ور ورضوض وتهتكات بجسمه النحيف، قبل أن يغمض جفنيه ويغادرنا إلى الأبد يوم 30 أبريل 2012. رثاه العديد من الشخصيات البارزة في البحرين والمسؤولين والأدباء وأصدقاء العمر ممن عايشوه في الذكرى السنوية الأولى لوفاته في حفل تأبين أقامته جمعية الحكمة للمتقاعدين، وهو من عمل على إنشائها عام 1989.دفتر صنقور محمد حسن صنقور من مواليد عام 1926 بالعاصمة المنامة، كان والده المرحوم علي بن سلوم بن سالم آل سلوم يعرف بالملا علي صنقور، وهو لقب اكتسبته العائلة بدلاً من آل سلوم، ووالدته المرحومة فاطمة الحداد من سكنة النعيم، وللراحل 6 من الإخوة الذكور و4 بنات، وترتيبه بينهم الرابع والثاني من الذكور، وكان والده تزوج أربعة وترتيب والدته الثانية، أخوه الأكبر هو المحامي الراحل حميد صنقور، ويعتبر أول محامٍ بحريني كان يجول أروقة المحاكم في العقود الأولى من القرن الماضي.دخل الراحل محمد صنقور الحياة العلمية في سن مبكرة جداً، وقبل أن يبلغ السادسة من عمره تعلم تلاوة القرآن على يد والده الذي كان حينها مشغولاً بالخطابة الحسينية، ودفعه انشغال والده إلى استكمال تعليمه على يد «بالسرو» أو سريه وهو لقب عائلة المعلم، ورافقه مدة 3 سنوات والتزم بتعليمه القراءة والكتابة والقرآن الكريم والفقه.وعند بلوغه الثالثة عشرة دخل المدرسة الجعفرية المعروفة حالياً بمدرسة «أبو بكر الصديق»، وكانت حينها المدرسة النظامية الوحيدة ولم تكن أدخلت تحت إشراف دائرة المعارف بعد، وكان مديرها الراحل سالم العريض وسكرتيرها الأستاذ عفيف فلسطيني الجنسية، وتلقى العلم بالمدرسة على يد مجموعة من المعلمين منهم علي شحادة ونديم وسلمان زلوف ومجموعة أخرى من المربين الأفاضل.انتظم الراحل بالمدرسة الغربية 5 سنوات، وكان طلاب المدرسة خليطاً من جميع الأطياف منهم العرب والعجم واليهود والمسيحيين ومن زملائه في تلك الفترة الراحل إبراهيم كانو الذي أصبح فيما بعد مديراً لإذاعة البحرين، والتي بدأت بث برامجها عام 1954.أصغر مدرسبعد أن أمضى صنقور 5 سنوات بالمدرسة الغربية، تلقى خلالها مختلف علوم الرياضيات واللغة الإنجليزية، انتقل إلى المدرسة الشرقية وكان مديرها الراحل حسن الجشي، بعدها أكمل تعليمه التكميلي عن طريق الانتساب بسبب عمله كمدرس.بدأ صنقور حياته مدرساً وهو لم يتم الخامسة عشرة، إلا أنه أكمل دراسته عن طريق الانتساب إلى أن حصل على مؤهل التعليم التكميلي، ومن ثم انتسب لجامعة بيروت العربية بتخصص إدارة عامة، وعندما كان يعمل مدرساً للغة الإنجليزية والتاريخ التحق بالعمل كمتعاون «بارت تايم» في إذاعة البحرين بعد افتتاحها، بوظيفة معد للأخبار والنشرة الجوية، وكان يستقي المعلومات من القاعدة الجوية البريطانية بالمحرق. عمله في النشرة الجوية وإعداد الأخبار سببت له الكثير من المتاعب، واصطدم بالمستشار بلجريف أكثر من مرة، حيث كان الأخير يعترض على أسلوب صنقور في إعداد النشرة، لأنها ـ حسب ادعاء بلجريف ـ كانت جريئة أكثر من اللازم والمطلوب تخفيفها، ورفض صنقور هذه القرارات وفضل الاستقالة من عمله في الإذاعة على الخضوع لقرارات بلجريف وكان يرى فيها تدخلاً سافراً في عمله.أما سبب اصطدامه الرئيس مع بلجريف فبدأت عندما رفض أن يترجم مقالاً يهاجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كان ذلك في الخمسينات وإثرها اعتقل وسجن 6 أشهر، بعدها أفرج عنه وأعيد للعمل في الإذاعة، لكنه قرر تركها والتوجه للعمل في المكتبات.