كتب ـ علي الشرقاوي:
اتصل بي قبل ثلاثة أسابيع الصديق فواز أحمد سليمان وسأل «هل اتصلت بك السفارة السعودية؟» قلت لا، ورد عندها «يتصلون بك حتماً لدعوتك كصحافي لحضور الملتقى التنسيقي للجامعات والمؤسسات المعنية باللغة العربية في الرياض ما بين 7-9 مايو».
بعدة أيام اتصل بي د.عبدالله الزهراني الملحق الثقافي في السفارة السعودية لدى البحرين ودعاني لحضور الدعوة، وأرسلت لي التذكرة عبر البريد الإلكتروني، ولم أعرف من من الصحافيين البحرينيين سيكون حاضراً.
حكاية التلفون
عندما جلست في قاعة رجال الأعمال أحتسي القهوة الأمريكية، تذكرت أني نسيت التلفون كعادتي دوماً، قلت لنفسي «لماذا التذمر لأترك الموضوع»، تملكتني فكرة الترك ولكن الفكرة لم تستقر في الذهن طويلاً، وحدثت نفسي «لماذا لا أشتري هاتفاً رخيصاً بشكل مؤقت، اشتريت الهاتف وذهبت لخدمة السوق الحرة في المطار وطلبت منهم شحن البطاقة، قالوا لي «عليك أن تعود إلى داخل المطار لتشتريها»، استصعبت الأمر وتركت الموضوع، متعشماً أن يكون تلفوني هو «السرنديب» الخاص بي، وهو أن نسيان التلفون يقود إلى موضوعات جميلة كلها خير. عدت إلى قاعة رجال الأعمال لألتقي بالصديق الباحث فهد حسين وجلسنا، بعدها بفترة وصل الشيخ صلاح الجودر، وتحاورنا في الكثير من الموضوعات الثقافية التي تؤرقنا.
بعد مرور بعض الوقت، سمعت اسمي يتردد في ميكروفون المطار، ذهبت إلى كونتر القاعة وقال لي الشرطي المتصل بي «هناك من يريد مكالمتك عن نسيان تلفونك»، طلبت منه أن يحضره لي مشكوراً إلى قاعة رجال الأعمال، وبالفعل أحضروا التلفون، ومباشرة اتصلت بزوجتي الشاعرة فتحية عجلان، لأعرف ماذا حدث للتلفون، قالت إن الفلبيني الذي أوصلني اتصل بها خائفاً، بعد أن رأى التلفون في السيارة، أخبرته أن يذهب إلى شرطة المطار لإيصاله، هذا بعد أن قرعتني على سوء إهمالي، قلت لها «ليست المرة الأولى، فقد نسيته سابقاً في سيارة الصديق الفنان خليل الرميثي عندما أوصلني إلى المطار في إحدى السفرات السابقة».
في قاعة الفيصل
وصلنا الرياض عند الخامسة مساءً، واتصلنا بالدكتور الزهراني لمعرفة الفندق الذي نسكن فيه، قال لنا إني والشيخ صلاح الجودر نسكن في فندق ماريوت أما فهد حسين ففي فندق أنتركونتيننتال، لم نعرف طبعاً سبب تفريقنا، لأننا كلنا مدعوون لتغطية نفس الملتقى.
من مطار الرياض أخذنا لافتتاح الملتقى الذي ينظمه مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، وهو الملتقى التنسيقي للجامعات والمؤسسات المعنية باللغة العربية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الكبرى بفندق أنتركونتيننتال.
وعند الافتتاح عرفنا أن الملتقى استضاف المراكز والجامعات والمؤسسات الخادمة بصورة مباشرة للغة العربية في الدول الخليجية، كما إنه استضاف نخبة من المختصين في جلسات نقاش تنتهي باستخلاص التوصيات وتفعيل المبادرات وتحقيق عدد من المشروعات، خاصة أن دول الخليج العربي تتعرض لتطورات اجتماعية واقتصادية وإعلامية تؤثر سلباً على لغتها، ومن هنا تبرز أهمية الملتقى في استشراف المستقبل ووضع الخطط والمبادرات الكفيلة بتثبيت الهوية اللغوية.
