تحتفلُ الكرة الألمانية أمسية الغد بعودة ذات الأذنين إلى ألمانيا، بعد غيابٍ استمر 12 عاماً منذ آخر تتويجٍ لفريقٍ ألماني بكأس بطولة دوري الأبطال، في حدثٍ تاريخي كتبهُ فريقي بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند بوصولهما إلى النهائي الألماني الأول في تاريخ البطولة الأكثر شعبية حول العالم.
ولكن، يخطئ من يظن بأن هذا النهائي الألماني سيكون هادئاً واعتيادياً، هذا ولأن طرفي النهائي هم من أشدِ الأعداء وألدِ الخصوم، وهذا ما صرحت بهِ جماهير الزعيم البافاري بعد تحديد طرفي النهائي، في مباراة الكلاسيكو التحضيرية لنهائي ويمبلي على ملعب سيجنال إيدونا بارك، برفعهم للوحة كبيرة كتب عليها: «الجميع يتحدث عن نهائي ألماني، أما نحن فلا، نحن بافاريون، نحن ميونخ». في تحدٍ واضح بدون مجاملة أو مهاودة، أعلنتها جماهير الفريقين، بأن الحرب مستمرة، وأهم مراحل الفصل فيها سيكون مساء السبت. هذه المعركة الشديدة السخونة، لم تقتصر على أرض الملعب فقط ولا من المدرجات، بل بدأت منذ زمن ليس بالقصير بين الناديين بكافةِ الوسائل وشتى الطرق من خلال التنافس الشديد على الألقاب، وهذا يظهر جلياً في مبارياتهم الساخنة والمشحونة دائماً، فنتيجة المواجهة تساوي للجماهير بطولة بحد ذاتها، أو بتصريحاتهم الساخنة في حربٍ باردة، تشتعلُ في كل جولة وبعد كل مرحلة، في محاولةٍ بين إثبات الهيمنة أو إسقاطها إلى الأبد، فهنا لن تجد للتراجع سبيلاً، كيف لا وهي معركة بين زعيمٍ لا يرحم وبين فارسٍ متمرد لا يستسلم.
جحيم الإفلاس يتوج البافاريين ملوكاً بلا منازع
حتى أوائل التسعينات، كانت الزعامة المطلقة في ألمانيا لنجمة الجنوب وسيدها فريق بايرن ميونخ، فكان يسرح ويمرح في البطولات معتزاً بكؤوسه والبقية تتابع وتتأمل، حتى بدأ عملاقٌ من الرور خرجَ من قمقمهِ ليخطف بطولتين من الزعيم في موسمين متتاليين، وليتوجها أخيراً ببطولة ظلَ ذلك الزعيم أكثر من عقدين من الزمن يحاول الوصول إليها من دون جدوى.
فكانت بطولة دوري الأبطال سنة 1997 بمثابة الرمح الذي أصاب عين الزعيم، وليبدأ بعدها مرحلة التحدي والانتقام، وكان هذا جلياً من خروج النادي الفيستفالي عن المألوف، بتدعيم صفوفهِ بنجومٍ كبار وبرواتب عالية، أثقلت كاهل ذلك العملاق وكادت أن تودي بهِ إلى جحيم الإفلاس، بالرغمِ من تصريحات المدير العام لنادي بروسيا دورتموند في 2001 ميشيل مايير والذي صرح خلالها بأن «بروسيا دورتموند لديه سيولة نقدية في وضعٍ أفضل من بايرن ميونخ»، وهذا ما كذبتهُ أحداث 2003، حينما أجبرَ نادي بروسيا دورتموند على قبولِ مليوني يورو، كقرضٍ قدمهُ الغريم بايرن ميونخ بابتسامة صفراء من شامت.
لينسحب بعدها فريق بروسيا دورتموند نظراً لأوضاعهِ المالية المتردية لجمع قواه والعودة في 2010، بعد أن ظن الجميع بأنه لن يعود.
أسود فستفاليا
تعود أكثر شراسة
ولكن عادَ بعدها الغريمان إلى منافسةٍ أشرس وتصريحاتٍ أكثر سخونة، كانت تزيد حطبها مجريات التحدي في المباريات وأسواق بيع اللاعبين، في حربٍ وتنافس ليس فقط بين جنوب ألمانيا وشمالها أو شرقها وغربها، ليس بين عملاقين في البوندسليغا فحسب، بل وصلت للنزاع على المثل العليا، والذي أشعلها رئيس النادي البافاري أولي هونيس مع بداية الموسم الحالي، مقللاً من قيمة إنجاز فريق بروسيا دورتموند، الذي كان قد حققَ بطولة البوندسليغا للموسم الثاني على التوالي مدعماً بفوزٍ كبير على الغريم في نهائي الكأس.
فيقول هونيس: «دورتموند شيءٌ محلي، بينما البايرن لاعبون عالميون».
لم يمضِ وقت طويل حتى ردَ الرئيس التنفيذي لبروسيا دورتموند يواخيم فاتسكة بشيءٍ من الحكمة، لا ينقصها قليلٌ من الدهاء مذكراً هونيس ببطولتي الدوري ونهائي الكأس، فيقول فاتسكة: «أود لو استطعنا الحصول على بعضِ الاحترام على ما حققناه في السنوات الأخيرة، من الواضح أن هذا يمثلُ هوة عميقة».