في رحاب المكتبة في عام 1946 أسست دار المعارف أول مكتبة عامة في البحرين، بعد أن حول الراحل أحمد العمران ـ كان حينها يشغل منصب مدير المعارف ـ مكتبة الكلية الثانوية بالمنامة إلى أول مكتبة عامة، ورأسها في البداية أحمد السني وهو من وضع أرقاماً متسلسلة للكتب، ومقرها في ذلك الوقت إحدى غرف مبنى المعارف المقابل للمخبز الشرقي، إلا أن السني لم يكمل مشواره مع المكتبة لميله الواضح إلى الفن التشكيلي.كان صنقور إبان تلك الفترة مدرساً بابتدائية الخميس، وكان مديرها عبدعلي عباس أديبي، وخلال إحدى زيارات أحمد العمران للمدرسة لمح محمد صنقور منكباً على قراءة كتاب لدرجة أنه لم ينتبه لزيارة مدير المعارف، وشعر العمران أنه وجد ضالته في إدارة المكتبة خلفاً للسني، فقرر اختياره لإدارة المكتبة العامة بعد افتتاحها رسمياً بعام واحد. وبطلب من صنقور أقرت أول ميزانية للمكتبة العامة 250 روبية، بعد أن كانت المكتبة تعتمد على تبرعات المحبين للمعرفة أمثال حسن الجشي وإبراهيم العريض ومحمد دويغر، وكانت كل ما تحتويه المكتبة لا يتعدى 350 كتاباً، وساعدت الميزانية الأولى للمكتبة صنقور على رفدها بالعديد من الكتب الأدبية والتاريخية والجغرافية والدينية والروايات العربية وتراجم الرجال وتفاسير القرآن الكريم والمعاجم والدواوين الشعرية إضافة إلى مجلات آخر ساعة وروز اليوسف والمصور والرسالة والأديب والهلال، أما الصحف والمجلات الأجنبية فكانت دار الاعتماد البريطاني والمجلس الثقافي البريطاني يتكفلون بجلبها للقراء.يوم مطالعة للسيداتفي عام 1956 طلب صنقور من أحمد العمران تخصيص يوم لمطالعة السيدات، وبعد الموافقة تم توظيف أول سيدة بحرينية بالمنصب زوجته ورفيقة دربه المدرسة ليلى جعفر الناصر، وبالاتفاق معها خصص لها يوماً في الأسبوع للعمل بالمكتبة في حين تواصل بقية الأسبوع كمدرسة، وبقيت في عملها حتى عام 1969، حين فتح المجال أمام المرأة لارتياد المكتبة طوال أيام الأسبوع، رغم أن نظرة المجتمع في ذلك الوقت كانت تفضل عمل المرأة في التدريس والتمريض باعتبارها أكثر ملاءمة لطبيعتها.عندما تم تعيينه مراقباً عاماً للمكتبات عام 1971، أحدث صنقور تغييرات كثيرة وبارزة، وسع المكتبة ونقلها إلى المبنى المجاور للمدرسة الثانوية التجارية، وهي عبارة عن صفوف تجارية كانت تستخدم سكناً ليعقوب القوز، وكانت لصنقور تجربة فريدة من نوعها تتمثل في إعداد عربات صغيرة «ترولي» توضع عليها الكتب وتطوف أحياء المنامة لإعارة الكتب للأهالي عام 1967، رغبة منه في إيصال الكتاب إلى المواطن البحريني بمختلف السبل.ودشن التجربة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة وزير التربية والتعليم آنذاك، إلا أن التجربة مع ما تحمله من أهداف ثقافية رائدة لم تنجح، فتوقفت خدمة العربات المتنقلة في نفس العام 1976 بسبب فقدان العديد من الكتب، وفي عام 1975 عمل على إبراز قانون يلزم جميع المؤلفين بإيداع نسخ من مصنفاتهم في المكتبة العامة حفظاً للتراث الثقافي البحريني، وصدر مرسوم أميري بذلك، ويعد واحد من الإنجازات الكبيرة للمكتبة العامة.