وتبنى مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، استضافة الجامعات والمؤسسات الخادمة بصورة مباشرة للغة العربية في دول مجلس التعاون، على اعتبار أن دول الخليج العربية هي موطن العربية الأول، ولأنها تضم عشرات المؤسسات والجامعات والمراكز الخادمة للعربية، وهي في مجملها تقوم بأعمال نوعية، وتسهم في تثبيت الهوية اللغوية، ولكن قد يعوزها التنسيق والتكامل البيني، إضافة إلى ما تشهده هذه الدول من تطورات اقتصادية واجتماعية وإعلامية مختلفة قد تؤثر على لغتها.
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى استشراف المستقبل، ووضع الخطط والمبادرات المميزة الكفيلة بتثبيت الهوية اللغوية العربية في دول الخليج العربية، بناء على المشكلات الواقعية والمتوقعة.
محاور الملتقى
ناقش الملتقى خلال جلساته عدة محاور مهمة، شملت استعراض الجهود الخليجية في خدمة اللغة العربية، وعرض أبرز التجارب الناجحة في خدمة اللغة العربية في دول الخليج العربية وغيرها، ومناقشة تأثير العمالة الوافدة في دول الخليج العربية على اللغة العربية، وبحث قضية الإعلام والازدواجية اللغوية في دول الخليج العربية، ومناقشة قضية الشباب واللغة، وابتكار مسارات للجهود التنسيقية المستقبلية لخدمة اللغة العربية في دول الخليج العربية، وندوات علمية ذات تخصصات متنوعة يشترك فيها علماء وباحثون من أنحاء العالم تهدف إلى معالجة قضايا واهتمامات عامة تتصل باللغة العربية على مستوى الوطن العربي والعالمي، وهي تتكامل في أبعادها العامة مع جلسات النقاش المخصصة للدائرة الخليجية.
وشاركت البحرين في الملتقى عبر العديد من الشخصيات، وساهم بعضها مساهمة كبيرة في إثراء النقاش في العديد من المحاور المطروحة في الملتقى.
ومن الأسماء الحاضرة د.عدنان بومطيع ود.محمد أمين ود.ضياء الكعبي ود.وفاء السبيعي والباحث التربوي عادل زايد البنكي.
عالم فندق ماريوت
في فندق ماريوت التقينا بدكاترة من سلطنة عمان هما د.صالح الفهيدي ودكتور تربوي آخر والشاعرة الكويتية المعروفة سعدية مفرح، وشاركنا في الكثير من النقاشات في شتى أمور الحياة.
كان الملتقى مزحوماً لدرجة أنه لا يمكننا أن نتنفس، ولا وجود لوقت نستطيع الخروج فيه، وأوصاني الصديق أحمد جاسم العكبري بضرورة شراء عدة قرب جلدية لحاجتهم لها في مسلسل «برايحنا» الذي جري تصويره الآن، لذلك كان لابد من الحصول على وقت للذهاب لسوق الدرعية وسوق الزل وحصن المصمك.
أخذنا المرافق الأستاذ سلطان عثمان الربيعة، أنا والشيخ صلاح الجودر وسعدية مفرح وابن أخيها فارس والدكتور العماني إلى وادي حنيفة حيث السد الرائع الذي أنشئ للاستفادة من مياه السيول.
الدرعية القديمة
الدرعية كما يقول عنها المؤرخون، مدينة صنع فيها التاريخ أمجاد الآباء والأجداد، إذ شهدت أكبر حركة إصلاحية دينية في العالم الإسلامي، ففي عام 1158هـ الموافق 1745، كان الاتفاق على ميثاق الدرعية بين أمير الدرعية الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، إذ اتفق الإمامان على الدعوة إلى تصحيح عقيدة الناس مما علق بها من الشرك والبدع والخرافات، بالعودة إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ذلك باللسان والسنان.
وبذلك الاتفاق العظيم، فتح التاريخ ذراعيه للدرعية، لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وبدأت الحركة الإصلاحية، وانتشرت الدعوة السلفية، وأصبح لها نفوذ واسع، ومؤيدون في أنحاء الجزيرة العربية وفي خارجها، وما أن جاء القرن الثاني عشر الهجري، حتى صارت أكبر مدينة في جزيرة العرب، يؤمها العرب من اليمن وعمان والحجاز والعراق والشام، في وقت كان فيه العالم الإسلامي غارقاً في سباته العميق، يقبع في ظلمات الجهل والفقر.