هذا وزادَ شدة التصريحات بعد أشهرٍ قليلة، قبل مواجهة الفريقين الكبرى في الدوري، لاعبٌ ترعرعَ في كنافاتِ النادي البافاري، ولعبَ دوراً أساسياً في إنجازات دورتموند الأخيرة، منذ انتقالهِ إلى « الشيء المحلي».
ماتس هوميلس أشعلَ حقد العملاق البافاري بتصريحاتهِ التي أكد فيها عن عدم اهتمامهِ بالفريق السابق، وأنه لم يعد جزءاً منه بقوله: «لستُ مهتماً، وفقدت كل اتصالاتي معهم».
وكانت لخسارة ربع النهائي من كأس ألمانيا بهدفٍ نظيف، شرارة النار الكبرى في حرب التصريحات بين الفريقين، حينما قللَ يورجن كلوب من تفوق رجال يوب هاينكس، مشككاً بقدرتهم على الابتكار والإبداع، ومذكراً بخطفِ فريقه لبطولتين بالرغم من تفوق الفريق البافاري مادياً، حيث يقول مدرب ماينز السابق: «البايرن مثل الصينيين في الصناعة، يُشاهدون ما يفعلهُ الآخرون ثم ينسخونه، ثم يصنعون مثلهِ بعد إضافة المزيد من المال عليه».
إلا أن هونيس لم يوفر فرصة الرد سريعاً على كلوب ومن الصين كذلك، مذكراً بكل فخر عالمية ناديه مقارنةً بـ»الشيء المحلي»، فيقول هونيس: «إذا كنت تمشي في شوارع بكين، وسألت الناس عن اسم نادٍ ألماني يعرفونه، سيكون الجوابُ دائماً هو بايرن ميونخ وليس دورتموند».
ليُجيبه يورجن كلوب لاحقاً: «أنا لا أعرف إذا ما كان الناس في الصين سيفكرون فوراً ببروسيا دورتموند كنادٍ لكرة القدم، لا أعتقد بأن هذا سيكون مهماً».
في حين يتساءل المرء عن مزاجِ الناس في أقصى آسيا، ومن سيشجعون في نهائي ويمبلي، كان رد لاعب خط وسط فريق بروسيا دورتموند كيفين جروسكرويتز: «الجو هناك مختلف وأكثر هدوءاً، لكن البايرن يملك العديد من مشجعي النجاح»، في إشارةٍ على المشجعين الذين يُشجعون الفريق الفائز.
«خيانة» جويتسه تعيد الخلافات على السطح
«أما بالنسبة لجويتسه، فكل شيءٍ شرعي، لم أكن سعيداً من أجل النمط»، هذا كان تعليق الرئيس التنفيذي لنادي بروسيا دورتموند يواخيم فاتسكه، عقبَ الإعلان عن انتقال نجم الفريق ماريو جويتسه إلى الغريم بايرن ميونخ، ثم أضاف فاتسكه موضحاً: «البايرن يستمر بذات النمط منذ فترة طويلة، بإضعاف الخصوم كجزءٍ من استراتيجيتهم لتحقيق النجاح».
بينما عبرَ المدير الفني لبروسيا دورتموند عن صدمتهِ بفقدانه اللاعب، قائلاً: «هناك من لا يريد لنا أن نكون ناجحين، ولكننا سنفعل كل ما يتطلبه الأمر لأن لا يحدث ذلك».
ولم يكن في انتقال جويتسه سوى دافع إضافي سيزيد من سخونة ويمبلي بضيفيهِ الألمانيين، فلم يعد يقتصر الفوز بدوري الأبطال على أنهُ إنجازٌ كبير، بل سيكون صاعي الانتقام التي يرغب كلوب ومن حوله بردهما انتقاماً لرحيل جويتسه، في حين يرى المعسكر البافاري بأركانهِ وكامل منظومته، أهمية إثبات الهيمنة المُطلقة للزعامة في ألمانيا.
هذا ما حاولَ فيليب لام الحديث عنه عقبَ خسارة نهائي الكأس في الموسم الماضي بخمسة أهداف لهدفين، حيث يقول القائد: «كنا الفريق الأفضل، ولكن من الصعب قول هذا في ظل الخسارة بـخمسة أهداف لهدفين». في حين يرى توماس مولر بتأثير انتقال جويتسه للبايرن على نهائي ويمبلي، بأنهُ سيضيف نكهة خاصة على اللقاء المليء دوماً بكافةِ النكهات، حيث يقول صاحب الـ23 عاماً: «سيكون الكثير من التوابل في هذه المباراة وأنا أحب التوابل، وأحب أن نلعب ضد دورتموند لأن هناك سيكون ما هو أكثر من اللعب بالعاطفة «. نعم، مواجهة ويمبلي ليست كأي مواجهة سابقة بين الغريمين، وليست كأي نهائي سابق من تاريخ البطولة، غير واضحة المعالم بقدرِ صعوبة التوقع بنتيجتها، ولكن المؤكد والمضمون سيكون في إثارة المنافسة، والندية الحادة بين الطرفين حتى صافرة النهاية، وأن المعركة لن تتوقف مهما كانت هوية الفائز.
ومن استشعرَ شرار عيون زامر وكلوب في سيجنال إيدونا بارك بعد طردِ رافينيا في المباراة التي جمعت الفريقين، وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق، سيدرك مدى سخونة هذه المواجهة.