أكد المتحدثون ضمن فعاليات اليوم الأول من «منتدى الإعلام العربي» في دبي أمس، أنه لا مجال للحديث عن اندثار الإعلام الورقي التقليدي لصالح الإعلام الرقمي رغم ما يشهده من إقبال واسع بين المستخدمين والقراء.
ونبه المتحدثون في جلسة «الانفتاح على العصر الرقمي.. الواقع والتحديات»، إلى أن الصحافة التقليدية لا تزال أساساً قوياً يعتمد عليه القارئ للحصول على خبر يتسم بالمصداقية، لافتين إلى أن الصحافة التقليدية مطلوبة أيضاً بالنسبة للجهات والشركات الراغبة في الإعلان عن منتجاتها.
وألمحوا إلى أن عدداً من المؤسسات الإعلامية في أوروبا بدأت كصحافة رقمية ثم تحولت إلى صحافة مكتوبة مثل «هافنجتون بوست».
وأوضح المتحدثون أن الأمر المطلوب حالياً هو العمل على تطوير الإعلام التقليدي من أجل مسايرة سرعة العصر والتطور التكنولوجي. واعتبروا أن الأمر الأكثر أهمية يتمثل في تطوير المحتوى الإعلامي والاعتماد على المصداقية والحفاظ على جسور الثقة بين القائمين على الصحافة والإعلام من جهة والقارئ والمتلقي للرسالة الإعلامية من جهة أخرى.
وشارك في الندوة سمير حصني أستاذ الصحافة بكلية «ميك» للصحافة والإعلام الجديد مدير مركز الابتكار في المجلات بجامعة مسسيبي الرئيس التنفيذي لشركة magazine consulting and research بالولايات المتحدة، ومديرة الاتصالات والعلاقات العامة في «غوغل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مها أبو العينين، وأدارت الندوة زينة صوفان الإعلامية في مؤسسة دبي.
وفي مستهل الندوة قالت زينة صوفان إن مخاوف الاندثار بدأت تجتاح معظم الناشرين ومسؤولي الإعلام التقليدي، فيما دخلت منظومة الإعلام العربي والعالمي مرحلة أكثر تعقيداً وتحديات خطيرة تهدد وجودها في ظل انتشار»غزو» ظاهرة الإعلام الرقمي، وفي ظل هذه المخاوف ظهرت نماذج إعلامية تقليدية مشرقة ما أدى إلى تبديد المخاوف بالفعل من اندثار الصحافة التقليدية الورقية.
وأضافت صوفان «مع ذلك فإن عدداً من وسائل الإعلام التقليدية بدت عاجزة عن مواكبة آليات عمليات التطوير الرقمية في ظل ما تشهده البنية الإعلامية من تسارع وتيرة التغيير»، مشيرة إلى أن كثيراً من الوسائل الإعلامية في المنطقة العربية والعالم لا زالت تعمل بطريقة تقليدية، وبدت وكأنها سجينة الماضي، ما جعلها عاجزة عن مواكبة تغييرات فرضتها الثورة الرقمية وتطور أدوات الإعلام الجديد ومنصاته.
وأشارت إلى أن سيطرة الفكر التقليدي على عمل عدد من المؤسسات الإعلامية تزيد من تعقيد أوضاعها وتفقدها القدرة على تحديد جمهورها والتعرف على اهتماماته المتزايدة من خلال السيل العارم من المعلومات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، فيما ارتبطت هذه العوامل بقدرة المؤسسة على البقاء والاستمرار.
واستندت محاور الندوة على العديد من التساؤلات دارت حول أبرز المهارات والتقنيات الواجب توفرها في «رئيس تحرير الغد»؟، ومدى قدرة وسائل الإعلام على مواكبة المتغيرات، إلى جانب طبيعة النماذج الدولية الممكن تعميمها والاستفادة منها على مستوى الوطن العربي، وتأثير الإنترنت على صناعة الأخبار، سيما وسائل الإعلام المطبوعة، والدروس المستفادة من المؤسسات الإعلامية التي وظفت الإعلام الرقمي. وقال سمير حصني إن الإعلام العالمي يشهد تغيرات متسارعة لا بد من مواكبتها للحاق بقطار التغيير السريع المنطلق بقوة، لافتاً إلى أن الإعلام التقليدي لا يمكن أن يندثر أبداً، والأمر لا يمكن اختصاره في منافسة بين التقليدي والرقمي ولكن الإثنين مكملان لبعضهما البعض وهما في حاجة لبعضهما البعض.
