ترجمة وإعداد ـ أمين صالح:
حققت المخرجة الإيرانية المقيمة في باريس مرجاني سترابي، نجاحاً كبيراً مع أول أفلامها Persepolis، وهو فيلم تحريكي طويل، منع من العرض في إيران، واشترك في تحقيقه فنسن بارونو.
وتسرد سترابي في فيلمها حكاية قاسية للبالغين عن إيران ما قبل الثورة وما بعدها، مستمدة من تجربتها الذاتية عندما عاشت طفولتها وشبابها في إيران، هذه التجربة التي دونتها في على شكل روائي جرافيكي «رواية مصورة» حملت نفس العنوان.
الفيلم حقق شهرة واسعة، وعنه نال المخرجان جائزة التحكيم في مهرجان كان 2007، إضافة إلى جائزتين من جوائز السيزار الفرنسية، كما رشح لأوسكار أفضل فيلم تحريكي.
مرجاني قبل أن تتوجه إلى السينما، مارست كتابة الرواية المصورة بالرسم.. فيلمها الثاني، التي اشتركت في إخراجه أيضاً مع فنسن بارونو، عبارة عن عمل سردي درامي طويل، لا يحتوي إلا على مشهد تحريكي واحد، بعنوان «دجاج بالخوخ».. وفيه تتطرق إلى الحب والفقد في الحياة اليومية، من خلال قصة موسيقي يختار أن يموت بعد أن يفقد آلة الكمان المثالية.. وهي مجاز عن الحب المفقود الحقيقي.. امرأة تدعى إيران.
يركز الفيلم بؤرته على موسيقي إيراني، بالغ الحساسية، يدعى ناصر «ماثيو أمالريك»، فيما يشاهد في عجز تام، آلة الكمان الخاصة به وهي تتعرض للتحطيم والتهشيم أمام عينيه، يقرر في يأس شديد أن يضع حداً لحياته التي لم تعد مجدية ولا تستحق أن تعاش.
هو يعيش مع زوجة لم يحبها قط، وفيما تمضي الأيام، يبدأ -عبر الذاكرة- في استدعاء أحداث من ماضيه، فيتنقل من الماضي إلى الحاضر، خلال ذلك يستحضر أمه «إيزابيلا روسيلليني» التي مارست تأثيراً فعالاً في تكوينه، ويتوق بشدة إلى حبه الأول، ويفكر في مصير طفليه.
يدمج الفيلم السرد المباشر مع عناصر من الواقعية السحرية، ويوظف تشكيلة من الطرائق والتقنيات.. الرجوع إلى الماضي، التقدم إلى المستقبل، الهجاء، إشارات وإحالات إلى أفلام كلاسيكية، تأملات دقيقة في التاريخ السياسي الإيراني.
في حديثها عن الفيلم مع مجلة Filmmaker بحضور فنسن بارونو تقول سترابي «الشيء المشترك في كل قصصي هو رفضي لخلق شخصيات محددة بوضوح ودقة، كأن تكون هذه الشخصية طيبة والأخرى شريرة.. أميل إلى التعقيد في الكائن البشري، التعقيد في الحالات.. لا أظن أن أحداً يظل رائعاً طوال الوقت، أو يظل سيئاً طوال الوقت.. أميل إلى إعطاء الشخص فرصة أن يكون بغيضاً وسيئاً.. يعجبني أن يكون بطل فيلمنا شخصاً غير جدير بأن يُحب، لكن في النهاية أنت تشعر بعاطفة حب تجاهه، في النهاية تفهم فؤاده المسحوق».
ويعقب بارونو «في فيلمنا هذا نتناول البلاد نفسها إيران، والعائلة نفسها، من منظور مختلف عن فيلمنا الأول الذي كان سياسياً أكثر، ذاك الفيلم كان تحريكياً لأننا أردنا شيئاً أكثر عالمية، وبإمكان الجمهور العام أن يتماهى معه بدرجة أكبر.. فيلمنا الثاني عن قصة حب، وهي عالمية أيضاً، لكن الطابع السردي يجعله مختلفاً جداً».
عن الفوز بالجوائز، وما إذا الجوائز تغير حياة الفرد تقول مرجاني سترابي «لا لا تغير.. عندما تحوز على جوائز فإن ذلك يرضي غرورك.. لكنك تضع الجائزة على رف الكتب وتنظر إليها متباهياً.. بعد أسبوع واحد تنساها.. بعد أن ترشحنا للأوسكار، اعتقدنا أنهم سيفتحون لنا الباب لندخل حجرة مليئة بالدولارات نأخذ منها ما نشاء لصنع فيلمنا التالي.. لكن هذا لم يحدث أبداً.. أرادوا منا أن نحقق أجزاء أخرى من الفيلم، إذ ما أن تصنع شيئاً ناجحاً حتى يطلبون منك صنع شيء مماثل إلى حد التطابق.. إذاً ترشيحنا للأوسكار لم يساعدنا أبداً».
ورداً على سؤال عن عملية الإخراج المشترك، أن يشترك فنانان من بلدين مختلفين، وتربيتين مختلفتين، في تنفيذ فيلم سينمائي، وأن يتمم أحدهما الآخر أثناء صنع العمل.. يجيب فنسن بارونو «ما جمعنا معاً هو في الواقع ثقافتنا المشتركة فيما يتصل بطريقتنا في النظر إلى الأشياء، رؤيتنا، اهتماماتنا السينمائية، الخلفية الفنية، ولعنا بالموسيقى.. مرجاني جلبت الجانب السري، الخفي، العنصر السحري.. الجانب غير العملي على الإطلاق. بالنسبة لي، الأشياء هي مبنية ومنظمة أكثر.. العلاقة هنا تنجح لأننا عندما نجد أنفسنا أمام أمور تقنية أكثر، مركبة أكثر، أكون في وضع هادئ، رابط الجأش، وأكون قادراً على تقييم الأشياء.. في عملي مع مرجاني لا أحرص على الإعلان عن حضوري بطريقة استعراضية، بل أعمل في الأسفل.. مثل غواصة».
وتختتم مرجاني سترابي لقاءها الصحافي بالحديث عن السينما التي تربت ونشأت عليها «أبي كان مولعاً بالسينما إلى حد الإدمان.. كان يشاهد الأفلام نفسها 55 مرة.. أنا كبرت محاطة بكل الأفلام الأمريكية هتشكوك، غناء تحت المطر، قصة الحي الغربي، المطاردة للمخرج آرثر بن، ليل الصياد، أفلام المخرج وليام وايلر.. كنت ممسوسة جداً بالأفلام.. سأخبرك شيئاً ربما لن تصدقه، لكنها الحقيقة.. كنا في البيت نحتفظ بنسخة VHS لفيلم أكيرا كوروساوا «الساموراي السبعة»، ولمدة سنة كاملة، بلا مبالغة، كنت أعود من المدرسة لأشاهده.. شاهدته 365 مرة على الأقل.. رغم أن مدة عرضه تصل إلى ثلاث ساعات ونصف.. في كل مرة أرى شيئاً لم أره من قبل.. كنت حينها في العاشرة تقريباً».