تؤكد واشنطن بين فترة وأخرى على التزامها العسكري تجاه حلفائها في دول الخليج العربية، بينما تشهد فيه شراكتهما التي بدأت قبل عشرات السنين توتراً غير معتاد. وأدى الصراع في سوريا والبرنامج النووي الإيراني إلى توترات وتريد دول الخليج العربية رداً جازماً بشكل أكبر من الولايات المتحدة لوقف البرنامج الإيراني وإرغام الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي. وأدت زيادة استقلال الولايات المتحدة في مجال النفط إلى زيادة تعقيد العلاقة التي تأسست على النفط والدفاع. وتتحرك واشنطن للقضاء على أية شكوك تتعلق بالعلاقات الوثيقة مع دول مجلس التعاون مشيرة إلى أن شراكتها العسكرية مع دول الخليج التي تسيطر على ثلث احتياطي العالم النفطي ستظل راسخة حتى إذا جرى تقليصها بخفض الميزانية في الولايات المتحدة. وقال مسؤول كبير رافق وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل في جولته في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي «لن تذهب الولايات المتحدة لأي مكان. إنها ملتزمة تماماً بأمن كل شركائنا الإقليميين، نتفهم بشكل واضح التهديدات في المنطقة».
وبدأ هيغل جولة دامت أسبوعاً بعد أن قالت وزارة الدفاع «البنتاغون» إنها تضع اللمسات النهائية على اتفاق أسلحة حجمه 10 مليارات دولار ستعزز من جيشي السعودية والإمارات العربية المتحدة. وسيؤدي الاتفاق الذي تجري مناقشته منذ أكثر من عام إلى بيع 25 طائرة من طراز «إف 16» ديزرت فالكون قيمتها نحو 5 مليارات دولار للإمارات. وستتمكن الإمارات والسعودية أيضاً من شراء أسلحة تتمتع بما يسمى بإمكانات «مواجهة» تمكنهما من الاشتباك مع العدو بدقة ومن على بعد. وقبل أيام من الجولة استقبل الرئيس باراك أوباما ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في البيت الأبيض. وفي بيان مشترك أكدا التزاماً مشتركاً «بالتعاون الدفاعي والأمني الوثيق بما في ذلك تدريبات عسكرية مشتركة وتعاون في مناهضة الإرهاب ونشر أنظمة دفاع أمريكية قابلة للتشغيل المتبادل.
والاتفاق وحفاوة استقبال الولايات المتحدة للشيخ محمد هما أحدث إشارات ترسلها واشنطن للمنطقة بشأن تصميمها القوي على دعم الأسر الحاكمة في دول الخليج العربية حلفائها في مواجهتها مع إيران.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة إنها تتوقع أن يستمر تراجع واردات النفط الأمريكية مع تحول أمريكا الشمالية إلى مصدر صاف للنفط بحلول 2030 تقريباً ومع تحول الولايات المتحدة إلى شبه اكتفاء ذاتي في الطاقة بحلول 2035.
وتشعر بعض دول الخليج العربية بالقلق من احتمال أن يؤدي الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة في مجال النفط إلى جعلها أقل التزاماً بتأمين مضيق هرمز الذي تمر به 40% من صادرات النفط العالمية التي تنقل بحراً. وقال مسؤول أمريكي مقره في الشرق الأوسط إنه»من المرجح أن يظل تأمين الطاقة العالمية جزءاً مهماً من الاستراتيجية الأمريكية». وأضاف أنه بالرغم من أن الصفقات الأمريكية من نفط دول الخليج العربية قد تكون تتراجع إلا أن الاعتماد العالمي يتزايد، مشيراً إلى أن هذه الحقيقة تفرض الدعم الأمريكي.
وقال لس يانكا المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع والذي يرأس حالياً هيئة استشارية للأعمال في الرياض «لأن صحة الاقتصاد الأمريكي مرتبطة بشكل وثيق بصحة الاقتصاد العالمي فهناك مبرر لأن تساعد واشنطن في حماية حلفائها» في دول الخليج العربية. وعندما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في 18 مارس الماضي إنه «يأمل أن تحقق الولايات المتحدة استقلالاً في مجال الطاقة أضاف «ولكني أؤكد لكم أنه على الأقل من الناحية العسكرية، ستجدون أن المستقبل سيكون مرحلة من الالتزام الأكبر». وعندما طلب منه السفير الإماراتي يوسف العتيبة مزيداً من التوضيح قال ديمبسي إن الالتزام يجب أن يقاس بتحسن التعاون. ولكن الطاقة ليست مثار القلق الوحيد إذ إن التصورات المتعلقة بتراجع الاقتصاد الأمريكي وانسحاب القوات الأمريكية أولاً من العراق والآن من أفغانستان كلها عوامل أدت إلى عدم وضوح الصورة الأمنية بالنسبة لدول الخليج العربية. وقال شاشانك جوشي من المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن إن «مسؤولين خليجيين عرب على دراية على ما يبدو بأن التهديد الداخلي الذي يواجههم الآن «لا يحرك الأمريكيين بنفس الطريقة» التي كانت التهديدات الخارجية تحركهم بها. وبالنسبة للوضع في سوريا وإيران فإن تأييد واشنطن للحوار يبدو ضعيفاً في نظر بعض دول الخليج العربية. وفي ديسمبر الماضي أعلنت قمة لدول مجلس التعاون الخليجي الست خططاً لتشكيل قيادة عسكرية موحدة لتعزيز التعاون الدفاعي. ودول مجلس التعاون الخليجي مسلحة بشكل جيد. وارتفع الإنفاق الدفاعي في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 9% ليصل إلى 74 مليار دولار العام الماضي وفقاً لتقديرات نيكول لوزر المحللة بشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة «فوركاست انترناشونال». وتتوقع أن تصل إلى 86 مليار دولار بحلول عام 2017. إلا أن الدول الخليجية العربية واجهت عدداً من العقبات أمام التوحد العسكري بما في ذلك نقص المعدات المشتركة واعتمادهم على اتفاقات ثنائية مع حليفتهم الولايات المتحدة. وقال محللون إن «الثقة في الولايات المتحدة تراجعت بسبب الخلاف مع واشنطن بشأن سوريا والخوف من فشل الولايات المتحدة الأمني في العراق وأفغانستان، إلا أن علاقات واشنطن ودول الخليج تظل قوية».
في غضون ذلك، وفي شأن يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي والغربي في الشرق الأوسط، قالت صحيفة «واشنطن تايمز» إن «بريطانيا تعتزم إرسال قوات عسكرية إلى الخليج العربي، وذلك في محاولة منها لملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب قوات أمريكية عن المنطقة، والتي تتجه نحو المحور الآسيوي».
«رويترز»