وفي عهده تم افتتاح العديد من المكتبات في البحرين في مناطق المحرق ومدينة عيسى وجدحفص وسترة والرفاع والحد وعراد بدءاً من منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات.في عام 1988 أحيل صنقور إلى المعاش، وكرمه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ومنحه الجائزة التقديرية للعمل الوطني، كما كرم من قبل عدة جهات بينها وزارة التربية والتعليم على جهوده المخلصة تجاه الوطن.صنقور بقلم منصور سرحان بعد رحيله كتب عنه صديقه د.منصور سرحان في السابع من مايو 2012 مقالاً في جريدة «أخبار الخليج» قال فيها «فقدت البحرين برحيل المغفور له محمد حسن صنقور أحد رجالاتها الذين بذلوا عطاء مميزاً في حياتهم، ويعد الفقيد المؤسس الأول لحركة المكتبات العامة في البحرين، وإن كان سبقه في المجال عبدالكريم العليوات وأحمد السني، إلا أنهما خدما في مجال المكتبات لفترة محدودة لا تقاس بالفترة التي عمل فيها الفقيد على مدى أكثر من 40 عاماً من عام 1947 وحتى منتصف عام 1988.تعرفت عليه للمرة الأولى عام 1973، حين كنت مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة مدينة عيسى الثانوية، عندما استدعاني مدير المدرسة آنذاك الأستاذ مصطفى جعفر وعرض علي وظيفة أمين مكتبة المنامة العامة، باعتبار الشروط المطلوبة لتلك الوظيفة تنطبق علي، ومنها أن يكون بحريني الجنسية، ويحمل مؤهلاً جامعياً ويتقن الإنجليزية ولديه إلمام بالثقافة، وقال لي غداً تقابل الأستاذ محمد صنقور مراقب المكتبات العامة حينذاك. كانت المقابلة مع الصديق محمد حسن صنقور أكثر من ممتازة، فبعد أن طرح علي الأسئلة قال أنت خير من يتولى المنصب، وتم نقلي إلى العمل بالمكتبة العامة اعتباراً من عام 1973، وجنيت الكثير من وراء عملي برفقته فقد كان الراحل معروفاً لدى الجميع في البحرين ومنهم الوزراء والمسؤولون وكبار موظفي الدولة والكتاب والمثقفون، ما جعلني أرتبط بصداقات مع أولئك المسؤولين والأدباء والكتاب حتى يومنا هذا.كان دمث الخلق، متواضعاً، على درجة كبيرة من العلم والثقافة، حاضر البديهة، محباً للقراءة والاطلاع لدرجة أنه كان يقضي الكثير من وقته في القراءة والبحث، ما جعله أحد أكبر المثقفين في البحرين، وكان يتردد على زيارته في مكتبه وبصورة مستمرة مجموعة من رجالات البحرين أتذكر منهم د.علي محمد فخرو، حسن جواد الجشي، محمود المردي، محمد قاسم الشيراوي، إبراهيم العريض، د.جليل إبراهيم العريض، وخليل المريخي، والكثير من الأدباء وكتاب الحداثة آنذاك ومنهم د.علوي الهاشمي، والشاعر قاسم حداد، وخلف أحمد خلف، ومحمد الماجد وغيرهم، إضافة إلى صلته بالكثيرين من البسطاء من عامة الناس.عمل الراحل في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين على إدخال مشاريع تطويرية لخدمة الثقافة، ووضع ثقته بي ما جعلني أتولى تنفيذ الكثير من المشاريع تصب في تطوير الخدمات المكتبية، وخاصة أنه اختارني رئيساً لأمناء المكتبات العامة وهي الوظيفة التي تلي المدير مباشرة. وكانت مشاريعه في عقدي السبعينات والثمانينات هي سبب بروزي شخصياً على الساحة الثقافية، ما يعني أنني مدان له في هذا المجال، وجد في أواسط السبعينات من القرن العشرين افتقار المدارس إلى مكتبات مدرسية فطلب مني أن أضع خطة لإدخال خدمة المكتبة المدرسية المتنقلة على غرار المكتبة العامة المتنقلة، وتم تدشينها عام 1975 لتطوف على المدارس التي لا توجد فيها مكتبات مدرسية، واستمرت الخدمة حتى عام 1981، حيث تم تحديث وتأسيس المكتبات بجميع المدارس على يدي د.