حصدت وزارة الأشغال جوائز إقليمية وعالمية في مجال إعداد الاستراتيجيات وتنفيذها، بفضل تميزها في برمجة خططها وهياكلها الوظيفية ورفع قدرات منتسبيها بما يتوافق ورؤية البحرين الاقتصادية 2030.
وقالت رئيسة التخطيط الاستراتيجي وإدارة الجودة بالوزارة رجاء الزياني، إن مخرج البحرين من أزمتها ممكن عبر استراتيجية وطنية مستقبلية تأخذ بالحسبان التطلعات لغد أفضل.
وأضافت أن «الأشغال» نجحت بتغيير فكرها المؤسسي من الفكر التقليدي المبني على التسلسل الهرمي إلى الاستراتيجي وقوامه التوافق الأفقي، لافتة إلى أن التخطيط الاستراتيجي بوليصة تأمين ضد التغيرات المتسارعة وتذليلها مسبقاً.
لإلقاء مزيد من الضوء على تجربة وزارة الأشغال في مجال إعداد الاستراتيجية، وكيفية تعميم التجربة على باقي وزارات الدولة ومؤسساتها وشركاتها كان اللقاء مع رئيسة التخطيط الاستراتيجي بالوزارة.
* ماذا يقصد بـ«التخطيط الاستراتيجي»؟
البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة دائماً في تغير مستمر، وكي تضمن المؤسسة مواكبة هذا التغير قدر الإمكان، عليها أن تضع خطة مستقبلية في ظل هذه المتغيرات، لذلك كان لابد عند وضع هذه الخطة من فهم إمكانات المؤسسة وقدراتها الداخلية بشكل شامل، واستشفاف ما يحيط بها من بيئة خارجية بجميع معطياتها ودلائلها.
التخطيط الاستراتيجي هو وضع خطط منظمة طويلة المدى تمكن المؤسسة من الوصول إلى غاياتها بأفضل وأضمن الطرق، متماشية قدر الإمكان ما قد يواجهها من تهديدات ومدركة تمام الإدراك كيفية استغلال الفرص المتاحة، وبالتالي فإن التخطيط الاستراتيجي بوليصة تأمين ضد التغيرات المتسارعة وتذليلها بشكل استباقي.
ويمكن القول إن التخطيط الاستراتيجي يساعد المنظمة على أن تركز تطلعاتها وأولوياتها في الاستجابة للتغيرات الحادثة في البيئة من حولها وبما يضمن أن أفراد المنظمة يعملون باتجاه تحقيق نفس الأهداف، وبالطبع المقصود بكلمة «استراتيجي» إضفاء صفة النظرة طويلة الأمد والتركيز على أهم الأمور.

*استطاعت وزارة الأشغال خلال 3 سنوات من تأسيس قسم التخطيط الاستراتيجي، ونيل جائزة عالمية.. كيف بدأت التجربة؟
بدأت الرحلة مع إطلالة 2002، حين استشفت الإدارة العليا في الوزارة، أهمية إعداد دراسة شاملة للبيئة الداخلية والخارجية للوزارة، للتمكن من تحديد مكامن القوة والضعف والفرص والمخاطر المحيطة بالوزارة.
كانت الدراسة بمثابة الأساس السليم اللازم لبناء الاستراتيجية، ومن خلاصة الدراسة وضعنا توجهاتنا الاستراتيجية، وبدأنا بوضع خطتنا الاستراتيجية مع مطلع 2004، وكنت أباشر دوري فيها من خلال موقعي كرئيسة للتخطيط والتطوير، وأعمل في الوقت نفسه على تأسيس قسم التخطيط الاستراتيجي ورأى النور مع مطلع 2006.
حصلت الوزارة على جائزة التميز سنة 2009 أي خلال 3 سنوات من تأسيس قسم التخطيط الاستراتيجي.

