يقول العلماء في تفسير قول الله تعالى في الآية 35 من سورة الأحقاف: «فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون»، أي اصبر يا محمد على أذى قومك كما صبر الرسل أولو العزم وذوو الثبات والصبر على الشدائد من قبلك. وقال ابن عباس إن الرسل أولي العزم «هم الأنبياء إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم». وقيل إن «من» في الآية للتبعيض، فليس كل الرسل من أولي العزم، فليس منهم سيدنا آدم لقوله تعالى: «ولم نجد له عزما»، ولا سيدنا يونس لقوله تعالى: «ولا تكن كصاحب الحوت».
ويقول الله تعالى لرسوله لا تستعجل لقومك نزول العذاب بهم، وقيل كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم فأمره الله بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل لا محالة، وسيرون ما وعودا به من العذاب في الآخرة حتى وإن لم ينالهم العذاب في الدنيا، وهذا القرآن تبليغ من الله إليكم ولا يهلك عند رؤية العذاب إلا القوم الفاسقون أي الكافرون.
ويقول الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله في خواطره حول الآية الكريمة: «الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الحق سبحانه يُسلِّه ويثبته ليتحمل الإيذاء من الكافرين، فليس هو بدعاً في ذلك، فقد سبقه كثير من إخوانه الرسل، فليصبر النبي محمد كما صبروا».
ولقد تعرض الرسول الكريم لكثير من الأذى من قومه سواء بالقول أو الفعل، وتآمروا على قتله، وضيَّقوا عليه حتى اضطروه لترك مكة والهجرة إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم تحمل كل ذلك، لكنه بشر ويشقّ عليه ذلك، فأراد الحق سبحانه أنْ يضع أمامه أسوة ونموذجاً لمَنْ صبر من الرسل السابقين. ويريد المولى من ذلك أن يصبر العبد على ابتلاء ربه، يقول الله سبحانه في حديثه القدسي: «مَنْ رضي بقدري أعطيته على قَدْري».
ويقول المولى لرسوله «لا تستعجل عذابهم، خاصة وأنهم كانوا يستعجلون العذاب جهلاً وعناداً منهم، لذلك إنْ مُت يا محمد قبل أنْ ترى انتقام الله منهم فموعدهم الآخرة، وستمر مرحلة البرزخ كأنها ساعة من نهار، فمنذ مات سيدنا آدم وإلى أنْ تقوم الساعة وهو لا يشعر بهذا الوقت، وما هو بالنسبة له إلا ساعة من نهار، لأن الوقت فرعُ الحدث، فإذا لم يوجد الحدث لا يوجد الوقت، كما عند النائم مثلاً، ولا يهلك إلا القوم الفاسقون والخارجون عن طاعة الله سواء في الدنيا أو في الآخرة».