دبي - كشف تراجع سوق العقارات الذي شهدته غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 2009 و2010، عن مشاكل هيكلية عميقة في القطاع. وفي حال أراد المطورون العقاريون الرائدون في المنطقة التعافي وتحقيق عائدات مستدامة ومعدلة وفق المخاطر إلى المساهمين، يجب على المدراء التنفيذيين التركيز على خلق القيمة أكثر منه على تشييد المباني. والأهم من ذلك، عليهم أن يتعلموا من أخطائهم السابقة التي تجلت خلال الأزمة.
ووفقاً لشركة بوز أند كومباني للاستشارات الإدارية، يمكن لمطوري العقارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستعداد للدورة العقارية المقبلة عبر تطوير القدرات التجارية الرئيسية وإعادة رسم نهج التعامل مع السوق. وعندما تتوفر المكونات المناسبة، سوف تتمكن الشركات العقارية من تحسين موقعها من السوق للاستفادة من الفرص الجديدة وولوج الأسواق التي تعاني نقصاً في الخدمة مع تسارع تعافي السوق.
وفي غضون أشهر قليلة، تحول قطاع التطوير العقاري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من القطاع الأكثر حركةً في العالم إلى قطاع سعت فيه الشركات للحصول على مساعدة لتسديد ديونها. ارتكب المطورون عثرات مشابهة في مرحلة النمو الضخم تبلورت مع تراجع السوق. في الواقع، حقق المطورون في الشرق الأوسط نمواً سريعاً جداً وانتشروا في قطاعات عقارية وقطاعات مجاورة متعددة، وغالباً ما تغاضوا عن تطوير القدرات التجارية والأرباح لصالح المشاريع الكبرى، وفشلوا في إدارة مصادر الإيرادات والمخاطر بشكل مناسب، بغية تكوين فهم أوضح لقطاع العقارات في المنطقة، يجب فهم خصوصيات الشرق الأوسط والأسواق الفرعية المختلفة.
ويتألف قطاع العقارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من سوقين «قديمة» و«جديدة» مختلفتين تماماً، وتتمتعان بخصائص متناقضة. تضم الأسواق «الجديدة» مراكز سكانية سريعة النمو في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل أبوظبي والدوحة ودبي. تشهد هذه المدن تطوراً مستمراً بفضل تدفق إيرادات النفط والعمال الأجانب ودخول رؤوس الأموال التحكيم.
في هذا الإطار، شرح شريك في بوز أند كومباني، فادي مجدلاني: «توفر هذه الأسواق الجديدة مروحةً من الفرص؛ فهي معروفة بالمشاريع العقارية المهمة والمشاريع الكبرى التي حظيت بدعم حكومي قوي. شجعت هذه العوامل العديد من المطورين على النمو وتخطي نطاق صلاحياتهم وحجمهم وقدراتهم الأساسية. ولم يكن التأثير الكبير الذي تركته الأزمة العقارية على هذه الأسواق الجديدة مفاجئاً».
في المقابل، شهدت الأسواق القديمة- أي مدن المشرق مثل عمان وبيروت والقاهرة- نضجاً تدريجياً خلال العقود السابقة وفتحت فرص نمو معتدلة. تتسم الأسواق القديمة بتوفر محدود نسبياً في الأراضي والتمويل، وتفتح بالتالي فرصاً محدودة. وغالباً ما تكون المشاريع الجديدة التي تتسم بها هذه الأسواق صغيرة إلى متوسطة الحجم وتتولى إدارتها مجموعة مجزأة من المطورين من القطاع الخاص.
إضافةً إلى ذلك، إن تأثير قطاع العقارات على الاقتصاد في الأسواق القديمة أصغر بشكل كبير من تأثيره على الاقتصاد في الأسواق الجديدة.
