في العام 2008 سألني صحافي عربي زار البحرين عن أبرز ما يميّز المشهد الإعلامي بالمملكة بعد مرور عدة سنوات على الإصلاحات السياسية، فكانت إجابتي سريعة؛ وهي الهامش الواسع من الحرية في التعبير عن الرأي التي لا يحدها سوى احترام الثوابت الوطنية المقرّة في الدستور، وهي ممارسة وليس مجرد شعارات نستخدمها للاستهلاك الإعلامي.
في الشتاء الماضي التقيت بالصحافي نفسه في قصر الدكتورة الشيخة سعاد الصباح بالكويت، وطرح علي سؤالاً آخر مشابهاً للسؤال الأول؛ هل تراجعت الحريات الإعلامية الآن بعد أزمة البحرين؟
لم تختلف إجابتي عن المرة الأولى، ولكنني أوضحت له أن كاتب الرأي قبل العام 2001 عندما يسعى للاتفاق مع صحيفة للكتابة فيها، فإن أول سؤال يمكن أن يطرحه هو التوجه العام للصحيفة، ليس ليكتب ما يتفق مع سياستها الإعلامية وخطها العام، وإنما ليعرف حدود الكتابة حتى لا يتجاوزه ويتم إنهاء اتفاقه سريعاً! أما الآن بعد أزمة 2011، عندما يتعاقد كاتب الرأي مع صحيفة محلية، فإن ما يبحثه معها التفاصيل المالية والإدارية فقط، لأنه يعرف سلفاً أن السقف الإعلامي بات مرتفعاً أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البحرين الحديث!
المهم في هذه القصة، هو اختلاف المشهد الإعلامي بشكل كبير عما كان عليه قبل 2001، وما صار عليه اليوم، فالحريات الإعلامية صارت حقاً مكتسباً، ولا يمكن التنازل عنه أو تجاهله تماماً، بل هي حريات مكتسبة دستورياً، ومنظمة قانونياً. حتى بات الصحافيون وكتاب الرأي لا يسألون إدارات صحفهم حول الخط العام، أو سقف الكتابة لأنه سقف لم تصل صحيفة لحده الأعلى، ومازالت الصحافة البحرينية تتدرج في رفع هذا السقف الذي صار رفيعاً خلال 12 عاماً فقط، خاصة أن الوصول إلى الحد الأعلى من السقف بشكل مفاجئ لن تكون له نتائج إيجابية.
بفضل رؤية عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله وأعزه تطور المشهد الإعلامي البحريني، حيث كان جلالته منذ انطلاق المشروع الإصلاحي المدافع الأول عن الحريات الإعلامية، ولم يقبل جلالته في يوم ما إغلاق صحيفة بسبب خطابها الإعلامي، وكان أيضاً الداعم الأول لفكرة رفض حبس الصحافي صوناً لحرية التعبير التي يجب أن تكون مسؤولة دائماً.
البحرين اعتادت أن تكون في مربع معين، وبالمقابل رؤية جلالة الملك تكون أبعد بكثير عن هذا المربع الجامد، فنظرته المتقدمة للمشهد الإعلامي تجاوزت الحاجة للتقنين، ووصلت إلى استحداث منظومة أمان اجتماعية للصحافيين تقوم على تحسين أوضاعهم المعيشية والوظيفية، وزيادة فرص التدريب والتأهيل، ومن أبرز الخطوات التي تمت في هذا المجال التوجيه لإنشاء مشروع إسكاني للصحافيين والإعلاميين.
بهذه الرؤية المتقدمة نتطلع سريعاً كصحافيين ومؤسسات إعلامية لإقرار قانون عصري للصحافة، ولاتخاذ إجراءات سريعة تدعم تطوير الوضع الوظيفي والمعيشي لكافة الصحافيين.
يوسف البنخليل