*ماذا عن الاعتراف الدولي بمنحك أول شهادة عالمية للاحتراف في إدارة الاستراتيجيات؟
خلال القمة السنوية للإدارة الاستراتيجية بالعاصمة البريطانية لندن عام 2011، وبمشاركة أكثر من 200 خبير ومختص في إدارة الاستراتيجيات من القطاعين العام والخاص وبحضور مؤسسي المنهجية الاستراتيجية للأداء المتوازن، منحتني مؤسسة البالاديوم الأمريكية المتخصصة في مجال الأنظمة والعمليات الاستراتيجية، شهادة الاحتراف الدولية وسجلت بذلك كأول شخص في العالم يستطيع الحصول على هذه الرخصة المهنية، وتمنح الشهادة فقط لمن أثبت بعد مقابلة كتابية وميدانية قدرته على إثبات إلمامه الكامل والمكمل للشهادة الأولى في المعرفة الاحترافية.

*ما التحديات التي صادفتكم في طريق العمل؟
لم يكن الأمر سهلاً، صادفتنا العديد من التحديات والعوائق والمقاومات، لكن مثابرتنا على العمل جميعاً كفريق واحد وإيماننا بأهمية ما نقوم به لمصلحة الوزارة والبلد، دفعنا لاجتياز جميع الصعاب.
ولطالما كان مجال التخطيط والتطوير من أكثر المجالات المحببة لي، أجد لذة في العمل عليها وقدرة ذاتية على تطويرها من خلال مشاركتي في الدراسة التشخيصية الممهدة للاستراتيجية، ومن بعدها في إعداد الاستراتيجية وتخطيطها وتنفيذها.
وهذه شهادة حية على أهمية تعزيز القدرات البشرية في أي مؤسسة، ومثال حي على ذلك قيمة الاستثمار في الإنسان البحريني حسب توجهات رؤية البحرين 2030.
أجد علاقة قوية بين ما يستدعيه تصميم المباني والتخطيط الداخلي للفراغات اللازمة لها، وبين ما يستدعيه تخطيط الاستراتيجيات وترتيب الأهداف الداعمة للمؤسسة وتبيان العلاقة بينهما.
لذا فإن العمل في تخطيط الاستراتيجيات وتنفيذها جاء طبيعياً ونابعاً من أصول المهنة الهندسية وعلاقاتها الديناميكية، أما أهم التحديات التي واجهتها فهو تغيير الثقافة المؤسسية في الوزارة، وطريقة إدارة الأهداف، ما تطلب تغيير فكر المؤسسة من الفكر التقليدي المبني على التسلسل الهرمي الرئيس، إلى الفكر الاستراتيجي المبني على التوافق الأفقي، ومن ثم إسقاطه على باقي حلقات الوزارة ليشارك فيها أكبر عدد من الموظفين.
أعتقد أننا نجحنا في ذلك بدليل أن نتائج إحصائية لقياس مدى تغلغل الاستراتيجية في الوزارة، دلت على أن 93.3% من الموظفين حسب إحصائية 2011 كانوا مدركين لكيفية ارتباط أدوارهم بالتوجيهات الاستراتيجية للوزارة، ونتائج آخر إحصائية في 2012 دلت على ارتفاع النسبة إلى 94% من الموظفين مدركين لكيفية ارتباط أدوارهم بالتوجيهات الاستراتيجية للوزارة.
*أين تكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي؟
تكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي من حيث تخفيف وطأة المخاطر، وفوائد التخطيط وأبرزها التأثير وتركيز الجهود في اتجاه واحد، والمعالجة الاستباقية للقضايا الحرجة، والبحث في طرائق مبتكرة لتحقيق الأهداف المنشودة، وتحجيم الأزمات المستشفة.
ومع أن للتخطيط الاستراتيجي أهمية كبيرة ويحتاج إلى قدرات استشرافية وتقنية في إعداده وتخطيطه، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تنفيذه، فمن المعروف عالمياً أن أكثر من 90% من المؤسسات تفشل في تنفيذ استراتيجياتها لعدة عوامل أهمها عدم وضوح الاستراتيجية بكل مكوناتها بشكل متكامل، وعدم وضوح الافتراضيات التي قامت عليها التوجهات الاستراتيجية، وضع قياسات غير مناسبة وغير ذات قيمة من الناحية الاستراتيجية، انشغال القياديين في المؤسسة بالأعمال الروتينية وبالتالي قصور في إعطاء الاستراتيجية ما تستحقه من وقت وجهد، غياب روح الفريق الواحد في العمل، قصور في الالتزام بما تستدعيه الاستراتيجيات من جهد ووقت وتفكير، قصور في التنسيق الإداري والفني مع مستدعيات الاستراتيجية، والخلط بين الأهداف والمبادرات.
وقسم التخطيط الاستراتيجي وإدارة الجودة في وزارة الأشغال مثل أول مكتب لإدارة الاستراتيجية بشكل متكامل مع التنفيذ في المنطقة نطمح من خلاله إفادة البحرين وإثراء قدراتها في ترسيخ مبادئ وممارسات التخطيط الاستراتيجي والإدارة الاستراتيجية، حيث إننا نؤمن أن المشاركة في إعداد استراتيجية وطنية وإدارتها بشفافية هي الطريق الأمثل نحو مستقبل واعد للبحرين، يجسد توجهات القيادة والشعب ويفعل رؤية البحرين 2030.

