كتبت - عايدة البلوشي:
كشفت وزيرة التنمية الاجتماعية د.فاطمة البلوشي، أن لغة الإشارة في البحرين ستختفي بغضون سنوات، بعد اعتماد وزارة الصحة برنامجاً مطوراً لزراعة القوقعات، وزيادة قابلية الأصم للسمع دون الحاجة للغة الإشارة كأسلوب للتخاطب والتواصل الاجتماعي.
وقالت البلوشي لدى افتتاحها الملتقى الخليجي الرابع للصم في نادي الخريجين أمس «بعد سنوات طويلة من استخدام لغة الإشارة في التواصل والتخاطب مع الصم في كافة نواحي حياتهم التأهيلية والأكاديمية والمهنية والاجتماعية، فإن لغة الإشارة وخلال سنوات قليلة ستختفي عند الجيل الجديد في البحرين، باعتماد برنامج مطور لزراعة القوقعة في وزارة الصحة لجميع فئة الصم منذ الولادة، وقبولهم من سن 3 سنوات في مركز شيخان الفارسي للتخاطب الشامل التابع لوزارة التنمية الاجتماعية».
وأضافت أن الوزارة تطبق خطة تأهيل للفئة المعنية في مجال التدخل المبكر والتدريب على المهارات السمعية واللفظية والكتابية ومهارات التكيف الاجتماعي المصاحبة، وتهيئتهم للدمج في المدارس الحكومية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، لافتة إلى أن الوزارة تعمل على دمج الطلبة الخريجين من المراحل الإعدادية والثانوية ودبلوم معهد البحرين للتدريب، بعد بروز مجموعة مميزة حققت التفوق خلال دراستها الثانوية وتسعى الوزارة لدعمهم لمواصلة دراستهم الجامعية. ونبهت البلوشي إلى أن مركز خدمات ذوي الإعاقة «لست وحدك» يعمل جاهداً على توفير فرص العمل والتدريب لفئة الصم بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، ويوفر خدمة التدريب من خلال خطة برنامج التمكين الوظيفي والدورات التدريبية للمسجلين الباحثين عن عمل من ذوي الإعاقة.
وأعلنت الوزيرة انطلاقة أولى الخطوات العملية نحو تنفيذ الخطة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المعدة بالتعاون مع اللجنة العليا لرعاية شؤون المعوقين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين، لافتة إلى أن الوزارة تتابع تنفيذ خطط العمل الهادفة إلى الارتقاء بكافة الخدمات المقدمة لفئة ذوي الإعاقة، بعد أن حظيت الاتفاقية الدولية ذات الصلة بمصادقة جلالة الملك وموافقة مجلسي الشورى والنواب في سبتمبر 2011 وموافقة رئيس مجلس الوزراء، باعتبارها أول اتفاقية لحقوق ذوي الإعاقة في القرن الحادي والعشرين وأول صك ملزم قانوناً يوفر الحماية الشاملة للمعوقين، ويكفل لهم حق الحصول على الخدمات كبقية أفراد المجتمع.
وداعاً للإعاقة السمعية
وقال د.أحمد جمال إن مجمع السلمانية الطبي زرع 128 قوقعة لإعادة السمع والنطق حتى الآن، لافتاً إلى أن العمليات جميعها لم تنطوِ على مضاعفات جراحية.
وأضاف في محاضرته لدى افتتاح الملتقى، أن عمليات زراعة القوقعة الإلكترونية أجريت في أذن واحدة لكل طفل، وفرتها وزارة الصحة مجاناً مقابل عدد قليل من الأجهزة تبرعت بها بعض المؤسسات المحلية، وتراوحت قيمة الأجهزة ما بين 8-15 ألف دينار بحريني عدا كلفة الفحوص الطبية السمعية والإشعاعية والمقطعية والرنين المغناطيسي وغرف العمليات، منبهاً إلى أن العمليات أجريت على أيدي جراحي الأذن والأنف والحنجرة البحرينيين.
