حذر شيوخ وعلماء دين من «خطر الرياء» على المسلم، مشيرين إلى أن «أول رواد أهل النار هم أهل الرياء، جراء الأعمال التي قاموا بها وعملوها، ولم يبتغوا بها وجه الله تعالى، وإنما من باب أن يقال عنهم على ألسنة الناس، ويلهجون بذكرهم، فكان الجزاء من جنس العمل».
وأضافوا أنه «ينبغي على المؤمن أن يجتهد في إخفاء طاعاته، وستر أعماله الصالحات عن الخلق ما استطاع، مكتفياً بأن الله تعالى يسمع ويرى، وأن الخلق لا يملكون له ضراً ولا نفعاً، وأن رضوان الله تعالى ومثوبته فوق رضا الخلق وثنائهم». وذكروا أن «الرياء يورث الذلة والتحقير، ويحرم فاعله من ثواب الآخرة».
وشدد العلماء على أن «الإخلاص شرط أساس لقبول الأعمال»، موضحين أن «الرياء يفرغ العمل الصالح من آثاره الطيبة وغايته العظيمة، فالعبادة إذا ما لم تكن صادرة عن إخلاص وتجرد، لم تحقق آثارها في القلب، ولم تدفع إلى العمل الصالح، ومن ثم فهي عبادة جوفاء، لا روح لها، يقول الله تعالى في كتابه الحكيم «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً».
وأوضحوا أن «القلب الصلد المغطى بالرياء، مثله كمثل صفوان عليه تراب، فهو مثل حجر لا خصب فيه ولا ليونة، يغطيه تراب خفيف، يحجب صلادته، كما يحجب الرياء صلادة القلب الخالي من الإيمان، ثم جاء المطر فذهب بالتراب، فانكشفت عورته وتبين الحجر فلم ينبت، كالمرائي لا يثمر عمله خير، يقول الله تعالى «كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين».
واستشهد العلماء بحديث الرسول الكريم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه عليه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت، لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه عليه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم، ليقال: عالم، وقرأت القرآن، ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمه عليه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت، ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار».
أسباب الرياء
وقال العلماء إن «هناك أسباباً للرياء»، موضحين أن «الرياء تتعدد بواعثه، وتختلف أسبابه من إنسان لآخر على حسب حاجة الإنسان ومراده من غير الله تبارك وتعالى وهي كثيرةٌ ومنها:
- الجهل: الجهل بحقيقة الرياء ومآلاته، وبالإخلاص ومآلاته، سببٌ للتلبس بالرياء، إذ هو سببٌ رئيس لكل مرض.
- حب الجاه: وهو ارتفاع المنزلة في قلوب الناس، ومن غلب على قلبه حب الجاه، صار مقصور الهم على مراعاة الناس، وهذا بذر النفاق وأصل الفساد، لأن من طلب المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم، يقول تعالى: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين».
- الطمع: ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا، من مال، أو منصب أو جاه. ومن كان ذا طمع، فإن الذل قرينه.
- الخوف من الذم: خوف الإنسان من سخط الناس يدفعه إلى الرياء، لذلك يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس»».
علاج الرياء
وتطرق العلماء إلى الحديث عن علاج الرياء موضحين أن «علاج القلب من جميع أمراضه قد تضمنه القرآن الكريم، وجاءت به السنة المطهرة، فقال تعالى: «يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدًى ورحمةٌ للمؤمنين»، وقال أيضاً «وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً». وذكروا أنه «لعلاج الرياء لابد للإنسان المؤمن من المحافظة على الأمور التالية»:
- الاتصال بالله والاستغناء عن العباد: يقول تعالى «فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم»، ومن كفاه الخالق فلا يحتاج إلى غيره، ولا يكون هذا إلا إذا تعلق القلب بالله وأيقن أنه هو الغني والناس كلهم مفتقرون إلى الله، يقول سبحانه «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد».
وفي هذا الصدد يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «فدواء الرياء بـ»إياك نعبد»، ودواء الكبر بـ»إياك نستعين»، وكثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: «إياك نعبد» تدفع الرياء، و»إياك نستعين» تدفع الكبرياء»».
- مجاهدة النفس: إن الله سبحانه امتحن العبد بنفسه وهواه، وأوجب عليه جهادهما في الله، يقول سبحانه «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين».
- كتمان العمل الصالح ومراقبة الله: جاء في الحديث عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أدنى الرياء شرك، وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأسخياء الأخفياء» أي: «المبالغون في ستر عباداتهم، وتنزيهها عن شوائب الأغراض الفانية، والأخلاق الدنيئة الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح الدجى».
وروي أن سيدنا لقمان قال لابنه: «الرياء أن تطلب ثواب عملك في دار الدنيا، وإنما عمل القوم للآخرة، قيل له: فما دواء الرياء؟ قال: كتمان العمل، قيل له: فكيف يكتم العمل؟ قال: ما كلفت إظهاره من العمل، فلا تدخل فيه إلا بالإخلاص، وما لم تكلف إظهاره أحب ألا تطلع عليه إلا الله. وقال الفضيل بن عياض: «خير العمل أخفاه، أمنعه من الشيطان، وأبعده من الرياء». وسئل حكيم: من المخلص؟ فقال: «المخلص الذي يكتم حسناته كما يكتم سيئاته».
- التفكر في عواقب الرياء وآثاره: وذلك من خلال معرفة أحكامه، إذ إنه مقترن بالشرك، وهو من أشد المحرمات وكبائر الذنوب، فهو الشرك الأصغر، كما إنه نوعٌ من أنواع النفاق. وعواقبه في الدنيا أن الله يفضح صاحبه، ويكشف سوء سريرته بين الخلائق في الدنيا قبل الآخرة.