*ما سر نجاحكم؟
أذكر أنه أثناء قمة الإدارة الاستراتيجية في لندن عام 2011، سألني أحد الحضور عن السر في نجاحنا في إحداث هذه النقلة النوعية في الوزارة، فبينت له أن السر يكمن في التفهم الكامل لبيئة عمل الوزارة وإحداث التغيير اللازم في الوقت المناسب وبالكم المناسب، لكي لا يكون أكبر مما يمكن احتماله فيحدث ردة فعل عكسية لدى الموظفين، ولا يكون متناهي الصغر، فيعيق وتيرة التقدم اللازمة، ويقلل أجواء الحماس المتولد.

*ماذا يعني لكم النجاح؟
نجاحنا اعتراف بفضل هذا الوطن المعطاء في استثمار قدرات أبنائه، وفرت لنا البحرين البيئة المناسبة للعطاء والتميز.
لن أنسى ما حييت نظرات الإعجاب والذهول على وجوه الحضور لكوني امرأة ولجت عالماً كان حتى فترة قصيرة مقتصراً على الرجال ولكوني عربية تخطت كل الحواجز الاجتماعية التقليدية في عملي ومعارفي وتجربتي ولكوني أنتمي للبحرين ذلك البلد الصغير في مساحته والذي استطاع بقدراته التميز على العالم المتحضر والمتمكن من وضع الاستراتيجيات وإدارتها. وكان لي شرف رفع اسم بلدي ونشر كتيبات وأشرطة تثقيفية عن حضارته وفعالياته الخاصة بربيع الثقافة، ولا يفوتني هنا أن أرفع كل الشكر والتقدير لوزيرة الثقافة والعاملين في الوزارة على تزويدي بها.

*هل لك أن تحدثينا عن مدى استفادة الجهات الحكومية والخاصة من منهج التخطيط الاستراتيجي لوزارة الأشغال؟
في الواقع هناك العديد من الجهات استفادت من التخطيط الاستراتيجي، تأتي في مقدمتها المؤسسات الخارجية، حيث تقدم الوزارة لهذه المؤسسات مفهوم التخطيط الاستراتيجي وكيفية تطبيقه، ونحن بدورنا في الوزارة نشارك في العديد من المؤتمرات والمحاضرات والندوات لنقل هذه التجربة والدروس المستفادة منها إلى هذه المؤسسات، وكذلك لرفع أسهم البحرين كبلد معطاء نامي غني بالقدرات والمؤهلات اللازمة لتعزيز مصداقية عالمية.
هذا إلى جانب نقل التجربة للمؤسسات والوزارة داخل المملكة، بهدف نشر التوعية المطلوبة بأهمية الإدارة الاستراتيجية، والوزارة على استعداد لنقل تجربتها لكافة الجهات والأفراد في سبيل تعميم الفائدة، والمساهمة في إعداد البنية الأساسية لمستقبل واعد مخطط له بإحكام.