فصول الكفاح والتضحية
الكثير من الدراسات التاريخية أكدت أنه منذ قيام الدولة السعودية الأولى عام 1158هـ، التي تولى قيادتها الإمام محمد بن سعود المتوفى سنة 1175هـ، ثم تولي الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود من بعده، حيث ظهرت مقومات الدولة، وتكاملت بنيتها الأساسية، لتشمل الجيش والعتاد والسلاح والرجال والمساحات الشاسعة المنتجة للخيرات وبيت المال ودور العلم ورجال الأمن للحراسة والسهر واستتباب الأمن والضرب على أيدي العابثين واتساع رقعة الدولة.
أظهرها رجال الدرعية لمدة خمسة أشهر وسيكتب بمداد من نور قصة الدماء الزكية، والنفوس الأبية، التي سقطت دفاعاً عن العقيدة والدين.
مصنع الرجال
ويرى الباحثون أنه عندما سقطت الدرعية أعتقد كثيرون، أنه بسقوطها انتهى كل شيء، وانفرط عقد الوطن، وتبعثر رجاله، وأنه تم القضاء على الدعوة السلفية، وقضي على من تعهد بالدفاع عنها، وكان ذلك هو الهدف من غزو الدرعية، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة، فسرعان ما خابت ظنونهم، بعد أن اصطدمت بواقع جديد، صنعه بطل مقدام من آل سعود، ممن تعهد بالدفاع عن الدعوة، إنه الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثانية عام 1240هـ.
توحيد المملكة
توحيد المملكة من القصص الواجب على الجيل الجديد أن يتعرف عليها، لأنها خير تعبير عن رغبة الإنسان العربي أن يتعرف ويرى أن الدول العربية لا يمكن أن تكون لها مكانتها الحقيقية بين دول العالم دون الوحدة.
شهد يوم 17 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 19 سبتمبر 1932، صدور أمر ملكي أعلن فيه توحيد البلاد وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية، ابتداءً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932 (الأول من الميزان)، وتوج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وبهذا الإعلان أصبحت الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وأصبحت دولة عظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية، وأصبحت الرياض اليوم واحدة من أسرع مدن العالم في النمو والازدهار وتحقيق مستوى عالٍ من التطور في شتى المجالات والمناحي.
الرياض جنة الصحراء
علينا أن نعرف جيداً أن مدينة الرياض عاصمة المملكة مدينة تاريخية عميقة الجذور، هي اليوم حاضرة عالمية كبرى بسكانها ومرافقها وخدماتها المتطورة، فضلاً عن مركزها السياسي والاقتصادي والحضاري، ومن الناحية التاريخية لعبت الرياض دوراً بارزاً في تاريخ نجد عبر أكثر من ثلاثة قرون، وكانت عاصمة الدولة السعودية الثانية في عهد الإمام تركي بن عبدالله عام 1240هـ (1824) وعاد لها مجدها بعد استعادتها على يد الملك عبدالعزيز في الخامس من شوال 1319هـ (15 يناير 1902) لتبدأ على أرضها صناعة التاريخ الحديث ونسيج الحضارة المعاصرة.
قصر المصمك
بني قصر المصمك عام 1895 على يد الأمير عبدالرحمن بن ضبعان عند توليه إمارة الرياض أيام محمد العبدالله الرشيد، كان المصمك يقع في الركن الشمالي الشرقي للرياض القديمة قرب السور القديم، ويقع الآن في حي الديرة.
وكان المصمك مسرحاً لمعركة فتح الرياض التي استعاد فيها عبدالعزيز بن سعود مدينة الرياض لأسرته آل سعود من آل رشيد عام 1902، ولاتزال آثار تلك المعركة الشهيرة موجودة على باب القصر ممثلة في سنة الرمح الذي قتل به ابن عجلان «عامل بن رشيد على الرياض»، حيث لايزال الباب الأصلي موجوداً إلى وقتنا الحاضر.
ويعتبر قصر المصمك من مباني الرياض الأصلية القليلة الباقية إلى الوقت الحاضر، ويحوي الآن بداخله متحفاً مخصصاً لتوحيد المملكة العربية السعودية على يد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
والمصمك أو المسمك يعني البناء السميك المرتفع الحصين، واستخدم كمستودع للذخيرة والأسلحة بعد فتح الرياض 1902، وبقي يستخدم لهذا الغرض إلى أن تقرر تحويله إلى معلم تراثي، يمثل مرحلة من مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية.
