لم يكن التكهن بنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة صعباً بقدر صعوبة الانتخابات المقبلة، لكن الأيام المقبلة ستحدد من سيتنافس في الانتخابات المقررة في 14 يونيو المقبل والتي بدأ التسجيل لها أمس وحتى السبت المقبل. غير أن الشيء الأكيد هو أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يستحوذ على السلطة المطلقة منذ 24 عاماً يريد تجنب الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد احتجاجاً على نتائج انتخابات فاز فيها الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية في 2009 وكذلك تفادي المزيد من الصراعات بين حلفاء الرئيس المنتهية ولايته وبين أنصاره المحافظين، وهي أجواء اتسمت بها الفترة الثانية لأحمدي نجاد، الذي لا يستطيع الترشح لفترة ثالثة. وقال دبلوماسي غربي بطهران «القيادة الإيرانية متوترة حتى إذا لم يكن هناك داع لذلك، كانت انتخابات 2009 إراقة كبيرة لماء وجه المؤسسة وهم قلقون من تكرار ذلك». وقال «بدلاً من وضع الثقة في الشعب، وضعوا ثقتهم في كل أشكال الإجراءات الأمنية». وسيرث خلف نجاد وضعاً اقتصادياً في تدهور شديد بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب على خلفية الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. وتجاوزت نسبة التضخم الرسمية 30% على مدى عام ولم تتمكن الحكومة من احتواء تراجع القوة الشرائية من خلال سياسة تقوم على المساعدات المباشرة.
كما سيترتب على الرئيس الجديد التعامل مع الأزمة السورية، حيث يدور نزاع منذ أكثر من سنتين بين نظام الرئيس بشار الأسد حليف إيران ومجموعات معارضة.
وحذر النظام من أي احتجاجات على نتائج الانتخابات على غرار ما حصل عام 2009 حين جرت تظاهرات غير مسبوقة احتجاجا على إعادة انتخاب أحمدي نجاد عمد النظام أنذاك إلى قمعها بشدة مندداً بمؤامرة من الخارج. ورفض المرشحان الإصلاحيان رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي نتائج الانتخابات داعين إلى التظاهر وهما اليوم قيد الإقامة الجبرية.
وأعلن بعض المرشحين أنهم سيسجلون أسماءهم للجولة الأولى من السباق الانتخابي الذي يبدأ خلال 6 أسابيع. لكن كثيرين ممن يتمتعون بأقوى الفرص ما زالوا يبحثون كافة الاحتمالات واضعين الرأي العام نصب أعينهم وأيضا مجلس صيانة الدستور الذي يمكن أن يرفض أي مرشح إلى حين نشر قائمة رسمية 23 مايو الجاري.
وفي ظل قمع الجماعات الإصلاحية بشكل كبير على مدى السنوات الأربع الماضية، فإن الحملة الانتخابية قد لا تعكس جوانب كبيرة من الجدل الدائر بين الإيرانيين حول كيفية إنعاش الاقتصاد الذي يعاني من العقوبات الغربية أو حول السياسة الخارجية والبرنامج النووي الذي يثير قلقاً دولياً.
وقال الدبلوماسي المقيم في طهران «هناك افتقار للنقاش السياسي، افتقار للحديث عن الضرائب أو الاقتصاد أو العلاقات مع الدول المجاورة». وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50% فإن جولة الإعادة تجري بعد أسبوع.
ورغم أن القانون يحظر على أحمدي نجاد الترشح مرة أخرى فإن خصومه من المحافظين أمثاله الملتزمين بمقاومة أي تخفيف للمبادئ المؤسسة للدولة الإسلامية يخشون أن يدعم مرشحاً وربما يكون مساعده المقرب اسفنديار رحيم مشائي، للاحتفاظ بنفوذه حتى رغم اعتراض خامنئي.
من جانبها، قالت المحللة والخبيرة في النظام الانتخابي الإيراني ياسمين عالم «على النقيض من الجيل الأول من النخبة الثورية التي التزمت بالقواعد فإن مجموعة أحمدي نجاد تتحرك دوما ضد خطوط النظام الحمراء بل وتتحدى أحياناً سلطة المرشد». وأضافت «الطموح يتقدم عندهم على الولاء لمبادئ النظام».
ويرى محللون ودبلوماسيون أن «خامنئي يعول على تحالف موال له يضم وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي المستشار الحالي للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في الشؤون الدولية، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف ورئيس مجلس الشورى السابق غلام علي حداد عادل. وقد شكل الثلاثة ائتلافاً من أجل التقدم. لكن لم يتم الإعلان عن المرشح النهائي لهذا التحالف في مؤشر على أنهم ما زالوا يبحثون تفاصيل السباق.
أما في صفوف الإصلاحيين والمعتدلين، فمن المتوقع أن يترشح عدد من الشخصيات خاصة نائب الرئيس السابق محمد رضا عارف وحسن روحاني المفاوض الإيراني في الملف النووي في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. وتضاعفت الدعوات في الأسابيع الماضية من الشخصيات والصحف المحافظة للرئيس السابق خاتمي والرئيس السابق المعتدل اكبر هاشمي رفسنجاني من أجل أن يتقدما للانتخابات. ولم يحسم أي منهما موقفه من الترشح. وحذر وزير الاستخبارات حيدر مصلحي الأسبوع الماضي خاتمي ورفسنجاني من الترشح مؤكداً أن «السلطة لم تنس دورهما في الحركة الاحتجاجية التي تلت الانتخابات الرئاسية عام 2009».
«فرانس برس - رويترز»