ولفت إلى أن عام 2010 شهد دراسة 70 حالة أجريت لها عمليات زراعة قوقعة تتراوح أعمارهم بين 11 شهراً و39 سنة، وأكثر من نصفهم 51.4 % تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وجميعهم يعانون اعتلالاً سمعياً بدرجة تفوق 90 ديسيبل، ومعظمها يعود لأسباب وراثية بنسبة 64.3% ثم العامل الولادي 27.1% والتهاب السحايا 2.9% ونسبة 1.4% لعوامل نقص الأكسجين عند الولادة والفشل الكلوي.
وأشار إلى أن المرضى تحسنت حالتهم من مستوى أعلى من 90 ديسيبل إلى 40 ديسيبل بنسبة 98.6%، أغلبهم 78.6% بدرجة 15 إلى 30 ديسيبل و20% بدرجة 31-40 ديسيبل وحالة واحدة بدرجة 50 ديسيبل.
ومن ناحية النطق لمن خضعوا لعمليات الزراعة قال جمال «اكتسب الأطفال من عمر 5 سنوات أو أقل، النطق إلى حدود قريبة من الطبيعية بنسبة 91.6%، مقابل اكتساب النطق لمجموع الحالات 77.1%، وارتبط 70% من الأطفال بالمدارس العادية بعد التأهيل الأولي في مركز شيخان الفارسي ومركز الأمير سلطان».
الدمج التربوي للأصم
وقدم د.فؤاد شهاب خلال الملتقى ورقة بعنوان «دور الأسرة في الدمج التربوي والاجتماعي للأطفال المعوقين سمعياً»، أكد فيها أن «امتلاك الحواس بديهة لا تطرح في الحياة، وانتظار الوالدين لولادة طفل سليم بكامل حواسه شعور طبيعي، فالجميع يبني لأبنائه طموحات كبيرة وأحلام وتوقعات عالية، لبناء مستقبل يتصوره الأهل دوماً بأنه باهر ومضيء ومليء بالنجاحات، إلا أن هذه الأحلام والتوقعات تنهار وتتبدد مع ميلاد الطفل واكتشاف إعاقته السمعية مثلاً».
وأضاف «نجد أنفسنا ولأول مرة نفكر في الحواس وأهميتها للإنسان، ونحن وإن كنا نحيا بالحواس فإننا نجهل كل شيء عنها، ومن هنا تبدأ المشكلة، لدينا طفل يفتقد حاسة من الحواس نجهل كوالدين عاديين كل شيء عنها.. ولم نكن نفكر حتى بوجودها، وأعتقد أن الجهل بالحواس هو الذي يخلق المشكلة الحقيقية تجاه أية إعاقة تصيب الطفل».
ويسأل شهاب «كيف تكون ردود أفعال الأهل تجاه تشخيص حالة طفلهم؟».
ويقول إن والدي الطفل بشر كغيرهم، وهم يتأثرون بسماع نتيجة التشخيص خاصة إذا كانت سلبية.. إلا أن درجة التأثر تختلف من أسرة لأخرى.. وتبقى الحقيقة الكبرى، وهي أنه رغم اختلاف درجة التأثر بين الأسر نلاحظ أن الكل يصاب بصدمة.. هذه الصدمة يقول عنها علماء النفس إنها «نتيجة طبيعية لتشخيص أثبت أن حلمهم الذي بنوه طوال أشهر عديدة وربما سنوات انهار فجأة».
ونقل عن أحد علماء النفس اعتباره سماع الأهل لنبأ فقدان ابنهم أو ابنتهم حاسة السمع بمنزلة سماعهم نبأ وفاته «لأن هذا الخبر يعني موت كل الأحلام.. نهاية حلم عن طفل طال انتظاره، لكنه لم يخرج إلى الوجود.. هذه الحسرة والمرارة تعيشها تقريباً كل أسرة ولد لها طفل معوق سمعياً، لكن الاختلاف بين الأسر يكمن في درجة التأثر بالخبر وفي مدة تجاوز الصدمة».