ففي عام 1400هـ، أعدت أمانة مدينة الرياض دراسة خاصة لترميم المصمك، ثم تبنت في ما بعد وزارة المعارف ممثلة في الوكالة المساعدة للآثار والمتاحف، بالتنسيق مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض برنامجاً لتحويل هذا المعلم إلى متحف، يعرض مراحل تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز، حيث تم افتتاحه أوائل عام 1416هـ الموافق 1995 تحت رعاية الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض آنذاك.
بوابة القصر
تقع بوابة القصر في الجهة الغربية، ويبلغ ارتفاعها 3.60م وعرضها 2.65م، وهي مصنوعة من جذوع النخل والأثل، ويبلغ سمك الباب 10سم، ويوجد على الباب 3 عوارض، يبلغ سمك الواحدة منها حوالي 25 سم، وفي وسط الباب توجد فتحة تسمى الخوخة، تستخدم بوابة صغيرة، وهي ضيقة لدرجة أنها لا تسمح إلا بمرور شخص واحد منحنياً، وشهد هذا الباب المعركة الضارية بين الملك عبدالعزيز وخصومه، حيث يمكن مشاهدة الحربة التي انكسر رأسها في الباب.
وعلى يسار المدخل يقع المسجد، وهو عبارة عن غرفة كبيرة يوجد فيها عدة أعمدة، وفي الجدران أرفف لوضع المصاحف، وداخل المسجد محراب وفتحات للتهوية في السقف والجدران.
ويقع المجلس «الديوانية» في مواجهة المدخل، وهو عبارة عن حجرة مستطيلة الشكل وبها وجار، حسب الشكل التقليدي للوجار في منطقة نجد، وفي الجهة الغربية منها فتحات للتهوية والإنارة، كذلك في الجهة الجنوبية المطلة على الفناء الرئيس.
وفي الجهة الشمالية الشرقية بئر للمياه، تسحب منه المياه عن طريق المحالة المركبة على فوهة البئر، ويسحب الماء بواسطة الدلو.
وفي كل ركن من أركان مبنى المصمك الأربعة برج أسطواني الشكل، يبلغ ارتفاع الواحد منها 18 متراً تقريباً، يصعد إليه بواسطة درج، ثم بسلمين من الخشب، ويوجد في كل برج أماكن للرمي على محيط البرج، ويبلغ سمك جدار البرج حوالي 1.25م، وفي وسط المصمك، برج مربع الشكل، يسمى المربعة، يشرف على القصر من خلال الشرفة العليا.
ويوجد فناء رئيس للقصر، تحيط به غرف ذات أعمدة متصل بعضها ببعض داخلياً، وفي الفناء درجات في الجهة الشرقية تؤدي إلى الدور الأول والأسطح، كما يوجد ثلاث وحدات سكنية، الأولى كانت تستخدم لإقامة الحاكم، لتكاملها وارتباطها بعضها ببعض وسهولة اتصالها، والثانية استخدمت بيتاً للمال، والثالثة خصصت لإقامة الضيوف.
العودة إلى البحرين
قررنا أنا والشيخ صلاح الجود والكاتب فهد حسين ألا نحضر الجلسة الأخيرة لأن وقتها يتعارض مع وقت مغادرتنا، وقلنا إننا سنأخذ وجبة الظهر في المطار، ولأني أحمل القرب معي في كيس، ذكرني الشيخ الجودر بضرورة تغليفها، تركت حقائبي، حقيبة الملابس وحقيبة اليد لشحنها وذهبت لتغليف القرب وشحنتها أيضاً. ونحن ننتظر على كراسي السفر، اتصل بي رقم سعودي غريب، أجبته فقال لي إن حقيبة اليد عندهم وعلي الذهاب لاستلامها في كونتر التفتيش، بالطبع اندهشت، وذهبت لهم وقال لي «هل هي حقيبتك»، قلت نعم، قال «انظر إذا كان ثمة شيء مفقود، وحينما استفسرت كيف عرفوا أنها تخصني، قالوا فتشناها، فوجدنا «البزنس كارد» فيها فقمنا بالاتصال، شكرتهم وكانت عندي مجموعتان شعريتان أهديتهما له، وعدت لأمر بعملية التفتيش ـ وتجبرني على خلع حزام البنطال، ما يعني أن أبذل جهداً كبيراً لأضعه في مكانه بعد المرور من جهاز التفتيش الإلكتروني.