علي محمد فخرو وزير التربية والتعليم آنذاك.وعمل على افتتاح فرع لمكتبة المنامة العامة بمستشفى السلمانية يقدم خدماته إلى المرضى والعاملين بالمستشفى من أطباء وممرضين وموظفين وعاملين، واستمر هذا الفرع في تقديم خدماته قرابة 5 أعوام اعتباراً من أوائل ثمانينات القرن العشرين.عرضت على الراحل فكرة تنظيم معرض للكتب فتحمس للفكرة وعملنا معاً على تنظيم أول معرض كتاب بمفهومه الحديث في تاريخ البحرين الثقافي عام 1976، وأطلقنا عليه معرض الكتاب العربي الأول، في قاعة القسم الداخلي المجاورة للمكتبة العامة بالمنامة، ثم تطورت الفكرة بدءاً من عام 1978 حيث تم تنظيم معرض البحرين الدولي الأول للكتاب، وهو المعرض الذي تحملت مسؤوليته بعد إحالته إلى التقاعد.لم تقتصر خدماته على تطوير المكتبات العامة فقط، وإنما أخذ يتطلع إلى نشر مفهوم الثقافة بكل أبعادها، فاتجه إلى تأسيس أول جمعية للموسيقى ومقرها مبنى مكتبة المنامة العامة، وانضم إلى الجمعية إبان تأسيسها الكثير من محبي فن الموسيقى، وبعد أن قوى عودها تركها ليتولاها مجموعة من الموسيقيين والمهتمين بالشأن الموسيقي.ويعد الأستاذ محمد حسن صنقور المؤسس الأول لجمعية «بيت الحكمة» للمتقاعدين، حيث عرض الفكرة على مجموعة من المسؤولين بالدولة، وتمكن مع رفاقه من تأسيس أول جمعية للمتقاعدين في المنطقة.كان مبدعاً بكل ما للكلمة من معنى، وكان من طلائع رواد نشر الثقافة في البحرين، وقدم جهوداً مضنية في فترة كأنه خلالها ينحت في الصخر، إلا أنه رغم ذلك لم ينل التكريم الذي يناسب عطاءه وجهده بدءاً من عمله مترجماً للأخبار التي تذيعها البحرين اللاسلكية آنذاك، حيث يترجم أخبار محطة الـ»بي بي سي» من الإنجليزية إلى العربية، إضافة إلى عمله مدرساً ومديراً للمكتبات العامة، ومؤسساً لبعض جمعيات المجتمع المدني، ما يجعل المطالبة بتكريمه من قبل الجهات الرسمية والأهلية من الأمور التي تجعلنا جميعاً نشعر برد الجميل إلى من أحب وطنه وخدمه بأمانة وإخلاص، وتلك هي الشيم والقيم العربية الأصيلة».وفي مقال آخر كتب منصور «شهدت البحرين منذ مائة عام وبالتحديد عام 1913 أول محاولة لتأسيس مكتبة عامة في البلاد من قبل الأهالي في العاصمة المنامة، وكانت الظروف مهيئة لإنشاء مكتبة عامة في البلاد بعد أن زاد عدد المتعلمين المتخرجين من المدارس التبشيرية في البلاد، وكذلك المتخرجين من الهند، إضافة إلى حفظة القرآن الكريم وكثرة علماء الدين الدارسين في الداخل والخارج.وكانت مكتبة الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة التي أسسها في منزله بالمحرق في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ويؤمها الشعراء والأدباء، أحد عوامل تشجيع أبناء المنامة العاصمة لتأسيس مكتبة عامة تكون مفتوحة للجميع، ومن بين أهم العوامل الرئيسة التي أدت إلى سرعة تبني افتتاح مكتبة عامة في البلاد عام 1913، تردد الشباب البحريني حينذاك على المكتبة الإرسالية بالمنامة التي أسسها القس صموئيل زويمر عام 1894، والتي أثارت حفيظة وقلق الأهالي من المتعلمين والمثقفين ورجال الدين في العاصمة، خصوصاً أن المكتبة كانت تعرض الصحف البريطانية لقرائها بالمجان، كما كانت تعرض الكتب التبشيرية، ما حدا بمجموعة من شباب المنامة الذين نالوا قسطاً من العلم والثقافة، إلى تبني تأسيس مكتبة عامة تكون بديلاً عن مكتبة الإرسالية التبشيرية.