*أقيم مؤخراً تحت رعاية وزير الأشغال عصام خلف منتدى البحرين للتدريب تحت عنوان «التفكير الاستراتيجي لتطوير الخطط المستقبلية» ما أهمية المنتدى؟
اكتسب المنتدى أهمية كبيرة لتعزيز الإدارة الاستراتيجية بشكل متكامل ليس فقط في مرحلة التخطيط كما هو شائع، ولكن أيضاً في مرحلة الإعداد الجيد الشامل والتي مثل الأساس الفعلي لمصداقية الاستراتيجية، والأهم هو التنفيذ المحترف ويشمل جميع الفئات العاملة المشاركة في الإنجاز والقياس والتقييم والأداء بشكل شفاف يضمن قبول الجميع بمكوناته ويضافر جهودهم في القيام بمبادراته.
وتجربة الوزارة في الإدارة الاستراتيجية وما استطاعت بناءه من قدرات عالمية خير دليل وبرهان على إمكاناتها البشرية ونجاحها في تنميتها نحو الأفضل.

*كيف تنظرون إلى التخطيط الاستراتيجي في البحرين مقارنة بالدول العربية والعالمية؟
ما قمنا به في البحرين يعد عمل ريادي يحتذى به ونحن في وزارة الأشغال نستقبل العديد من الوفود من دول مجاورة وغير مجاورة للاستفادة من تجاربنا ومعارفنا في مجال الإدارة الاستراتيجية بشكل متكامل من إعداد وتخطيط وتنفيذ وتقييم، وتم اعتماد منهجنا في نشرة Harvard Business Review وكتبت عنا العديد من المقالات وبعض الكتب التي تستهدي بتجربتنا.

*ما العوامل الرئيسة لنجاح التخطيط الاستراتيجي؟
من أهم العوامل لنجاح التخطيط الاستراتيجي هو الإعداد الجيد له بإجراء دراسة مستفيضة للمؤسسة تشمل جميع أنظمتها وهياكلها الوظيفية وقدرات منتسبيها وقوانينها وإجراءاتها وسبب نشأتها وتوقعات عملائها والمشاركين معها في أداء الخدمات إلى جانب ما يحيط بها من بيئة اجتماعية وسياسية وقانونية وهو ما يتعارف عليه باسم PESTEL.
إلى جانب الإعداد الجيد يتوجب وجود النية والعزم على المضي في هذه المرحلة التي مع أنها قد تستغرق بضع سنين، ولكنها قادرة على إحداث نقلة نوعية في أداء المؤسسة ودورها في إثراء الصالح العام للدولة والمجتمع.

*هل لك أن تقدمين لنا ملخصاً حول نموذج وزارة الأشغال في التخطيط الاستراتيجي وفق رؤية البحرين 2030؟
بدأت الوزارة رحلتها الاستراتيجية مطلع 2004 أي قبل تدشين رؤية البحرين 2030 بحوالي 3 سنوات، ومع ذلك فإن دراسة تمحيصية للأهداف الاستراتيجية لرؤية البحرين 2030 والأهداف الاستراتيجية للوزارة خلصت إلى توافق تام بينهما فيما يخص دور الوزارة ومهامها. ما يؤكد مصداقية المحتوى الاستراتيجي الذي قامت الوزارة بإعداده في الفترة من (2002 – 2004) وهي مرحلة الإعداد للاستراتيجية. وأدرجنا أهداف رؤية البحرين 2030 مع كل هدف استراتيجي متوافق معها ضمن استراتيجية الوزارة.

*من محيط المؤسسات إلى المملكة بمجملها، أليس من المهم أن تكون لدى الدولة استراتيجية مستقبلية لعدم تكرار ما حدث؟
أؤمن أن مخرج البحرين مما تمر به هو إعداد استراتيجية وطنية مستقبلية تأخذ في الحسبان تطلعات الشعب والقيادة لغد أفضل، وتعزز بمقاييس أداء شفافة نبني من خلال مراجعة أدائها ثقتنا في بعضنا البعض، وتقوم على مبادرات نعمل جميعاً قيادة وحكومة وشعباً على إنجازها، ونتخطى من خلالها وبها أزمة الثقة التي تعصف بنا كشعب واحد وتعصف بمصداقيتنا بين الأمم.