يقتضي إحكامه وإتقانه، فله الحمد تارةً أخرى، حمداً كثيراً لا يحصى ولا يقضى، بأن كان ربنا واحداً، وإلا فلو لم يكن الإله واحداً، فو الله لشق علينا الحال، وأظلم المصير والمآل، بل لا تستقيم الحياة طرفة عين: «أم اتخذوا آلهةً من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون»، ولكان مثلنا كما قال الحق سبحانه وتعالى: «ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون». فهذا مثل ضربه الله للمشرك، والثاني مثلاً للموحد».
وتابع الشيخ السعدون «الله له الحمد كله أن أنزل القرآن بلساننا لا بلسان قوم آخرين: «قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون». وقال سبحانه وتعالى: «ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجميٌ وعربيٌ». ولكن جمال هذا الدين، ونعمة الله به علينا قد تضيع، فيستبدل الله بنا أقواماً آخرين: «وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم». فلا ثبات للنعمة فضلاً عن زيادتها إلا أن تكون من الشاكرين، «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد».
زوال النعمة
وذكر الشيخ السعدون أن «تحويل النعمة وزوالها له أسبابٌ، قد يكون من أعظمها، أو ينحصر بثلاث دون غيرها:
وذلك إما بترك أمر الله، أو بفعل نهيه، أو قد نوفق لامتثال الأمر واجتناب النهي، لكن يصيبنا داء التفرق، وهذا من سوء المنهج»، قال تعالى: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم». فبعد إذ امتن علينا ربنا الأحد الصمد الكريم، بدين واحد، والسير فيه لا يكون إلا على منهج قويم مستقيم، وشرفنا فجعل نبينا خير المرسلين، وكتابه الخاتم لكل كتب العالمين، فبعد هذا كله بدلنا وتفرقنا وتنازعنا في الأمر، من بعد الكمال والتمام، فصرنا طرائق قدداً، فصار حالنا كحال أولئك الجاحدين، فالكتاب الواحد تقطعناه بيننا زبراً، كل فريق بما لديهم فرحون: «وإن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون»».
أخطار التفرق
وتحدث الشيخ السعدون عن أخطار التفرق والتشرذم والطائفية موضحاً أنها:
1 - سبب الفشل والضعف: قال الحق سبحانه: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». فالتنازع سبب الفشل والضعف، وهذا هو الذي صيرنا اليوم عبيداً للأمم، بعد إذ سدناهم قروناً وقروناً.
2 - سبب جحود النعمة والبغضاء والنار: قال الملك الحق: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون».
أصول الطائفية
وأوضح الشيخ السعدون أنه «لما كان أمر التفرق والطائفية خطيراً تعيساً مشؤوماً، فلابد من أن نؤسس لها لنعرف واقعها وحكمها، وكيف الخلاص منها، على النحو التالي:
أولاً: «ليست العبرة بالأسماء، وإنما بالمسميات»: وهذا ليس تهويناً لشر كثرة أسماء الفرق والجماعات، فضلاً عن الطوائف والديانات، الذي تكثر معه وبه المسميات، فكلما تعددت وتنوعت الأسماء نأينا وتجافينا عن ذلك الاسم الجامع النافع الذي سمانا به الله، وهو العليم الخبير: «وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير».
ففي هذه الآية أن من سمانا المسلمين هو رب العزة سبحانه وتعالى، ثم أتبع تلك التسمية بما يترتب على التسمي بها وقبولها، فقال: «فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» وهذا أمرٌ بالعبادات وأهمها بعد التوحيد، ولكن كيف يكون حال أولئك العابدين؟ يكون كما أرادهم الله فأمرهم متبعاً ما تقدم فقال: «واعتصموا بالله» فلا خير في عبادة مع التفرق، أو يتأتى منها التفرق. وروى أحمد حديثاً صحيحاً طويلاً، وفيه: «ومن دعا بدعوى الجاهلية، فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صام، وإن صلى؟ قال: وإن صام، وإن صلى، وزعم أنه مسلمٌ، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل».
ثانياً: «من دخل الإسلام بلسانه فليس لأحد أن يخرجه منه إلا بيقين»: ذلكم بأنه ليس لنا من الناس إلا الظاهر، ونكل إلى الله ما أبطنوه من السرائر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة».
فبمجرد ما ينطق الكافر الشهادتين بلسانه حرم ماله ودمه بل وعرضه إلا بحق الإسلام، وحسابه على الله، فهذا في الكافر، فكيف بمسلم من أبوين مسلمين يحبون الله ورسوله أكثر من أنفسهم؟! مع التنبيه على أن كثيراً من المسلمين انحرفوا في اعتقاداتهم، بل وتوحيدهم، لكن قد يعذر كثيرٌ من أولاء الجاهلين إن لم يكونوا مقصرين ولا مفرطين.
ثالثاً: «لا يمكن القضاء على التفرق والتنازع في كون الله وخلقه»: فهذا أمر خطيرٌ ولابد من اعتقاده، والعمل على أساسه! ذلك بأنه من سنن الله الكونية فلابد من وقوعه، قال الحق تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين».
وقوله تعالى هذا يقضي على المقولة الفاسدة أن الاختلاف أو الخلاف رحمةٌ، بل الرحمة في الاجتماع والاتفاق، وأما الضد فهو من العذاب، إذ إنه تعالى استثنى المرحومين من المختلفين فقال: «ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك»، فعلم من هذا أن المرحومين هم المجتمعون المتفقون، وما سواهم فهم المختلفون، ولعلهم معذبون.
رابعاً: «لما كان الاختلاف أمراً كونياً فلابد من وقوعه، فهناك طرق لتهوينه إن لم يمكن دفعه كله، ويكون القضاء على التشرذم والتفرق بالمنهج الذي به النجاة والفلاح كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً». فالله سبحانه الذي خلقنا حكمةً لا عبثاً، لم يتركنا هملاً، فبين أن الناجين الموفقين هم من إذا اختلفوا لكتاب ربهم رجعوا، فلو استقام الناس على هذا لما اختلفوا، ولو اختلفوا وللقرآن رجعوا، لكان خلافهم من السهولة والمودة بمكان، وليس للتبديع والتكفير فيه سلطان.