ولفت إلى الصدمة والمرارة تتطلب تغييراً شاملاً وجذرياً في طبيعة التعامل مع الطفل مضيفاً «بفضل اختراع أجهزة علمية متطورة أصبح بالإمكان تشخيص الإعاقة السمعية لدى الأطفال في أشهرهم الأولى.. ومن ثم فالتشخيص المبكر وإن كان يئد الحلم في بدايته إلا أنه يلقي بالمسؤولية مبكراً على الوالدين للتعامل مع إعاقة طفلهم واتباع أو ابتكار الطريقة المناسبة لذلك، وهذا ذو فائدة عظيمة وكبيرة للأهل والطفل في آن واحد، لأن الاكتشاف المبكر يخفف حدة الصدمة على الأهل، لأنك إذا عشت حلماً لمدة شهرين، ثم يموت هذا الحلم فإن تجاوزك للصدمة يكون أخف وأسرع من أن تعيش الحلم لسنتين وثلاث ثم تفاجأ بموت الحلم».
وتطرق شهاب إلى دور الوالدين في دمج المعوق سمعياً اجتماعياً وتربوياً، عبر التقبل (لمقابلة حاجة الطفل إلى تأكيد الذات)، والخلط بين مفهوم الإعاقة السمعية والصم والبكم، وإظهار مشاعر الحب للطفل المعوق سمعياً (لمقابلة حاجة الطفل إلى الأمن)، ودور الأهل في تعليم الطفل اللغة (لمقابلة حاجة الطفل إلى التواصل).
وأوجز شهاب مشكلات أهالي الأطفال المعوقين سمعياً في أنهم يتعودون على الوضع ويتقبلونه، بمعنى أنهم يسعدون بانتهائهم النسبي من الحزن والأسى لإنجاب طفل معوق سمعياً، وهم ليس لهم الحق في أن يسعدوا بذلك، لأن التعود هنا قائم على خطأين كبيرين، ويؤدي كل خطأ منهما إلى الإضرار بالابن المعوق، فالحزن والأسى ينتقل إلى الطفل، أما سعادتهم بانتهائهم منه وقبولهم للوضع فإنه سجن من الصمت يئدون فيه طفلهم.
المعوقون المبدعون
وفي الجلسة الثالثة للملتقى تحدث د.أحمد سعد في محور «تنمية الموهبة والإبداع عند الصم»، أكد خلالها أن التفوق والموهبة والإبداع مصطلحات تدل على قدرات عقلية وطاقات فكرية خلاقة تشكل أهم موارد الأمم والشعوب، عاداً الاهتمام بتنمية هذه الموارد البشرية ورعايتها قضية وطنية مهمة.
وقال «تواجه مدارسنا بمناهجها وإمكاناتها وبرامجها الحالية مشكلات تتعلق باكتشاف الموهبة وتوجيهها وتنميتها ورعايتها والخبرات التربوية الواجب تقديمها للموهوب وتلبية احتياجاته العقلية والاجتماعية والانفعالية، وتم تحديد أساليب الكشف عن المتفوق في خمسة أساليب بدءاً باختبارات تحصيلية يعدها المعلم، واختبارات الذكاء المقننة، واختبارات الإبداع والقيادة والاختبارات الأدائية والنفس حركية، وأخيراً قوائم صفات السلوك المتفوق لتقرير الأساليب المناسبة لتحديد الطالب المتفوق».
من جانبه قال نائب رئيس الجمعية البحرينية للصم راضي العلي، إن الجمعية نفذت مجموعة من البرامج لتنمية مواهب الصم، شملت الدورات التدريبية في التصوير والخزف والرسم على الزجاج وتعليم الكتابة والقراءة وبرامج الحاسب الآلي.
وأعرب عن أمله أن تتلاقى الأفكار من خلال الملتقى لرسم خطط مميزة تمكن الأصم من أن يكون شريكاً ناجحاً في صنع القرار، والمشاركة الفاعلة التي تضمن له الحصول على حقوقه كاملة.
وافتتح على هامش الملتقى معرض تضمن أعمال فئة ذوي الإعاقة، وعرض فيلم عن جمعية الصم وأبرز فعالياتها وأنشطتها وبرامجها المقدمة لفئة المعوقين سمعياً.