وتتجلى التحديات العميقة التي يواجهها أهم المعنيون الرائدون في قطاع العقارات بوضوح في تجربة الإمارات العربية المتحدة. وقبل انهيار السوق، شهدت الممتلكات العقارية وأسعار العقارات في الإمارات ارتفاعاً حاداً بعد سلسلة من المشاريع الضخمة التي ترافقت مع توفر رأسمال للتحكيم بكميات لم يسبق لها مثيل قبل الانهيار، وتسببت بصعوبات انتقل تأثيرها في الاقتصاد العام. وفي تلك الأيام، ولأسباب واضحة، ركز مطورو العقارات في الإمارات على السرعة وحجم المشروع عند اتخاذ القرارات أكثر من التركيز على العوامل الأخرى. فكانت الدولة مشاركة في برنامج ذات أولوية قصوى لتشجيع النشاطات الاقتصادية الجديدة.
وفي هذا الإطار، قال مدير أول في بوز أند كومباني، رامي صفير: «سعياً منها للاستفادة من موقعها الرئيس ومن البيئة المؤاتية للأعمال التي خلقتها، توجب على الإمارات العربية المتحدة توفير حجم كافٍ للعقارات ذات جودة عالية. كان الأمر ضرورياً لدعم الصناعات الناشئة مثل المالية والاتصالات والسياحة. لذلك، قامت الشركات العقارية بتطوير نماذج عملها وشركاتها حول وعد إنشاء وبيع وتشغيل مشاريع ضخمة».
أتت النتائج الأولى مبهرة. فارتفعت أسعار العقارات ارتفاعاً كبيراً تخطى 10% في السنة منذ مطلع القرن وحتى عام 2008. ولكن، بين عامي 2009 و2010، تدهور النمو العقاري. وبعد عقدٍ من التوسع، اجتمعت الأزمة الاقتصادية وغياب الاستثمارات التحكيم والطلب الحقيقي من المستخدم النهائي، إلى جانب تراجع التمويل المحلي، لكي تؤدي إلى ركود سوق العقارات في الإمارات العربية المتحدة وإلى تباطؤ الاقتصاد، إلا أن دخل مطوري العقارات كان الأشد تأثراً بالأزمة بسبب الاختلالات الهيكلية في القطاع. فكانت مواطن الضعف متجذرة في الطريقة التي انتهجها تطور القطاع في السنوات السابقة، والتي اتسمت بـ: «توسع واسع الانتشار دون استراتيجيات سوق محددة: قامت غالبية المطورين بتوسيع عملياتهم بسرعة في ثلاث محاور: سلسلة القيم والجغرافيا والفئة العقارية. غير أن هذا النهج افتقر إلى مبرر طويل الأمد ونتج عنه تكاليف مالية واضحة، سرعة في التسليم وإهمال لخلق قيمة مضافة: وفرت حدة الازدهار العقاري للمطورين فرصاً محدودة جداً لبناء قدرات تجارية والتي تعتبر مصدر المزايا التنافسية. غير أن هيكل غالبية الشركات لم يسمح لهم بالتركيز على الشؤون التجارية في نشاطاتهم خلال فترة النمو، ولم تملك العديد من الشركات قدرات التطوير وإدارة الأصول لتحقيق أكبر قيمة مضافة، ومصادر إيرادات متقلبة وإدارة مخاطر غير كافية: ركز المطورون الإماراتيون على تحقيق إيرادات سريعة ومرتفعة عبر بناء وبيع وحدات سكنية بشكل أساسي. أدى ذلك إلى اعتماد المطورين الإماراتيين على بيع الأصول وهي عمليات تتم مرة واحدة وتنضوي على مخاطر كبرى
وأضاف صفير: «في المستقبل، سوف يكتسي بناء أصول أكثر ربحية أهمية أكبر وبالتالي إدارتها على نحو يضمن خلق قيمة مضافة. وسوف تكون القدرات التجارية القوية أكثر أهمية من الشكل الهندسي. إلى ذلك، وعبر التركيز على الفرص الجذابة والقابلة للتحقيق، وعبر تسليم مشاريع تأخذ المخاطر في الاعتبار، يمكن للشركات تطوير قدرات تفاضلية تضمن نجاحها على المدى الطويل».