بدأت تلك الطليعة من الشباب الواعي حينذاك وهم خليل المؤيد، ومحمد حجي حسين العريض، والشيخ محمد صالح يوسف، وناصر الخيري، ومحمد علي التاجر، وعلي بن خليفة الفاضل، وسعد الشملان، ومحمد إبراهيم الباكر، وسلمان التاجر، وعلي إبراهيم كانو في تبني مشروع المكتبة، وفي أول اجتماع لهم تم اتخاذ قرار تأسيس مكتبة عامة وافتتاحها منتصف عام 1913 بالعاصمة المنامة، من خلال استئجار دكان كبير بشارع الشيخ عبدالله، ووضعوا فيه بعض الكراسي والطاولات ليكون مقراً للمكتبة، واشتركوا في مجلات «المقتطف» و»المنار» و»الهلال»، ووضعوا بعض الكتب في خزانات ليتم الاطلاع عليها كنواةٍ لتأسيس المكتبة.وبمجرد سماع الأهالي عن افتتاح أول مكتبة عامة يسمح للجميع التردد عليها وقراءة الكتب والمجلات المتوافرة فيها، عمت الفرحة بين الجميع، ونالت اهتماماً واسعاً من قبل أبناء مدينتي المنامة والمحرق بصفة خاصة، وبقية مناطق البحرين بصفة عامة، وأصبحت مدار حديث الناس في الشوارع والطرقات وحتى المنازل.كانت المكتبة تفتح أبوابها نهاراً فقط ، وكان الإقبال على أشده، ما اضطر العاملين عليها التفكير بافتتاحها ليلاً لتستوعب الأعداد الغفيرة التي كانت تتطلع للاستفادة من مقتنياتها، إلا أن العقبة الوحيدة التي واجهت المؤسسين أن المكتبة لا يسمح لها أن تفتح ليلاً وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها آنذاك، فاتجهوا إلى تحويل المكتبة إلى نادٍ، وبذلك يسمح لهم بفتحها ليلاً.نجح المؤسسون في تحويل المكتبة إلى ناد أطلق عليه «نادي إقبال أوال»، للتحايل على افتتاح المكتبة ليلاً، وزاد عدد المترددين على المكتبة في الليل بشكل لافت وأصبحت المكتبة أو نادي إقبال أوال، المكان المناسب لتجمع المثقفين والمتعلمين آنذاك، يتحاورون فيما بينهم في أمور الفكر والثقافة.وتأثر أعضاء النادي بالدعوة الإصلاحية التي نادى بها رشيد رضا صاحب مجلة «المنار» وزميله محمد صدفي، ما أثار حفيظة رجال الدين حيث لم تكن الأندية في تلك الفترة مقبولة لديهم وخصوصاً أنهم وجدوا في الآية الكريمة «وتأتون في ناديكم المنكر» (العنكبوت: 29)، سبباً وجيهاً للمطالبة بغلق النادي خوفاً من انتشار الفساد، فأخذوا يشوهون سمعة أعضاء النادي، وقالوا عنهم الرهط العشرة «ويقصدون العشرة المؤسسين للنادي» الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأنهم يأتون في ناديهم المنكر.ووصل الأمر إلى أن ذهب مجموعة من المشايخ إلى القاضي قاسم بن مهزع وأخذوا يشوهون سمعة جميع أعضاء النادي قائلين إنهم يا شيخ يأتون في ناديهم المنكر من خلال قراءة صحف النصارى مثل الهلال والمقتطف، وزاد تحامل المشايخ على جميع المؤسسين، فتم تهديدهم وتهديد ناصر الخيري بجدع أنفه إن لم يغلق النادي باعتباره أحد الأعضاء الرئيسيين المؤسسين، فخاف على أنفه من الجدع بأمر شرعي، وانتهى الأمر بغلق النادي في نفس عام تأسيسه، وقضي بذلك على أول تجربة لتأسيس مكتبة عامة من قبل الأهالي في البلاد منذ مائة عام».