وأشار حصني إلى أن الصحافي عندما يكتب الآن في أي موضوع يتم التعليق عليه بعد دقائق على خلاف ما كان يحدث في الماضي، ولهذا فإن الأمر يتطلب تطوير المحتوى الإعلامي ومعرفة احتياجات القراء واهتماماتهم ومدى تأثير الخبر عليهم.
واعتبر أن المشكلة تكمن في طبيعة وأهمية المحتوى الإعلامي وليس في مسألة «الرقمي» أو «التقليدي»، منبهاً إلى أن الخبر الذي يحتاجه القارئ في الصباح يختلف عما يحتاجه في المساء أو فترة الظهيرة.
وتطرق حصني إلى تجربة صحيفة «وول ستريت جورنال» التي رفضت تقديم محتواها مجاناً، ومع ذلك شهدت إقبالاً واسعاً على الإنترنت بسب جودة ما تقدمه من محتوى.
وأضاف أن الصحافة الورقية لديها عراقة منذ مئات السنين والمهم هو البحث عن التمويل من أجل الاستمرار في البقاء والصمود ومواجهة التحديات الجسيمة، والمهم أيضاً هو العودة للقارئ ومقاربة اهتماماته، لافتاً إلى أن مشكلة الإعلام الرقمي هو أن يتقوقع الجميع على أنفسهم ويعيشون داخل عالمهم الخيالي والافتراضي.
وقال حصني إن الإعلام الرقمي جعل الجميع صحافيين لكن دون مصداقية، ما يعطي الإعلام الورقي ميزة لأنه يعتمد على صحافيين مدربين لديهم مصادر أخبار تكون في معظمها ذات مصداقية. ولفت حصني إلى أن المؤسسات الإعلامية الأوروبية بدأت منذ وقت طويل في البحث عن صحافيين بين طلاب الجامعات لتدريبهم على التكنولوجيا الجديدة وذلك لمواكبة التغييرات التقنية في المجال الإعلامي، مشيراً إلى «إعلام دون محتوى جيد يموت لا محالة».
وطالب وسائل الإعلام التقليدية اليومية أن تكون بمثابة صحف أسبوعية تصدر بشكل يومي، من خلال إدخال تغييرات جاذبة للقارئ مثل الورق المصقول والمحتوى الجيد والموضوعات الشيقة والتفاعل مع القارئ وتقليل عدد الصفحات.
وأبدى حصني دهشته من أن الصناعة الوحيدة التي تتحدث عن اندثارها هي صناعة الإعلام، فيما نرى أن صناعات عالمية أخرى مثل السيارات والسينما لا تتحدث عن موتها رغم ما تواجهه من تحديات، داعياً للتمييز بين شبكات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و»فيسبوك» والصحافة الرقمية.
من جانبها قالت مها أبو العينين إن «غوغل» تعكف على تطوير المحتوى الإعلامي من خلال تدريب آلاف الشباب على كيفية تطوير المحتوى الإعلامي سواء عبر الصحافة المكتوبة أو الرقمية أو عن طريق الهواتف الذكية.
وأضافت أن شبكة الإنترنت تتطور باستمرار بشكل يومي تقريباً، ويجب أن يتواكب الإعلام مع الخطوات السريعة للإنترنت والوسائل الرقمية.
وقالت إن الأمر المهم هو ألا تفقد الصحافة الاستقصائية دورها على حساب الإعلام الرقمي الذي يركز على الخبر والمعلومة فحسب، دون التطرق إلى التحليل والتعليق والتحقيق الاستقصائي.